"الديبلوماسية المرقّطة" على أشدّها... إنذارات وحوافز

لم يكن عابراً أن ترتسمَ في الساعات الماضية ملامحُ «عاصفةِ تدميرٍ» أطلقتْها إسرائيل في اتجاه جنوب لبنان وقراه الحدودية خصوصاً، لتوسّع أمس مجدداً اعتداءاتها إلى خارج أرض الـ 1701 أي إلى شمال الليطاني بغارة شنّتها على جبل الريحان – أطراف جزين، وذلك بالتوازي مع ما يشبه «الديبلوماسية المرقّطة» المدجَّجة بتهديداتٍ عبر قنواتٍ عدة وبتسريباتٍ متعمَّدة أوحتْ بأن الوقتَ يضيق أمام «فرصةِ الحلّ السِلمي» لمطلب إبعاد «حزب الله» عن جنوب الليطاني في الوقت الذي أبْقت تصريحاتُ قادة إسرائيليين على ربْط أي تفجير للجبهة بأن يبادر «حزب الله» إلى «طلْقة كسْر الخطوط الحمر».

وعبّرت عن هذه «الديبلوماسية» مجموعة وقائع:

- كشْف أوساط واسعة الاطلاع عبر «الراي» أن حزب الله وصلتْ إليه أخيراً رسائل بأن تل أبيب ستدمّر القرى الحدودية، فكان الجواب «إذا فعلتم سندمّر حيفا»، وذلك بعدما نقلت صحيفة «الأخبار» أن إسرائيل أبلغتْ أنها «باتت تَعتبر كل ما يتحرّك على الحدود مع لبنان، بعمق يصل حتى 3 كيلومترات، مدنياً كان أو عسكرياً، هدفاً مشروعاً لقواتها»، ليردّ الحزب بأن تنفيذ هذا التهديد «سيجعل المقاومة تعتبر كل ما يتحرّك على مسافة 3 كيلومترات في العمق الفلسطيني المحتلّ هدفاً مشروعاً، مدنياً كان أو عسكرياً».

- تسريب تقارير عن أن إسرائيل منحتْ الحكومة اللبنانية مهلة 48 ساعة لبدء مفاوضات حول اتفاقٍ لإبعاد «حزب الله» إلى المسافة التي نصّ عليها القرار 1701 وإلا سيطلق جيشها عملية عسكرية لتدمير أيِّ وكلِّ بنية تحتية للحزب في جنوب لبنان وصولاً إلى نهر الليطاني، وهي التقارير التي ناقضتْها مواقف رسمية في بيروت أكدت أن أحداً لم ينقل مثل هذه التهديدات لأيٍّ من المسؤولين.

- تهديد وزير المال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الذي أعلن أن «حزب الله يُدرك جيداً أنه إذا تجرّأ فسيكون التالي»، وأضاف: «سنُسوّي بيروت ولبنان بالأرض».

حوافز مالية للبنان

- ما أوردته صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أنه في إطار الجهود الفرنسيّة - الأميركيّة لمنع حرب بين لبنان وإسرائيل، ستتوجه وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا إلى تل أبيب في الأيام المقبلة، وأن من الأفكار المطروحة على جدول الزيارة، تقديم حوافز مالية للبنان، وإبعاد «حزب الله» من شمال الليطاني، ومفاوضاتٍ لترسيم الحدود البرية.

وإذ نقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، أن«الفرنسيين منخرطون في الملف بكل قوتهم، وينقلون الرسائل ويعملون على التوصل إلى حل»، لفتت إلى أن تل أبيب أوضحت للفرنسيين أنه في غياب الحل، فإن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، بما فيها العمل العسكري ضد«حزب الله»، مؤكدة أن«إسرائيل تطالب بالتنفيذ الكامل للقرار 1701، بما في ذلك إبعاد حزب الله 40 كيلومتراً عن الحدود في خطوة لن تؤدي إلى إزالة التهديد الصاروخي، ولكنها ستقلل بشكل كبير من خطر التسلل، وتوفر الأمن للسكان في المنطقة شمالاً للعودة إلى ديارهم».

كما أوردتْ أن الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، يعمل على إعطاء اللبنانيين حوافز إضافية للاقتصاد اللبناني المتعثر وهو«يستكشف أيضاً أفكاراً لتنظيم الحدود البرية بين الدولتين».

وفي حين قلّلت الأوساط العليمة نفسها عبر«الراي»من وزْن أي دورٍ فرنسي في ما خص القرار 1701«فالفرنسيون، بالنسبة إلى محور الممانعة لم يعودوا فقط غير مرغوب فيهم بل باتت هناك قطيعة غير معلَنة معهم خصوصاً بعد إسقاط البحرية الفرنسية مسيّرتين للحوثيين في البحر الأحمر»، برز موقف لمساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى السابق ديفيد شينكر أكد فيه أنّ«الدعم الأميركي للحملة (الإسرائيلية على غزة) لن يستمرّ إلى أجَل غير مسمّى. ومن المحتمل أن يتمّ قياس صبر الإدارة المستمرّ بأسابيع وليس بأشهر».

وكتب في مجلة«ناشيونال إنترست»، أنه«بغضّ النظر عن الوقت الذي ستستسلم فيه إدارة بايدن أخيراً للضغوط من أجل وقف إطلاق النار، يجب أن تتعلّم الدرس من عام 2006. لقد أنهى قرار مجلس الأمن رقم 1701 الحرب في لبنان، لكن من شبه المؤكّد أنّه ضمِن اندلاع حريق آخر أكثر تدميراً بين إسرائيل والحزب في المستقبل. والدرس المستفاد من عام 2006 هو أنّ وقف إطلاق النار السيّئ، الهدنة التي تترك حماس في مكانها، لن يؤدّي إلا إلى تأجيل الجولة التالية من إراقة الدماء».

وخلص إلى أنّ«حماس أصبحت مشكلة إستراتيجية لإسرائيل. وفي غياب نكسة حاسمة لحماس في هذه الحرب، فتخرج الحركة، مثل الحزب في عام 2006، بانتصار إلهي، وستعود غزة إلى وضع 6 أكتوبر، مع عواقب وخيمة على الموقف الرادع لإسرائيل وأزمة ثقة في إسرائيل بسبب عجز الدولة عن الدفاع عن شعبها».