المصدر: نداء الوطن
الكاتب: أبو زهير
الأربعاء 26 شباط 2025 07:46:25
لعمري ما أحببت البهرجة و"التفشيخ". أُبعد نفسي، في كل شيء، عن "المظاهر" وأحبّ أن أعيشها "درويشي" مثلما يقال في اللبناني الدارج. لكن هذه المرة خرجت عن عاداتي... تقول "جدي ولعب بعقل تيس؟".
أمس، بينما كنت أجلس في المقهى وأنفخ في أرجيلتي العجمية، أطل أبو سامي من أول الزاروب، وبدأ يلوح لي بيده من بعيد. فغالباً حينما يأتي متحمساً بهذا الشكل، يكون قد سمع خبرية أو يحمل قصة يريد أن يرويها، فيأتي بصيغة "القضاء المستعجل".
وصل أبو سامي وقال لي: "أبو زهير عازمك على نفس أرجيلة غير شكل... تعرّفت على مقهى جديد بالحازمية وبدّي آخدك كزدورة لتتعرف عليه".
لم تعجبني الفكرة، فأنا لا أحب التغيير. إذ يقال إنّ الإنسان كلما طعن في السنّ تقزّمت خياراته وزادت قناعاته بـ"المكتوب".
ألحّ أبو سامي، فأقنعني واصطحبني معه إلى هناك. دخلنا المقهى الفاره، وجلسنا إلى طاولة معدنية محاطة بكراسٍ جلدية سوداء... تلك تفاصيل بينما الأمر الأهم بالنسبة لي حينما أقصد أيّ مقهى أن تكون "الشطافة" حاضرة في الحمام، لأنّني أكره المقاهي والمطاعم التي تكتفي بتقديم المحارم لقاصدي "بيت الأدب".
... بلا طول سيرة، جلسنا وكان على يميننا رجلان محترمان من خلفية تبدو سياسية أو أمنية، يلبس كل منهما بدلة رسمية مع ربطة عنق، يرتشفان القهوة ويتبادلان أطراف الحديث حيناً وسفاسفه حيناً آخر.
وبما أنني "حشري" وأحب أن استرق السمع، رميت "أذني" بينهما كي أعرف عما يتحادثان، خصوصاً أن شكلهما يوحي بأنهما من وجهاء البلد ومطلعان على أعماق الأمور.
توجّه الأول لزميله، وقال: "لا أعرف إن كان الجيش يقوم بواجباته كما يجب أو أنّ إسرائيل غدارة... فتلك الخروقات تزيد عن حدّها وباتت تطرح الكثير من علامات التعجّب"، ثم استدرك بالقول: "أظن أنّ الاستهدافات ستتضاعف في المرحلة المقبلة".
ردّ الثاني: "ليش شو تغيّر؟".
قاطعه الأول سارداً: "هناك ما يشبه WhatsApp Group أعضاؤه: اللبنانيون والأميركيون وطبعاً الإسرائيليون الذين يُخطروننا بالأماكن المشبوهة، ويمنحوننا وقتاً محدّداً لا يتعدى الساعة الواحدة من أجل التحرّك، قبل الانقضاض على تلك الأهداف".
ثم أضاف: "هل تذكر يوم التشييع؟ (ربما يقصد تشييع السيد نصرالله لا أعلم) نفّذت إسرائيل 14 غارة... فهل بلّغت إسرائيل الجانب اللبناني مسبقاً بتلك الأماكن؟ أم أنها انقضّت عليها من دون إخطار مسبق؟ لا أحد يعلم. إذا فعلت، فهذا يعني أنّ الجيش تبلّغ ولم يتحرّك. وإن لم يتبلّغ بالفعل، فعليه الاعتراض لدى اللجنة الأميركية أو أقله إطلاع الرأي العام على ما تقوم به إسرائيل".
تعجّب الرجل الثاني من تلك "السالفة"، ثم سأله مجدداً عن رأيه بالحكومة وإن كانت ستتمكن من تنفيذ وعودها في بيانها الوزاري، وخصوصاً تطبيق القرار 1701.
ما إن بدأ الرجل بالردّ، حتى بدأ أبو سامي "ينق" طالباً العودة إلى المنزل لأنّه تأخر وأم سامي "بيغلي قلبها".
كركبنا أبو سامي، فعدنا أدراجنا إلى المنطقة من دون أن نعرف كيف تحوّل الردع "حزب الله" إلى مجموعة "واتساب" على هاتف جوال، ولم نعرف كذلك مصير الحكومة في تلك الدردشة بين الرجلين المجهولين... "قطيعة تمهدو أبو سامي!".