المصدر: الراي الكويتية
الأربعاء 18 حزيران 2025 00:33:32
... صواريخ إيرانية تَعبر سماء لبنان أسراباً، مُسَيَّرات تُنْذِرُ بالسقوط في أي لحظةٍ، ومقذوفات اعتراضية قد تنفجر فوق أي بقعةٍ من بقاعه، والدرون الإسرائيلية لا تفارق أجواء بيروت وضاحيتها الجنوبية، خوفٌ، هَلَعٌ، تَوَجُّسٌ، ارتيابٌ وعودٌ على بدء...
هكذا يبدو صيف لبنان... موسمٌ سياحي تتلاشى مَعالِمُه، فوضى وإرباكٌ في مطار رفيق الحريري الدولي، خوفٌ من انزلاق البلاد من جديد إلى حربٍ لا تُحمد عقباها، مواطنون لبنانيون عالِقون في مطارات العالم يَنتظرون الإجلاءَ للعودة وآخَرون يَتهافتون على حَجْزِ أمكنةٍ للمغادرة على عَجَلٍ والعودة مِن حيث أتوا، إعصارُ نارٍ في المنطقة وأصداؤه تتردّد صاخبةً في كل مِرفقٍ من مَرافق لبنان.
ولم يكد لبنان أن يَلتقط أنفاسَه بعد حربٍ ولا كلّ الحروب ويَرسم من تحت الرماد مَعالِمَ موسمٍ سياحي كأنه «المُنْقِذ»، ولم يكد اللبنانيون يتجاوزون حالَ الصدمةِ التي خلّفتْها «الحربُ الثالثة» ويَحلمون بالتقاطِ بعض الأمل بمستقبلٍ أفضل، حتى جاءتْ الحربُ الطاحنةُ بين إسرائيل وإيران لتعيد عقاربَ «الساعة اللبنانية» إلى الوراء وتُعَرْقِلَ كل الخطوات نحو تَقَدُّمٍ كان موعوداً، وكأنه مكتوب على هذه البلاد ألا تَعبر يوماً نهاية النَفَق مهما بدا بصيصُ الضوء قريباً.
«الحروب هي العدو الأول للسياحة»، يقول رئيس اتحاد النقابات السياحية نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر لـ «الراي»، مؤكداً أن «لا جدال حول الانعكاس السلبي للحرب الدائرة حالياً على لبنان وموسمه السياحي ولا سيما مع قفل أجواء عدد من البلدان المحيطة بنا ولأجوائنا بين الحين والآخر». ويضيف: «التفاؤل بموسمٍ سياحي واعِدٍ انحسر، ولكن مازال الوقت مبكراً لإعطاء أرقام. ومن المؤكد أن ثمة حجوز أُلغيت، وأن انطلاقةَ الموسمِ السياحي تَفَرْمَلَتْ».
ويتابع الأشقر «من الصعب التكهّن إن كان الوضع سيسوء أكثر. القادمون إلى لبنان كلّهم في الانتظار، لم يلغوا رحلاتهم بل يتريثون، لكن الهِمّة عند القادمين ولا سيما من الاخوة العرب قد خفّت رغم قرار العديد من الدول برفْع منْع السفر إلى لبنان. كل المنطقة تعيش أوضاعاً مأزومة في انتظار ما ستؤول إليه التطوراتُ، على أمل أن تسير الأمور نحو الأفضل».
ليس القادمون وحدهم من «أكَلوا الضرب» بل ثمة مَرافق سياحية عدة تأثرت في شكل مباشر. وإجازاتُ اللبنانيين في الخارج باتت على «كف عفريت» وكثُرٌ منهم احتُجزوا في بلدان قريبة قَصَدوها لتمضيةِ العطلة أو بداعي إنجازِ عملٍ ما أو زيارة الأهل.
