الخلايا النائمة... حذر أوروبي وأميركي مُتزايد من تمدد شبكات نفوذ إيرانية في الغرب

أعاد الهجوم الذي وقع أمس الأحد، في مدينة سيدني الأسترالية تسليط الضوء على تصاعد المخاوف الأمنية في الغرب من مخاطر الإرهاب العابر للحدود، واحتمالات تحرّكه عبر شبكات أو خلايا غير مُعلنة. 

ويأتي ذلك في سياق دولي يتّسم بارتفاع منسوب القلق في أوروبا والولايات المتحدة من نشاط مخفي لقوى أجنبية تعمل بأساليب غير تقليدية. وفي هذا الإطار، نشرت مجلة "لو بوان" الفرنسية سلسلة تقارير وتحقيقات مُوسّعة سلّطت الضوء على ما وصفته بشبكات نفوذ إيرانية مُعقّدة ومتعددة المستويات، تمتد من العمل الاستخباري إلى التأثير الإعلامي والأكاديمي والسياسي. 
سيناريوهات "الخلايا النائمة" 
في قلب هذا الجدل، يُقدّم الصحافيان والمحللان الفرنسيان المتخصصان في شؤون الشرق الأوسط، إيمانويل رازافي وجان-ماري مونتالي، تشخيصاً يُعتبر من الأكثر شمولاً لطبيعة ومدى النفوذ الإيراني في أوروبا. وقد كشف كتابهما الاستقصائي "أخطبوط طهران" عن معلومات تُنذر بخطر وشيك. 

ويرى رازافي أنّ هذا النفوذ "لم يعد ظاهرة هامشية أو محصورة بدولة بعينها"، بل بات، وفق توصيفه، "استراتيجية طويلة الأمد تستهدف الغرب بمختلف ساحاته"، مُستفيداً من تداخل العوامل السياسية والإعلامية والأيديولوجية.

ويُشير حسبما نشرته "لو بوان" إلى أنّ فرنسا تُشكّل إحدى الساحات الرئيسية لهذا النشاط، وذلك بحكم ثقلها السياسي والثقافي، غير أنّ الدائرة توسّعت لاحقاً لتشمل دولاً أوروبية أخرى، من بينها إسبانيا وبلجيكا وألمانيا ودول الشمال الأوروبي، إضافة إلى الولايات المتحدة. 
أما مونتالي، فيُشدد على أنّ النفوذ الأيديولوجي والعمل الاستخباري "يسيران دائماً جنباً إلى جنب"، مُعتبراً أنّ الفصل بينهما يُشكّل ثغرة في التحليل الغربي. ويرى أنّ بناء شبكات تأثير ثقافي وإعلامي غالباً ما يسبق، أو يُواكب، تحرّكات أمنية أكثر حساسية عند تصاعد الأزمات، وهو ما يفُسّر، برأيه، القلق المُتزايد داخل الأجهزة الأوروبية والأمريكية من سيناريوهات "الخلايا النائمة". 

فرنسا كنموذج تطبيقي 
تستعرض المجلة الفرنسية في تحقيقاتها أمثلة تعكس هذا التشخيص، فقد أعادت تصريحات أدلى بها مؤخراً محسن رفيقدوست، القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني، الجدل حول عمليات اغتيال عديدة نفّذتها طهران في فرنسا، اعترف بإصدار أوامر تنفيذ بعضها بنفسه.

وتكمن أهمية هذه التصريحات في ما تضمّنته من إقرار باستخدام وسطاء وعناصر غير إيرانية لتنفيذ عمليات في الخارج، ما عزز داخل الأوساط الأمنية الأوروبية فرضية اعتماد أساليب عمل غير مباشرة يصعب رصدها. 

وأوقفت أجهزة الأمن الفرنسية عامي 2024 و2025 مواطنين إيرانيين بعد الاشتباه بضلوعهم في أنشطة استخبارية. وكان يعمل بعضهم لحساب وحدة سرّية تابعة لـِ "فيلق القدس"، بهدف مراقبة معارضين إيرانيين مُقيمين في فرنسا، إضافة إلى التواصل مع أوساط طلابية وجمعيات مدنية.

