المصدر: الجمهورية
الخميس 19 كانون الاول 2024 07:51:45
تعتري المشهد الرئاسي مفارقة شديدة الوضوح؛ رئيس مجلس النواب نبيه بري، يعزف وحده على وتر التفاؤل الرئاسي بتأكيده أنّ جلسة الانتخاب قائمة في موعدها المقرّر في التاسع من كانون الثاني المقبل، وتعبيره عن أمل كبير في أن تكون هذه الجلسة كما وصفها مثمرة، بحيث يكون للبنان رئيس للجمهورية في هذا التاريخ.
وفي المقابل، عدّاد الوقت يتحرك من دون أن تشي الوقائع السياسية المرتبطة بالملف الرئاسي بأنّ ظروف التوافق، ولو بالحدّ الأدنى، على مرشّح او مرشّحِين قد نضجت، او قابلة للإنضاج. وسط ما يتردّد في الأوساط المعنية بالملف الرئاسي عن إشارات خارجية معاكسة للمسار الانتخابي، وخصوصاً من قبل بعض دول اللجنة الخماسية، تدفع نحو التريّث في انتظار أن تتبلور الصورة الإقليمية، وهو أمر يناقض منطق الحث والاستعجال الذي اعتمدته اللجنة منذ بداية مرحلة الشغور الرئاسي.
جلسة تلو جلسة
المجال الزمني الفاصل عن موعد جلسة 9 كانون الثاني ضاق إلى حدود الـ20 يوماً، من دون ان تفضي المشاورات التي جرت على خطوط مختلفة إلى تضييق مساحة التعقيدات والتباينات الحاكمة توجّهات القوى السياسية المعنية بالملف الرئاسي، وبناء مساحة توافقية مشتركة على مرشّح او أكثر، ما يجعل من فترة الـ20 يوماً المتبقية، فترة امتحان القدرة على الحسم، أكان في اتجاه التوافق وبالتالي الذهاب إلى جلسة مثمرة رئاسياً، او في الاتجاه الآخر الذي يعيد الدوران في حلقة الفراغ، إلى أن يقضي الله امراً كان مفعولاً. وهذا الحسم مرهون الوصول اليه في فترة ايام قليلة، وخصوصاً أنّ عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة قد تقضم نصف الـ20 يوماً.
وبمعزل عن التوافق أو عدمه، فإنّ المرسوم لجلسة 9 كانون الثاني، وفق مصادر عين التينة لـ«الجمهورية»، هو أنّها إن تعذّر انعقادها بسبب عدم توفّر نصاب الثلثين، فسيبادر رئيس المجلس فوراً إلى تحديد موعد لجلسة جديدة، وإن انعقدت بنصاب، دون ان يتمكن أي من المرشحين من نيل اكثرية الثلثين في دورة الانتخاب الاولى، فستليها دورة ثانية بنسبة فوز بالأكثرية المطلقة من عدد النواب (65 نائباً)، وإن تعذّر ذلك، فتجري دورة ثالثة ورابعة وربما اكثر. وإن تعذّر الانتخاب سيدعو رئيس المجلس فوراً إلى جلسة جديدة بذات السيناريو، هكذا دواليك حتى يتمكن النواب من انتخاب رئيس للجمهورية».
مشاورات عابرة للحدود
وإذا كانت المشاورات حول انعقاد الجلسة وكذلك حول انتخاب الرئيس والتداول بأسماء المرشحين، محصورة في الايام الاخيرة ضمن النطاق الداخلي، الّا أنّها، وفق معلومات موثوقة لـ«الجمهورية» تجاوزت الداخل، وبدأت تجري على الخط الخارجي، ولاسيما على الخطين الاميركي والفرنسي.
وبحسب المعلومات، فإنّ شخصيات سياسية لبنانية، بينها شخصيات مدرجة أسماؤها في نادي المرشحين لرئاسة الجمهورية، طرقوا في الايام الاخيرة البابين الاميركي والفرنسي، سواء عبر زيارات او لقاءات مباشرة او عبر وسطاء، او عبر اتصالات هاتفية مباشرة ومراسلات. وثمة مِن هؤلاء من حطّ في باريس. واما الهدف الضمني من وراء ذلك، فهو «تقديم اوراق الاعتماد، وطلب الدعم. تُضاف إليها اتصالات سياسية رفيعة المستوى جرت في الساعات الـ24 الماضية على الخط الفرنسي، وخصوصاً بعد ورود إشارات من العاصمة الفرنسية وتحديداً من الإيليزيه، تشي بأنّ باريس، تدرّجت من الدعوة إلى استعجال حسم انتخاب رئيس للجمهورية، إلى إبداء الرغبة في التريّث والانتظار لبعض الوقت، وهذا الموقف متناغم بشكل كامل مع الموقف الاميركي».
اللافت للإنتباه في هذا السياق، وفق ما تقول مصادر المعلومات، أنّ هذا التريّث او ما يرادفه من مفردات تصبّ في خانة نسف جلسة 9 كانون الثاني، لا أذن صاغية له في عين التينة، ولاسيما أنّ الرئيس بري حاسم في تأكيد انعقاد الجلسة في موعدها، دون الركون لأيّ أسباب أو ذرائع مانعة لانعقادها، ويؤكّد «أننا «عم نشتغل» وان شاء الله خير».
التريث بسبب كمين!
وفي السياق نفسه، كشفت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية»، أنّ جهات سياسية لبنانية راسلت الاميركيين والفرنسيين، بما يثير الريبة والشكوك حول جلسة 9 كانون الثاني، وعبّرت عن تخوف كبير لديها من وجود كمين منصوب في تلك الجلسة، يسعى من خلاله الفريق الداعم لـ«حزب الله» إلى تهريب رئيس من هذا الفريق.
وفيما رجّحت المصادر أن تكون هذه المراسلات هي الدافع إلى التريث في انتخاب الرئيس، أكّد مصدر رسمي لـ«الجمهورية»، أنّ الأمر أبعد من مراسلات من قبل جهات سياسية متواضعة حجماً ووزناً، فخلف الأكمة الاميركية ما خلفها، وما صدر عن مستشار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب للشؤون العربية مسعد بولس، حول انّ من انتظر طويلاً لانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان يستطيع ان ينتظر شهراً او شهرين، ليس كلاماً عبثياً او عابراً».
مقاربات جديدة
إلى ذلك، ورداً على سؤال لـ«الجمهورية»، لم تؤكّد مصادر ديبلوماسية من العاصمة الفرنسية او تنفي وجود توجّه لدى ادارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للدعوة إلى التريث في شأن الملف الرئاسي في لبنان، واكتفت بالقول: «من الطبيعي أن يفرض التطور الذي نشأ في سوريا مقاربات جديدة، وفرنسا تواكب هذا الامر من كثب».
على انّ ما تجنّبت المصادر الديبلوماسية الغوص فيه، عكسه ديبلوماسيون غربيون بقولهم ما مفاده بأنّ ما حدث في سوريا أعاد خلط الأوراق، وخصوصاً انّ مدى تأثيراته مفتوح، ولبنان هو المدى الأقرب لتمتد إليه هذه التأثيرات، لا نقول انّها تأثيرات سلبية، بل ثمة وقائع تفرض نفسها، بمعنى أن يتفاعل المسار اللبناني مع المتغيرات التي حصلت، وملاقاتها بانتخاب رئيس للجمهورية يجنّب لبنان علاقة معادية مع النظام الجديد في سوريا».