في انطاليا واسطنبول وفي شرم الشيخ والغردقة، كما في العراق وحتى إيران، لبنانيون عالِقون ناشدوا حكومتهم الحدّ من معاناتهم وتأمين طائرات العودة بعدما امتنعت شركاتُ تلك الدول عن تسيير رحلاتها المعتادة إلى بيروت.
أكثر من 100000 مقعد على طائراتِ «شارتر» نحو تركيا وشرم الشيخ كانت معروضةً للبيع، وفق ما يقول نقيب أصحاب مكاتب السياحة والسفر جان عبود لـ «الراي»، إضافة إلى الرحلات اليومية العادية، «وكلها باتت اليوم معلّقة بانتظار هدوء الأوضاع واستئناف الرحلات، مع ما يعنيه ذلك من خسائر لشركات السياحة والطيران وللمواطنين الذين لم يَعُد في استطاعتهم إلغاء حجوزاتهم في الخارج واسترداد أموالهم».
وليست الإجازات والعطل وحدها التي التهمتْها الحربُ الدائرة في المنطقة بل كذلك موسم الأعراس وهو من المواسم الكبرى التي تعوّل عليها قطاعات عدة في لبنان. فالعرسان الآتون من الخارج وضيوفهم من مختلف البلدان يَقفون مكبَّلين حائرين يَخشون خسارة فرحة العمر وكل ما أنفقوه لتحضيرها.
«الذعر النووي»
ورغم التعويل الكبير على موسم السياحة الصيفيّ للمساهمة في نهضة لبنان، إلا أنه لم يَعُدْ أولويةً في اهتمامات اللبنانيين. ذلك أن ثمة مَخاوف أشدّ وأدهى تطول حياتهم وكينونتهم وليس فقط رغد عيشهم. فماذا لو ضربتْ إيران مفاعل ديمونا النووي في إسرائيل؟ ماذا يحلّ بلبنان «الجار» الأقرب في مواجهةِ الإشعاعات النووية؟
رئيس حزب البيئة العالمي ضومط كامل، يخشى في شكل جدي عدم قدرة لبنان على المواجهة نظراً إلى غياب خطة إستراتيجية متكاملة للتعامل مع الإشعاعات النووية التي يمكن أن تتسرّب نتيجة حادث نووي كبير.
ويقول لـ «الراي»، «إذا ضُرب المفاعل النووي في إسرائيل، لا حدود سياسية أو جغرافية يمكن أن تقف في وجه التلوّث الإشعاعي الذي قد يصل إلى أوروبا وأفريقيا وكل دول الشرق الأدنى. وللأسف القيادات اللبنانية حتى الآن لم تضع خطة طوارئ شاملة بالتعاون مع خبراء بيئيين وذريين ولم تتخذ إجراءات عملية وقائية».
ويتساءل كامل «أين الكمامات الواقية القادرة على حماية الناس من الإشعاعات؟ هل أعطتْ الحكومة توجيهاتٍ معيّنةً للمواطنين حول طرق الحماية؟ لن نتكلم عن ملاجئ نووية، ولكن هل أمّنتْ الحكومةُ لمواطنيها طعامَهم وهواءهم وماءهم ليكونوا جاهزين؟ وماذا عن الذين يعيشون في الخيم وبيوت التنك، أين يَحتمون؟ ثمة حلول وخطط جاهزة وَضَعَها بيئيون، لكن على الدولة أن تتناقش معهم».
يَئس اللبنانيون وتَعبوا من مَشاعر الخوفِ التي تُرافِقُهُم منذ عشرات الأعوام، واليوم ومع كل صاروخٍ يمرّ في أجوائهم و«ناقوسِ خطرٍ» يُقرع حولهم يستعيدون لحظاتِ رعبٍ وكوابيس عاشوها في السابق وتستيقظ مِشاعرُ الصدمةِ الكامنة فيهم ويعاد إحياؤها كما يقول لـ «الراي» الاختصاصي في علم النفس العيادي الدكتور جون داوود «فيعيشونها كما لو أنها تحَدث أمامهم حتى ولو بدوا غير مكترثين. فكيف إذا كان الوضع العسكري يُنْذِرُ بالأسوأ والحرب تنذر بالعودة إلى أرضهم؟».
