المصدر: المدن
الكاتب: بلقيس عبد الرضا
الأحد 19 شباط 2023 15:31:24
مع اقتراب سريان قرار وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام، القاضي الذي يسمح لسوبرماركت والمحال التجارية كافة تسعير بضائعها بالدولار الأميركي، تسود حالة من الترقب الأسواق اللبنانية، خصوصاً في ظل غياب أي معايير واضحة عن كيفية احتساب الدولار.
في العديد من المحال التجارية الكبرى، بدأ الموظفون تسعير البضائع بالدولار، لكن الجدل حول آلية الدفع التي لا تزال مبهمة، حسب ما يؤكده هادي العبدالله، مسؤول المبيعات في سوبرماركت العاملية في الضاحية الجنوبية. يقول لـ"المدن": يتجلى قرار الوزير، في تخفيف حدة الخسائر عن القطاع، وتوحيد الأسعار بين مختلف المحال التجارية، ودعم الرقابة لحماية المستهلك، لكن في المقابل، حتى الآن لم نتبلغ عن كيفية احتساب الدولار". يضيف "من المرجح أن تلجأ العديد من المحال التجارية إلى وضع شاشات ترصد تحركات الدولار، حتى يتم استيفاء المبالغ بالليرة اللبنانية". لكن السؤال الأبرز، هو ماهية المنصة التي تعتمدها المحال التجارية، هل هي السوق الموازية، أم المنصة الرسمية التي تحتسب الدولار عند 15 ألف ليرة، أم منصة صيرفة التي تحتسب الدولار عند 44 ألف ليرة؟
أسعار مختلفة
تنوع المنصات الخاصة بالصيرفة، يدفع المحال التجارية إلى اعتماد ما يناسبها من سعر للصرف، من دون وجود أي رادع أو الزام قانوني، ومن غير المستبعد أن المنصة المتبعة في السوبرماركت أو المحال التجارية، ستكون تلك الخاصة بالسوق الموازية، حيث سجل مؤخراً سعر الدولار 77 ألف ليرة بعدما بلغ في الفترة الماضية، حاجز 82 ألف ليرة.
يقول أسامة الصايغ رب عائلة، يتقاضى جزءاً من راتبه بالدولار والآخر بالليرة اللبنانية، لـ"المدن": "فضلت شراء السلع الأساسية وتحديداً الغذائية قبل دخول القرار حيز التنفيذ، إذ أخشى أن يتم الاتفاق على سعر جديد للدولار، يتخطى ما هو المعمول به في السوق الموازية". الكثير من المواطنين يخشون أن يتم فرض تسعير السلع وفق سعر جديد يبتكره التجار، ويكون بعيداً عن الأسعار المتداولة، خصوصاً وأن التجار يسعون إلى حماية أنفسهم من تقلبات العملة. ومن غير المستبعد أن يتم وضع هامش لتقلبات الدولار في السوق، وهو ما أشارت إليه منى الرازي، التي فضلت أيضاً شراء احتياجاتها قبل دخول القرار حيز التنفيذ.
سيناريوهات عديدة
غياب السعر الموحد للصرف، سيجعل الأسر اللبنانية تتكبد خسائر كبيرة. فعلى سبيل المثال، يمكن لأسرة لبنانية شراء السلع من المحال التجارية والسوبرماركت بقيمة 20 دولاراً وفق سعر الصرف 80 ألف ليرة، أي ما يعادل مليوناً و600 ألف ليرة، وقد ينخفض سعر الصرف بعد مرور ساعة، فيصبح مثلاً 70 ألف ليرة، ما يعادل مليوناً و400 ألف ليرة، ما يعني أنه خلال ساعات يمكن تكبد خسائر تفوق 200 ألف ليرة. أو حتى يمكن للسلعة الواحدة أن يتبدل سعرها خلال ثوانٍ، فتكون بسعر 5 دولارات أي 400 ألف ليرة وفق سعر الصرف (80 ألف ليرة) ويصبح سعرها 450 ألف ليرة عند تسديد ثمنها في حال ارتفع سعر صرف الدولار من 80 ألف إلى 90 ألف. تسأل الرازي في هذه الحالة، من يتحمل هذه الفوارق في الأسعار، وتحديداً بالنسبة للأشخاص الذين يسددون ثمن السلعة بالليرة اللبنانية.
جولة ميدانية
تختلف أسعار السلع من محل تجاري إلى اخر، ومن سوبرماركت إلى أخرى، ولا يوجد أي ضوابط لتحديدها. الأسعار تختلف من منطقة الحمرا على سبيل المثال، ومنطقة صبرا في الطريق الجديدة، بسبب اختلاف قيمة الإيجارات والتكاليف الأخرى، حتى أنه بالنسبة إلى سلعة معينة فقد يختلف سعرها بين أفرع السوبرماركت الواحدة، وهو ما ظهر في الأيام الماضية عند تسعير بعض السلع. في منطقة بيروت على سبيل المثال، تباع كرتونة البيض بسعر 4 دولارات، أي نحو 320 ألف ليرة، في مناطق أخرى في ضواحي العاصمة تباع الكرتونة من بـ300 ألف. يصل سعر نص كيلو جبنة "قشقوان" في الهايبرماركت الكبيرة إلى 8 دولارات تقريباً أي نحو 640 ألف ليرة، فيما تباع في المحال التجارية بسعر 10 دولارات، أي 800 ألف ليرة وفق سعر 80 ألف ليرة للدولار. لا يختلف السعر أيضاً بالنسبة لمساحيق الغسيل. فعلى سبيل المثال، يباع سعر "البرسيل" 8 كيلوغرام بنحو 16 دولاراً، أي نحو مليون و280 ألف ليرة، فيما يصل سعره في مناطق بعيدة عن العاصمة إلى 18 دولاراً، أي نحو مليون و440 ألف ليرة، ولا يختلف الأمر عن السلع الأخرى، كالحلويات، أو السكاكر، أو الحليب ومستلزمات الأطفال.
تضخم مفرط
في الفترة الماضية، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي، حول فاتورة سددها أحد الأشخاص في مقهى خاص. أظهر أنه خلال ثلاث ساعات، تغير سعر فنجان القهوة ثلاث مرات، وسدد ثلاثة أسعار مختلفة لسلعة واحدة تم الحصول عليها في وقت متقارب. يعلق رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو على هذا الوضع بالإشارة إلى "أنها فوضى مقوننة". يقول لـ"المدن": خرجت وزارة الاقتصاد على الرأي العام اللبناني للإعلان عن تسعير السلع بالدولار، لكنها لم تحدد آليات الدفع، وتركت السوق مشرعاً أمام ما يضعه التاجر من قواعد لجني المزيد من الأرباح، من دون الأخذ بالاعتبار أن شريحة كبيرة من المواطنين لا يمتلكون القدرة على شراء السلع بالدولار".
ويضيف: "من جهة ثانية، لم يتم تحديد الآليات التي على أساسها يتم تحديد سعر السلع بالدولار، فهل التاجر من يحدد ذلك، أم المستورد، أم الوسيط؟". ويسأل "هل جميع التجار يتفقون على آلية محددة لفرض الأسعار، أم أن لكل تاجر سعره الخاص، والذي سيحدده وفق مصلحته؟".
وفق برو، فإن سياسة الهروب من تحمل مسؤولية الكارثة الإنسانية والاجتماعية بسبب الوضع الاقتصادي، تدخل البلاد مرة أخرى في نفق مظلم، ويدفع المستهلك مرة جديدة ثمن هذا الفشل على كافة المستويات.