الذكاء الاصطناعي: تحول نوعي بالرعاية الصحية والعمليات الجراحية

مدعوماً بالتطورات في أجهزة وبرامج الحوسبة، تزداد قيمة الذكاء الاصطناعي كل عام، وباتت هذه التكنولوجيا تُستخدم في مجموعةٍ واسعة من الصناعات لتحسين الكفاءات واتخاذ قراراتٍ أفضل. ويمتد هذا التأثير الإيجابي ليشمل قطاع الرعاية الصحية وغرف العمليات وشركات الأدوية، فهي ليست بالاستثناء، بل إنها من أكثر المجالات التي بدأ الذكاء الاصطناعي يُحدث ثورةً فيها.

الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي
يتوقع العلماء أن يشهد هذا العام تحولا نوعيا يفرض فيه الذكاء الاصطناعي نفسه بقوة في قطاع الرعاية الصحية، إذ سيستخدم أطباء الأشعة في المستشفيات حول العالم بشكلٍ متزايد الصور الطبية التي تتم قراءتها وتقييمها لأول مرة بواسطة أجهزة الذكاء الاصطناعي، وتشمل الأشعة السينية والتصوير المقطعي المحوسب والتصوير بالرنين المغناطيسي والتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني. كما سيعتمد أخصائيو الجهاز الهضمي على جهاز ذكي للرؤية أثناء تنظير القولون والتنظير الداخلي لالتقاط الأورام الحميدة. حيث أصبح هذا الأمر ممكناً من خلال التحقق الشامل بواسطة جهاز يُسمى "عيون الآلة"، وهو عبارة عن شبكات عصبية عميقة مدربة بمئات الآلاف من الصور التي يمكنها التقاط الأشياء بدقة لا يستطيع الخبراء البشريون التقاطها.

سيساعد الذكاء الاصطناعي في عام 2023 الأطباء أيضاً في مهامهم اليومية، لا سيما من خلال التحرر من مهمة الطباعة المضنية للبيانات الطبية على الكمبيوتر. وببساطة، ستتيح معالجة اللغة الطبيعية والتعلم الآلي الآن إنشاء الملاحظات الاصطناعية تلقائياً من المحادثة بين الأطباء والمرضى في الزيارة أو بجانب السرير.

والجدير ذكره هنا، أننا شهدنا بالفعل استخدام الذكاء الاصطناعي للمراقبة عن بُعد، لاستباق الحاجة إلى دخول المستشفى للمرضى المصابين بـكوفيد- 19 من خلال التقاط البيانات في الوقت الفعلي من أجهزة الاستشعار القابلة للارتداء. وهذا ما سيزداد حكماً في عام 2023. بَيد أننا ما زلنا بحاجة إلى مزيد من تجارب التحقق من الحالة الصحية لإظهار أن الخوارزميات يمكن أن تتوقع بدقة العلامات المبكرة للتدهور السريري.

وقاية المرضى
التحول في التعلم العميق سيستفيد منه بشكلٍ تدريجي المرضى حتماً، إذ بات بالفعل يمكن إخطارهم من خلال خوارزمية ساعتهم الذكية بأن لديهم إيقاعاً غير طبيعي في القلب (مثل الرجفان الأذيني). وفي العام الجاري، سيمتد هذا التطور إلى التشخيص الأولي لجميع الآفات الجلدية، والتهابات المسالك البولية، والتهابات الأذن لدى الأطفال، وعدد متزايد من الحالات الشائعة التي لا تهدد الحياة.

وما ذُكر أعلاه يُعدّ الخطوات المبكرة نحو مدرب صحي افتراضي للوقاية بشكلٍ مثالي من الحالات التي يكون فيها الشخص معرضاً لخطر عارضٍ صحي متزايد. وبذلك سيتم استخدامه في عام 2023 لإدارة حالاتٍ معينة مثل مرض السكري أو ارتفاع ضغط الدم أو حتى الاكتئاب، بمساعدة روبوتات المحادثة والمدربين البشريين في الخلفية عند الضرورة.

الجراحة بمساعدة الروبوت
إضافةً إلى ما أسلفنا ذكره، سيحمل هذا العام تحديثات بارزة على الروبوتات المستخدمة في العمليات الجراحية. ويشتمل النظام الأكثر استخداماً اليوم على كاميرا وأدوات جراحية صغيرة جداً متصلة بأذرع آلية يمكن للجراحين التحكم فيها من خلال شاشة تعرض صوراً مكبّرة في الوقت الفعلي.