الخبير العسكري المتقاعد العميد ناجي ملاعب يَشرح لـ «الراي»، أن «الوضع الحدودي (جنوب لبنان) باقٍ تحت المراقبة المشدّدة، لكن من دون انزلاق نحو مواجهة مفتوحة، ما لم تُستدرَج إسرائيل إلى ردّ بسبب تطوّرٍ غير متوقَّع. فالتركيز الإسرائيلي حالياً مُنْصَبٌّ على ضَبْطِ الجبهة الداخلية واحتواء التهديدات الإيرانية الإقليمية مع تَجَنُّبِ فتْح أكثر من جبهة عسكرية في وقت واحد. إلا أن المعادلة تبقى هشّة ومتغيّرة بسرعة. وتبقى أي شرارة كافية لتغييرها».
لكن السؤال الذي يَطرحه كل لبنانيّ يبقى: هل يمكن أن يحصل هجوم بَرّي أو ضرباتٍ جوية من إسرائيل على «بلاد الأرز»؟
يجيب ملاعب «أعتقد أنه في حال دَخَلَ حزب الله الحربَ، فإن إسرائيل لن تقف مكتوفةً، خصوصاً أنها هدّدت أكثر من مرة في هذا السياق. لكن يبدو أن الدولةَ اللبنانيةَ مصمّمةٌ على لجْم أيّ تحركٍ في هذا الاتجاه، ولا سيما أن الحكومةَ تضم ممثلين لحزب الله وحركة أمل، والبيان الوزاري واضِحٌ في تأكيده على حصرية السلاح بيد الدولة، واحتكارها وحدها قرار الحرب والسلم وعدم وجود سلاح خارج الشرعية».
«عامل الوقت قد يكون له دور في التصعيد أو في تفاديه، إذ يمكن لحزب الله أن يتدخل فقط إذا طَلبت منه إيران ذلك، أو في حال عجزتْ إيران عن مواجهة الضربات الإسرائيلية مباشرة» يقول ملاعب الذي لاحظ «أن إيران، بعد اليومين الأولين من التصعيد، استعادتْ زمام المبادرة وحقّقت إصابات أربكت الداخل الإسرائيلي، خصوصاً في ما يُعرف بـ المنطقة الخضراء، وتالياً، يبدو أن إيران حالياً لا ترغب في توسيع الجبهة، لأن ذلك سيكون عبئاً كبيراً عليها في ظل صعوبة الدفاع عن جبهات عدة في آنٍ معاً».
لكن ماذا عن الصواريخ الاعتراضية والعابرة التي يخشاها اللبنانيون ولا سيما بعد تَداوْل أخبار عن مقتل امرأة في سورية إثر سقوط صاروخ على منزلها، وهل يمكن أن يصيب خطرها لبنان؟
يقول ملاعب «إذا سقطت هذه الصواريخ على منزل، أو شارع مكتظ، أو على طريق سريع، فقد تؤدي إلى خسائر بشرية. أما إذا سقطت في أمكنة مفتوحة، فلن يكون لها تأثير كبير. الصواريخ الذكية عادةً لا تنفجر إلا بعد تحديد الهدف بدقة. وفي حال حصول ارتطام غير متوقَّع أو خلل في التوجيه، يمكن أن تنفجر في شكل عشوائي ما قد يؤدي إلى وقوع ضحايا، أو قد لا تنفجر إطلاقاً إن لم تُصِبْ هدفَها».
... أكثر من همّ ألقتْه الحرب الإقليمية الدائرة على أكتاف اللبنانيين، سَرَقَتْ منهم الأملَ بموسمٍ واعِدٍ وأحيتْ الخوفَ في نفوسهم من جديد، فهل يَدفعون مجدداً ثمن حروب الآخَرين... في فضائهم أو على أرضهم؟a