الدولار: هدنة المحارب قبل الهجوم؟!

يتواصل التلاعب بأعصاب اللبنانيين مع تواصل التفاوت بسعر صرف الدولار منذ قرابة الثلاث سنوات. فعلى الرغم من تشكيل الحكومة الذي ترافق مع انخفاض في سعر صرف الدولار امام الليرة اللبنانية، الا ان الأخيرة ما لبثت وعاودت الانهيار عقب جلسة نيل الثقة التي عقدت في اليونيسكو.

وبين من قائل انّ الدولار سيواصل تراجعه الى ما دون الـ10 آلاف ليرة، وبين مُشكّك يتحدث عن ارتفاعه في وقت لاحق الى ما فوق الـ 50 الفاً، يبقى "الدولار" الهاجس الأساسي للبنانيين. فوسط السيناريوهات القاتمة، يشعر من يمتلك الدولار وكأن الدنيا بألف خير وانه في زمن الاستثمار والحصاد، أما من لا يشتم رائحته، فيحاول جاهداً أن يصمد في ظل هذه الظروف القاسية متأملاً ان يستقر سعر الصرف في يوم من الايام لكي يحاول ان يلملم ما نتج من تداعيات اقتصادية عليه وعلى عائلته ومشاريعه خلال هذه الاعوام.

فأي مصير ينتظر اللبنانيين؟ وما العوامل التي اوقفت الارتفاع الجارف في الدولار؟ واي دولار سيكون بانتظارنا خلال الأيام المقبلة؟

يؤكد الاكاديمي والخبير الاقتصادي د. بيار الخوري أن تشكيل الحكومة بحد ذاته، لن يحل أزمة التلاعب بسعر الصرف الذي يتحكم به مافيا وتجار السوق السوداء، انما هو مجرد عامل ضمن مجموعة عوامل قد يكون بإمكانها إن اجتمعت، أن تؤدي الى اتجاه معاكس لسعر الدولار على حساب مصلحة الليرة.

وهذه العناصر هي كالآتي:

-          اتفاق بين الدولة وصندوق النقد

-          اتفاق بين الدولة ودائني اليوروبوند

-          اصلاحات اقتصادية جاذبة لرأس المال

-          كيفية حل أزمة القطاع المصرفي

-          كيفية تنظيم القنوات المصرفية واسواق المال

-          مشروع ترسيم الحدود لانتاج الغاز والنفط

-          البيئة الجيوسياسية التي نحن فيها

كل هذه العناصر تحتاج الى الكثير من الوقت لكي تُطبق، مما يعني ان التوازن بسعر الصرف لا يزال وللأسف بعيد المنال بحسب د. الخوري.

وهذا الامر يؤكد  ان اي اجراء سياسي لا يمكن ان يعكس بحد ذاته سعر الصرف في السوق السوداء، وبالتالي فان تشكيل الحكومة، وان شكل صدمة ايجابية للسوق، يبقى أضعف من ان يحمل على أكتافه كل هول التفاوت بسعر الليرة، وهو ليس هاماً بقدر ما تجتمع العناصر جميعها.

ويذكّر د. الخوري في هذا السياق، انه خلال ثورة 17 تشرين، كان للبنان حكومة ورغم ذلك كان سعر الصرف يرتفع من دون اي رادع.

كل شيء يحتاج الى دولار

ويعتبر الخبير الاقتصادي ان "مشكلة لبنان تكمن في انه استنزف الاحتياطات الاجنبية وبات غير قادر على تلبية حاجاته الاساسية التي اصبحت جميعها خاضعة لسعر السوق، فكل شيء "عملي" يحتاج الى العملة الصعبة في مجتمعنا غير المنتج، من استيراد المواد الغذائية الى تحويل الاموال وحتى السفر الى الخارج.

اما الثابت، ودائماً وفقاً لد. الخوري، فهو قوة الطلب على مصرف لبنان الذي لم يعد لديه مخزون كاف من العملات الاجنبية ليكون اللاعب الاساسي بالسوق وما زال يحافظ على بعض الدعم لتغطية فيول كهرباء لبنان وبعض الادوية.

من هنا، ضرورة ارساء سياسات مستدامة تؤمن تدفقات من العملات الاجنبية في السوق لتؤدي الى توازن في الميزان التجاري وفائض في ميزان المدفوعات.

الدولار يرتفع وحذارِ الفوضى!

هل سيستقر الدولار قريباً؟ كلا، يقول د. الخوري، فطالما هناك عوامل غير مسيطر عليها، فان الدولار مرجح للارتفاع اكثر من الانخفاض. ومع رفع الدعم بشكل كامل عن المحروقات، والذي من المتوقع ان يحصل في نهاية شهر ايلول الجاري،  سيرتفع سعر الدولار الى المزيد لأن الطلب عليه سيرتفع مما سيدفع التجار الى اللجوء الى السوق لضمان دولاراتهم.

 ويؤكد د. الخوري اهمية رفع الدعم، لأن الدعم بحد ذاته تحوّل الى اداة لتوزيع المغانم ضمن نظام الزبائنية بدلاً من ان يؤمن دعماً حقيقياً للفئات الصغيرة الا انه يشدد على ارساء شبكة امان اجتماعي وإلا سيتجه البلد الى الفوضى.

لبنان اليوم ليس بخير، والمواطنون ايضاً ليسوا بخير، وحدهم من هم بخير هم هؤلاء الذين "يضحكون في عبهم" لأن جيوبهم لا تساع الأرباح التي جنوها على حساب أوجاع الناس.