المصدر: النهار
الأحد 2 تشرين الثاني 2025 21:01:32
لم يأت طرح رئيس الجمهورية جوزف عون، بشأن دفاع الجيش عن المناطق المحررة في جنوب لبنان، من فراغ. بل هو طلب من قائد الجيش العماد رودولف هيكل، قيام المؤسسة العسكرية بدورها الطبيعي، لتحقيق معادلة اساسها، ان الدولة هي المسؤولة عن حماية لبنان ومواطنيه، وهو أمر، يأتي في سياق، تنفيذ خطوات حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية.
صحيح، ان قيام الجيش بوظيفته، التي تُبنى الجيوش على اساسها: الدفاع عن الأوطان. ويثبّت الدستور، دور الجيش اللبناني في مهامه الدفاعية، وموقع رئيس الجمهورية كقائد اعلى للقوات المسلّحة ايضاً، لكن ابعاد إضافية تفسّر قرار رئيس الجمهورية:
اولاً، عدم السماح للإسرائيليين، بتكرار حادثة بليدا، أيّ بالدخول إلى مناطق اخرى في جنوب لبنان.
ثانياً، تنفيذ الالتزام بإنتشار الجيش اللبناني، على كامل مساحة الجنوب.
ثالثاً، التأكيد على ان الدولة هي المسؤولة عن امن لبنان، بكل الاتجاهات، ولا حاجة بعدها لأن تدافع المكوّنات السياسية الحزبية عن مناطقها، وهو مبدأ حصرية السلاح.
رابعاً، اعادة الهيبة إلى الدولة و مؤسسّاتها، وخصوصا العسكرية والامنية.
خامساً، تثبيت ثقة المواطنين بجيش بلادهم، ودولتهم، التي كان غيابها عن الجنوب، سبباً في نشوء حركات المقاومة.
ومن هنا بالذات، يمكن الجزم ان احدى اهم خطوات حصرية السلاح بيد الدولة، هي تولي الجيش لمسؤولية الدفاع عن الجنوب.
لا حلول إلا بالتفاوض
إذا كان رئيس الجمهورية يترجم هذا المسار الدفاعي، فإنّ التزامه بالتفاوض مع اسرائيل، كسبيل لإنهاء الحرب على لبنان، يأتي ضمن سياسات العهد الرئاسي.
ينطلق الرئيس جوزاف عون من اسئلة عملية اساسية: ما هي السبل لانهاء الحرب، خصوصاً في الحالة التي يعاني منها لبنان منذ بدء "حرب اسناد غزة"؟ هل يوجد سبيل آخر، بعد فشل الرهان على ردع إسرائيل؟ يلتزم لبنان بالقرار الدولي 1701، وبالاتفاقيات التي رعتها الولايات المتحدة الاميركية، في وقف الحرب. لكن إسرائيل لا تزال تمارس اعتداءاتها على لبنان، بحجّة وجود سلاح "حزب الله". ما يستلزم تفاوضاً جدّياً، برعاية الاميركيين، او بالتجاوب مع المبادرة المصرية القائمة حالياً. وهما خطّان منسجمان، ويُكملان بعضهما بعضاً، بغاية الوصول إلى حل نهائي.
تتصرف إسرائيل، على انها انتصرت في معركتها ضد "حزب الله"، بعد اغتيال قادته، وضرب قواعد اساسية في بنيته العسكرية، ولذلك تستكمل حربها ضد الحزب، بإعتبار ان نتائج المعركة، شكّلت فرصة لها، للقضاء على قوة الحزب العسكرية بشكل كامل.
وامام المراوحة، وتوسّع مساحات الاضرار، وخسائر الحزب البشرية يوميّاً، هل يبقى غير التفاوض حلاّ؟ لذلك، يأتي خيار الرئيس عون، بالمضي في مسار التفاوض، تكراراً لمحطّات سابقة، كمفاوضات الحدود البحرية، من اجل تحقيق هدف اساسي: وقف الحرب، واستعادة السيادة على الأراضي المحتلة.
ويقول مصدر مطّلع لـ "النهار"، انه "من الطبيعي ان يواكب رئيس الجمهورية مسار السلام الاقليمي، الذي أطلّ في اتفاق شرم الشيخ، حول وقف حرب غزة، حيث لم يعد بمقدور لبنان التخلّف عن السير في هذا الركب الدولي".
ويرى المصدر نفسه، أنّ "الدور المصري جدّي وفاعل، وستتضحّ تفاصيل مبادرة القاهرة خلال الايام المقبلة، بناء على التجاوب الاسرائيلي مع افكار رئيس المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد، بعدما وجدت مصر ترحيباً لبنانياً كاملاً بدورها التفاوضي، في هذا المجال، خصوصاً ان الرئيس عون، حدد سياسة العهد، بالالتزام بالمسار العربي".
وبحسب المعلومات، فإنّ الاميركيين ايضاً، تبلّغوا موقف لبنان الجدّي، بتوسيع المشاركة في لجنة التفاوض، عبر ضم مدنيين، كخبراء، تقتضيهم الحاجة، "وهو ما طالب به الاميركيون اساساً". لكن تضيف المعلومات انه "لا يمكن للبنان تسليم اوراقه دفعة واحدة، او الاستسلام لمطالب اسرائيل، بل العمل وفق ما تقتضيه مسارات التفاوض في كل تجارب العالم، مع الحفاظ على الاستراتيجة، التي تقضي بالوصول إلى إنجاح التفاوض".
وتأتي في هذا السياق، تأتي عملية توزيع الأدوار بين المبعوثين الاميركيين: مورغان اورتاغوس أشادت بخطوات لبنان، وألمحت إلى المضي قدماً، بينما رفع السفير توم برّاك من سقف كلامه، لحث اللبنانيين على تقديم تنازلات جوهرية في عملية التفاوض. وهو ما يتلاقى مع التصرفات الاسرائيلية العدائية تجاه لبنان، عبر زيادة الضربات العسكرية بشكل يومي، والخروج عن جنوب الليطاني نحو شماله، وشل حركة الحزب، والتلويح بضرب ضاحية بيروت الجنوبية". وهي خطوات تتزامن مع مسارات التفاوض، لإجبار "حزب الله" على الرضوخ.