الدولة لا تكتفي بسلاح "فتح"... واتصالات بالفصائل الأخرى

يبدو يقينا أن الدولة اللبنانية ليست في وارد الاكتفاء بتسليم حركة "فتح" سلاحها الذي كان منتشرا في مخيمات بيروت والجنوب، لتسلّم بأن القرار المتخذ منذ أيار الماضي والقاضي بتجريد كل المخيمات الفلسطينية من أسلحتها قد تمّ وأنجز.

هكذا، وفيما سرت معلومات مؤكدة عن تحضيرات وشيكة لتسلم الجيش أسلحة "فتح" من مخيمي نهر البارد والبداوي في الشمال، أطلقت الدولة بهدوء، وبعيدا من الأضواء، رحلة اتصالات ولقاءات مكثفة مع سائر الفصائل والقوى الفلسطينية لإتمام هذه المهمة تحت عنوان أن لا تراجع من جانبها عن إنفاذ هذا القرار المغطى تماما من جانب رئاسة السلطة الفلسطينية.

في هذا السياق، تحدثت معلومات عن لقاء عقد أخيرا بين رئيس لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني السفير السابق رامز دمشقية وممثل حركة "حماس" في بيروت الدكتور أحمد عبد الهادي، فيما سرت معلومات إضافية عن لقاء مبدئي مرتقب بين دمشقية وممثلي "تحالف القوى الفلسطينية"، وهو الإطار الذي شكلته منذ أعوام الفصائل والمجموعات التي لا تنضوي في إطار منظمة التحرير الفلسطينية.

وبذلك تكون الدولة قد أبلغت إلى كل الجهات الفلسطينية وجوب إنفاذ القرار المتخذ رسميا منذ خمسة أشهر بحذافيره، وأن المطلوب هو التنفيذ الشامل والكامل لمضمون القرار ولا مجال أمام أيّ فريق فلسطيني للتهرب وعدم الالتزام.

ووفق المعطيات أيضا، فإن التفاهم الضمني يقضي باللجوء إلى طرق مرنة لإنفاذ القرار بعدما تعذر التنفيذ وفق الروزنامة الزمنية المتفق عليها سابقا  والتي كان يفترض أن تبدأ على مراحل ثلاث من يوم  15 حزيران الماضي، بفعل بروز عقد فلسطينية نجحت السلطة الفلسطينية في تذليلها لاحقا من خلال إجراءات تنظيمية شاقة، أولها كان مبادرة "فتح" إلى تسليم سلاحها لإحراج الفصائل والقوى الأخرى أمام الدولة اللبنانية أوّلا.

وبحسب معلومات مؤكدة، فإن الدولة والسلطة قد اتفقتا على خريطة طريق مضمونة تنتهي بتكريس تفاهم بينهما يقوم على الركائز الآتية:

- لا مكان بعد اليوم لأيّ سلاح فلسطيني خارج المخيمات.

- يبقى وضع المخيمات على صورته الأخيرة، فلن يدخلها الجيش، بل يبقى متمركزا على مداخلها المعروفة وفي محيطها.

- يتولى جهاز "الأمن الوطني" مهمة إدارة الوضع الأمني في المخيمات بدءا من عين الحلوة حيث بدأ خلال الأيام القليلة الماضية نشاطه وحراكه بغية تثبيت وجوده فيه، محاولا استعادة السيطرة عليه بصفته التجمع السكاني الأكبر والأكثر اكتظاظا بمجموعات متطرفة.

وعلى ما يبدو، فإن الفصائل الفلسطينية تعدّ العدة للمرحلة المقبلة الضاغطة، وذلك على قاعدتين:

الأولى أنها سبق أن لبّت مطالب الدولة اللبنانية وسلّمت كل سلاحها الذي يدرج في خانة السلاح الثقيل (مدافع راجمات...) وسلّمت أيضا قواعدها ومعسكراتها خارج المخيمات.

الثانية، أنها في موازاة هذه المرونة التي تبديها الفصائل، لا تخفي عزمها على العودة إلى رفع لواء مطالبها الدائمة، وعنوانها العريض حوار سياسي شامل مع الدولة ينتهي بإقرار ما تعتبره الفصائل الحقوق المشروعة للاجئين، والمرتبطة بالآتي:

- حماية أمن المخيمات وقاطنيها.

- التمسك بحق العودة ورفض كل ما من شأنه أن يؤدي إلى التوطين.

- إقرار الحقوق المدنية للاجئين على نحو يفك ارتباطهم التاريخي بالفصائل ويتيح لهم حياة كريمة لا تكبّلها القيود الحالية.

تعي الفصائل والدولة على حد سواء أن إثارة هذه المطالب ليست جديدة، فهي كانت محور لقاءات وأنشطة متنوعة نظمتها لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني منذ أن أطلقت الدولة هذه اللجنة إطارا مرجعيا رسميا جامعا ومكرسا لمهمة إعادة تنظيم العلاقات اللبنانية - الفلسطينية على أسس جديدة راقية وشفافة.

وعليه، فقد تم إنجاز تصورات علمية شارك في وضعها جهاز خبراء في القانون والاقتصاد والاجتماع لمعالجة هذا الجانب، وطُبعت على شكل كرّاسات يزود بها كل من يعنيهم الأمر، لكنها بقيت عبارة عن دراسات نظرية من دون تنفيذ عملاني.

في المحصلة، لا تخفي الجهات الفلسطينية عزمها على التمسك بهذه المطالب، معبرا أساسيا ومدخلا ضروريا لأي حوار أو تفاهمات جديدة.