تمكن هذه الأنظمة الأطباء من إجراء العمليات المعقدة بدقة ومرونة وتحكم أكبر من التقنيات التقليدية. ويمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل الصور كالأشعة المقطعية والتصوير بالرنين المغناطيسي لإنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد لتشريح المريض، فترشد الأطباء والجراحين حول الهياكل المهمة في جسم المريض، ما يقلل من خطر حدوث مضاعفات.

ونظراً لأن الذكاء الاصطناعي والروبوتات أصبحا أكثر شيوعاً في غرفة العمليات، سيستفيد الأطباء من علاقة تعاونية مع هذه التكنولوجيا. على سبيل المثال، سيكون من الممكن هذا العام أو ربما العام المقبل، استخدام الآلات لتتبع موضع الأدوات الجراحية في الوقت الفعلي وأن يقدم الذكاء الاصطناعي توصيات للجراحين، ما يضمن قيامهم بالخطوات اللازمة في كل إجراء.

ولكون الذكاء الاصطناعي أصبح يجمع ويحلل المزيد من البيانات، ويطور نماذج ثلاثية الأبعاد للتشريح البشري، سيكون قادراً على التعامل مع أدوات الروبوت بشكلٍ أفضل. يجزم العلماء بأن الروبوتات التي يتحكم فيها الذكاء الاصطناعي ستقوم في النهاية بإجراء عمليات جراحية بأقل تدخل بشري أو حتى بدون هذا التدخل.

التمريض الافتراضي
يُعدّ مساعدو التمريض الافتراضيون أحد أشهر الطرق التي تستخدم بها مؤسسات الرعاية الصحية الذكاء الاصطناعي راهناً. ويمكن للمساعدين الافتراضيين المدعومين من الذكاء الاصطناعي التفاعل مع المرضى عن بعد، وتزويدهم بمعلومات حول ظروفهم الصحية، والإجابة على الأسئلة، وتحديد المواعيد. وطبعاً أكثر من سيستفيد من هذه التكنولوجيا هم المرضى في المناطق النائية أو المحرومة.

المساعد الافتراضي "Care Angel" هو خيرُ مثالٍ على مساعد التمريض الافتراضي الذي يتفاعل بشكلٍ تحاوري مع المرضى من خلال مكالمة هاتفية بسيطة أو رسالة نصية. وباستخدام مساعد صوتي مدعوم بالذكاء الاصطناعي، والذي يتميز بمراقبة وإدارة شخصية للمحادثات الصحية، يساعد "Care Angel" في سد فجوات الرعاية للمرضى الذين يعانون من حالاتٍ مزمنة، كما يعمل على تحسين الرعاية الوقائية، ويضمن تناول الأشخاص لأدويتهم، ومساعدة الأشخاص على التعامل مع الإدمان، وحتى تقديم خدمات عن بُعد لمراقبة المريض.

اكتشاف الأدوية
غالباً ما تكون عملية إيجاد أدوية جديدة لعلاج الأمراض طويلة ومعقدة ومكلفة. في كثير من الأحيان، تقوم الشركات فقط بالتخمين والاختبار. لكن كل هذا سيتغير باستخدام الذكاء الاصطناعي، الذي سيمكّن الشركات من تسريع عملية اكتشاف الأدوية.

باستخدام الذكاء الاصطناعي، سيتمكن الباحثون من تقييم كمياتٍ هائلة من بيانات نتائج المرضى لتحديد المواد التي يُرجح أن تكون أكثر فاعلية ضد أمراضٍ معينة. في الوقت نفسه، سيتمكنوا من فحص المركبات الآمنة للاستهلاك البشري والتي تكون رخيصة وسهلة التصنيع.

مع زيادة القدرة الحاسوبية، سيكون الذكاء الاصطناعي قادراً على تحليل كمياتٍ كبيرة من البيانات من التجارب السريرية وسجلات المرضى، ما سيساعد مقدمي الخدمة على تحديد المرضى الذين من المرجح أن يستجيبوا لعلاجٍ معين. سيساعد هذا الأمر الباحثين في تحديد أولويات المركبات التي يجب اختبارها في المختبر، وكذلك تصميم تجارب إكلينيكية أكثر فعالية. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تسريع عملية التطوير، وتوفر الأدوية الجديدة في السوق بسرعةٍ أكبر.