المصدر: المدن
الكاتب: بلقيس عبد الرضا
الجمعة 3 آذار 2023 13:24:09
لم يكن مضى أكثر من شهر تقريباً على إقرار رفع الدولار الجمركي من 1500 ليرة إلى 15000 ليرة ودخوله حيز التنفيذ، -أي 10 أضعاف ما كان عليه- حتى رفعت وزارة المالية "سعر" الدولار الجمركي إلى 45000، أي نحو 33 ضعفاً عن الأصل، ما يزيد من الضغوط على أسعار العديد من البضائع المستوردة.
وعلى الرغم من أن مبررات وزارة المالية، جاءت لرفد الخزينة بمزيد من الأموال، لتمويل الإيرادات، وعلى اعتبار أن جميع الأسعار في البلاد باتت مدولرة، إلا أن انعكاسات هذا القرار المفاجئ والمتسارع، قد يزيد من الضغوط على المستهلكين من جهة، ومن جهة ثانية، يزيد أرباح التجار.
ماذا عن السلع الاستهلاكية؟
رفع الدولار الجمركي قد لا ينعكس مباشرة على أسعار السلع الاستهلاكية، حسب ما أكده نقيب أصحاب السوبرماركت نبيل فهد لـ"المدن"، إذ أن أغلبية السلع الاستهلاكية الغذائية معفاة أصلاً من الجمارك، بسبب اتفاقيات التيسير مع الجانب العربي والأوروبي، خصوصاً السلع الأساسية مثل الألبان والأجبان التي يعتمد عليها المواطن كجزء من سلته الغذائية. ووفق فهد، فإن معظم السوبرماركت والمحال التجارية، قلصت نسبة السلع المستوردة بأكثر من 70 في المئة، وباتت معظم المنتجات محلية الصنع.
وقد تتأثر وفق فهد بعض السلع الاستهلاكية المستوردة من الدول الأسيوية، وتحديداً المعلبات والخضار المثلجة، إذ ستخضع لسعر الدولار الجمركي الجديد. ووفق فهد، فإن السلع الاستهلاكية للمواطن، وإن تأثرت، فقد لن يكون مداها أكثر من 1 في المئة.
كلام فهد من الناحية النظرية أمر حقيقي وأساسي، ومن غير المفروض أن يتم رفع أسعار السلع الاستهلاكية نتيجة رفع الدولار الجمركي. هذا في حال كانت وزارة الاقتصاد تقوم بدور الرقابة الجدية على آلية التسعير. ولكن التجارب السابقة، حين رفع الدولار الجمركي من 1500 ليرة إلى 15 ألف ليرة، كانت الأسعار يتم فرضها بالدولار الفريش، ويتحمل المواطن الأعباء. فالتجار -عند رفع الدولار الجمركي إلى 15 ألف ليرة- فرضوا تسعيرة السلع بالدولار الفريش، وبالتالي، فإن الفرق في سعر الدولار الجمركي بين 15 ألفاً و45 ألفاً، تم تسديدها من قبل المواطن وبالدولار الفريش، التي ذهبت عوائد مالية وأرباحاً لجيوب التجار. وعليه، في المرحلة الراهنة، فمن غير الطبيعي أن يرفع تاجر السلع الاستهلاكية الدولار الجمركي إلى 45 ألف ليرة، إلا إذا أراد زيادة عوائده المالية، وهو أمر غير مستبعد في ظل الفوضى الحاصلة في البلاد.
جولة ميدانية
بعد إقرار الدولار الجمركي الجديد، سادت حالة من الفوضى في الأسواق، خصوصاً لدى تجار التجزئة، بعدما رفض الموزعين وتجار الجملة توصيل الطلبات المتفق عليها مسبقاً إلى حين إعادة تسعيرها. وهو ما ذكره أحد أصحاب السوبرماركت في العاصمة بيروت. يقول زهير عاكوم "رفض بعض تجار الجملة بيع المنتجات الاستهلاكية المتفق عليها". وحسب عاكوم، فعلى الرغم من عدم توضيح الأسباب، من المرجح أن التجار قد بدأوا بفرض أسعار جديدة على جميع المنتجات المستوردة، بعيداً عن أي اعتبارات، مستغلين بذلك الفوضى الحاصلة، وسعر صرف الدولار الذي ينخفض ويرتفع في دقائق معدودة.
قطاعات تتهاوى
القرار الجديد فاجأ العديد من أصحاب المصالح الخاصة، وتحديداً أصحاب معارض السيارات، وتجار قطع السيارات، بالإضافة إلى تجار الأجهزة الخليوية، والمعدات الكهربائية التي ستشهد أسعارها ارتفاعات كبيرة، تجعل من الصعب على اللبنانيين الحصول عليها، حتى قد تعرض أصحاب هذه المؤسسات إلى خسائر كبيرة، نتيجة عدم قدرتهم على تسويق السلع. وهو ما دفع نقيب أصحاب معارض السيارات المستعملة وليد فرنسيس، إلى انتقاد القرار، لافتاً إلى أن العديد من أصحاب المعارض سيضطر إلى إقفال أبوابها، بسبب ارتفاع قيمة الرسوم والضرائب. واستغرب في حديثه لـ"المدن" قرار الرفع إلى 45 ألف ليرة، في ظل الوضع الحالي، متسائلاً كيف يمكن أن يكون فرض رسوم للدولة تصل إلى أكثر من 50 في المئة من قيمة البضائع المستوردة؟
ويؤكّد أن رفع الدولار الجمركي بهذا الشكل من شأنه تدمير القطاع، وتقليص استيراد السيارات المستعملة. فإذا كان لبنان يستورد سنوياً 50 ألف سيارة، فلن يستورد بعد اليوم أكثر من 10 آلاف سنوياً.
يستغرب إبراهيم خليل -تاجر قطع سيارات- قرار وزارة المالية، الذي جاء من دون دراسة اقتصادية، يقول لـ"المدن": يعاني قطاع غيار السيارات، الذي كان مورداً أساسياً لرفد الخزينة بالعائدات المالية، من عواقب الأزمة الحاصلة. ومنذ عامين والقطاع في حالة من الانهيار، وبعد ذلك يتم فرض الدولار الجمركي على أساس 45 ألفاً ويضاف إليها الضريبة على القيمة المضافة، فتصبح الرسوم على هذه السلع أعلى من ثمنها.
يضيف خليل: "إن كانت الحكومة تبحث عن آليات لتمويل الإيرادات، فإن الانعكاسات عن هذه القرارات، ستؤدي إلى إقفال المحال التجارية، وتجويع المئات من العائلات".
مداخيل ضعيفة
قدرت العديد من التقارير الرسمية، أن قرار رفع الدولار الجمركي إلى 15 ألف ليرة سيرفد الخزينة بنحو 1700 مليار ليرة شهرياً، أي نحو 20 ألف مليار ليرة سنوياً، ومع رفعه إلى 45 ألف ليرة، أي ثلاثة أضعاف ما كان عليه، ستصل الإيرادات إلى ما يقارب 60 ألف مليار ليرة. ولكن هل هذه العائدات كافية على الأقل لسد تمويل بند رواتب موظفي القطاع العام، في ظل التضخم المفرط، وبلوغ سعر الصرف حاجز 90 ألف ليرة؟