المصدر: Kataeb.org
الخميس 20 شباط 2025 11:13:34
في إطار التعاون بين ملتقى التأثير المدني ومؤسَّسة كونراد آديناور - لبنان في مسار "لبنان وتحديَّات إصلاح السِّياسات: نحو رؤية متكامِلة"، نشرت المؤسَّستان ورقة عمل تحت عنوان " الدولة اللبنانية والسّيادة: واقع وتطلّع!".
الورقة التي أعدّها د. وجيه قانصو صدرت باللّغتين العربيَّة والإنكليزيَّة جاء فيها: " هذه السيادة، بالنسبة لبودان، هي جوهر خالص غير قابل للتجزئة، موجودة هناك دائماً مثلما أن الله موجود. سلطة سامية أصيلة وأولى لا تأخذ شيئا من الغير ولا تخضع للغير بأي صلة تبعيّة. سلطة غير مسؤولة تجاه أية سلطة أخرى على وجه الأرض، ولا مفوّضة من أي كان. سلطة لديها قوة سن القوانين للجميع، أي الأمر بما تريد أو النهي عنه دون أن يكون بالإمكان استئناف أوامرها أو حتى معارضتها. سلطة تمنع الآخرين من إقرار السلام وشن الحرب وجباية الضرائب وتأدية يمين الولاء بدون إذنها. سلطة تملك حقّ إكراه أي عضو من أعضاء الجسم السياسي، دون أن تكون قابلة للتعرض لأي إكراه إنساني خارجها. إنها سلطة تحتفظ لنفسها بالكلمة الأخيرة".
واستطرد الكاتب: "لذلك، ورغم أن الدستور اللبناني مرتكز في خلفيته إلى الأصول النظرية لمفهومي الدولة والسيادة المتداولين في المجال الغربي ، إلا أنه بهيكليته وصياغاته التشريعية مسكوب بذاتية لبنانية تشدد على الكيانية النهائية للبنان ، وتتمسك بتركيبتها الاجتماعية، وتراعي هشاشة وحساسية مكوناتها الفرعية، وتتموضع في العالم على أساس الشرعية الدولية وموجبات الانتماء والهوية العربيين . كلّ هذا جعله دستوراً يقوم على معادلة دقيقة وفي غاية الحساسية بين ذهنية شرق متروحن وذهنية غرب متعقلن، عقد اجتماعي وتضامنات عضوية، حداثة ليبرالية وأطر تقليدية صلبة، مباديء كلية ومحددات جزئية. ذُكرت السيادة في موضعين في مقدمة الدستور، ما يجعلها تعبّر عن روح الدستور ومبدأ أولياً ثابتاً يشرط باقي نصوص الدستور ويفسرها . فقد نص الدستور على أن لبنان "دولة مستقلة ذات وحدة لا تتجزأ وسيادة تامة". هذا النص يستوفي كامل شروط السيادة، التي تشدد على أن الدولة كيان واحد لا يقبل التجزئة، وأن مساحة سلطته في إدارة شؤون الحياة العامة تامة وشاملة. كذلك فقد نص الدستور على أن "الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية". وهو نص لا يلغي النص الأول أو يعارضه، بل يقع في طريقه، لجهة أن الدولة هي الكيان الذي يجسد إرادة الشعب ويجعله ملموساً وظاهراً، ما يجعل السيادتين: سيادة الدولة وسيادة الشعب واحدة. ولذلك أكد النص أن الشعب يمارس سيادته عبر الدولة حصراً، بحيث تنتفي صلاحية أو سيادة أية مؤسسة أو كيان مدني أو أمني ينشأ خارج الدولة وبموازاتها، ويدّعي لنفسه صلاحية تمثيل أو التعبير عن الشعب أو عن جزء منه".
وأضاف الكاتب: "مدار فعليّة السيادة هو الواقع السياسي نفسه، الذي يتجلى في التضامنات والتحالفات وموازين القوى من جهة، وفي الممارسات والتأويلات والخطاب من جهة أخرى. فإذا كان الدستور حاسماً في مبدأ السيادة، فإنه يبقى افتراضياً لا يتحقق إلا بالممارسة والتقيد الصارم به في جميع مجالات الحياة العامة. ورغم أن الدستور مرجعية لأية شرعية أو معنى سياسي، فقد كان عرضة لسوء التفسير، وقابلاً للتعطيل مع وجود موازين قوى تنزع إلى فرض عرف سياسي وتقديم تفسيرات مشوهة للسيادة، تكون بمثابة دستور رديف غير مدون لتوزيع لسلطة وممارستها. لنكون بالتالي أمام فجوة لا يمكن ردمها بين السيادة المفترضة دستورياً من جهة وبين مجريات الواقع من جهة أخرى. يمكن القول أن الواقع السياسي في لبنان، منذ اتفاق الطائف، شكل انتكاسة لسيادة الدولة، التي تعرضت إلى سوء تفسير حيناً، وتعطيل متعمد حيناً آخر، تمثل ذلك بمستويات ثلاث: وصاية خارجية، خارجي، فائض قوة داخلي، عرف سياسي رديف للدستور ».
وختم قانضو: " أخطر مقوّضات السيادة هو خلق عرف سياسي رديف للدستور، يقوم على تفسيرات استنسابية ومشوهة للدستور وتتنافى مع روحه وثوابته. هذا العرف يصبح مع تكرار ممارسته بمثابة قاعدة أصلية بعدما كانت ثانوية، وثابتة بعدما كانت مؤقتة. ليصبح هو المرجعية في ممارسة السلطة وتوزيع الموارد بدلا من النص الدستوري نفسه. وهو ما حصل زمن الوصاية السورية، وحصل أيضاً حين فرضت قوى الأمر الواقع فائض قوتها على ترسيخ عرف سياسي يكون بمثابة دستور رديف غير مكتوب، وغايته ترسيخ قواعد لعبة تعكس موازين القوى وسلطات الأمر الواقع ".