وتعكس هذه القضايا نمطاً متكرراً من العمل الهادئ وغير الصدامي، الذي يُركّز على جمع المعلومات وبناء علاقات طويلة الأمد، بعيداً عن الأضواء، وهو ما يجعل اكتشافه أكثر تعقيداً بالنسبة للأجهزة الأمنية. 
ويتوقّع خبراء أمنيون وقوع هجوم إرهابي كبير في باريس مدعوم من الحرس الثوري خلال أقل من عامين، خصوصاً في حال تصاعد التوتر مُجدداً في الشرق الأوسط، مُشيرين إلى أنّ فرنسا أصبحت على خط المواجهة المباشر، وأنّ خلايا نائمة في أوروبا يُمكن تفعيلها للتحرّك عند صدور التعليمات. 

الإعلام والجامعات والجمعيات 
تُولي تحقيقات "لو بوان" حيّزاً واسعاً لما تصفه بساحة النفوذ الأكثر حساسية، والمُتمثّلة في الإعلام والجامعات ومراكز الأبحاث. وينقل رازافي ومونتالي عن مصادر متعددة أنّ القنوات الثقافية والأكاديمية استُخدمت، على مدى سنوات، لبناء علاقات مع صحافيين وباحثين، عبر دعوات وبرامج تبادل ورحلات مدفوعة التكاليف. 

وتُعدّ هذه الساحة من أكثر البيئات هشاشة أمام التأثير الخارجي، بسبب ضعف التمويل والحاجة المستمرة إلى الشراكات الدولية. كما وتندرج بعض هذه الأنشطة ضمن ما يُمكن وصفه بحرب معلومات، تهدف إلى تحسين صورة إيران في الخارج أو تخفيف حدّة الانتقادات المُوجّهة إلى سجلها الداخلي. 

بحسب المجلة الفرنسية، لا تقوم المُقاربة الإيرانية، كما ترصدها الأجهزة الغربية، على السعي إلى اختراق مباشر وسريع لمراكز القرار، بل على بناء حضور تدريجي داخل الأحزاب والجمعيات والنقابات. ويصف مونتالي هذا الأسلوب بأنّه "استثمار بطيء في الأشخاص والعلاقات والخطاب العام"، يسمح بالتأثير في النقاش السياسي والإعلامي على المدى الطويل، من دون إثارة انتباه فوري. 

مخاوف الولايات المتحدة 
في الولايات المتحدة، انتقل هذا القلق من مستوى التحليل إلى النقاش الأمني العلني، بعد توقيف عدد من المهاجرين الإيرانيين الذين تبيّن أنّ لبعضهم خلفيات عسكرية أو أمنية. ورغم تأكيد وزارة الأمن الداخلي الأمريكية عدم وجود تهديد مباشر، فإنّ مُصطلح "الخلايا النائمة" عاد إلى التداول في أوساط مكافحة الإرهاب، بوصفه سيناريوً يُؤخذ في الاعتبار في حالات التصعيد الدولي أو الإقليمي. 
ووفق ما نقلته مجلة "لو بوان" عن مصادر إعلامية وأمنية أمريكية، فقد شملت التوقيفات الأخيرة أشخاصاً سبق أن خدم بعضهم في الجيش الإيراني أو في الحرس الثوري، إضافة إلى آخرين وُجّهت إليهم اتهامات تتجاوز مُخالفات قوانين الهجرة، لتشمل حيازة أسلحة أو تقديم معلومات مضللة للسلطات. 

ويُؤكّد مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون في أجهزة الأمن أنّ القلق لا يرتبط بحالات فردية بقدر ما يتصل بإمكانية توظيف أفراد أو مجموعات صغيرة في إطار استراتيجيات غير تقليدية، تعتمد على الانتظار الطويل وتفعيل الشبكات عند الحاجة. 

وفي هذا السياق، شددت وزارة الأمن الداخلي على أنّ المُقاربة الأمريكية تقوم على العمل الاستباقي وتبادل المعلومات بين الأجهزة، مؤكدة أنّ "عدم وجود تهديد وشيك لا يعني غياب المخاطر المُحتملة".