المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الثلاثاء 19 أيلول 2023 17:11:08
كما حال البلد الذي باعتراف القاصي والداني أنه ليس بألف خير، كذلك الجسم القضائي. وإذا أردنا أن نكون أكثر وضوحا فهو حتى ليس بخير على رغم كل محاولات تخديره من خلال اتخاذ قرارات موضعية لتسكين الوجع مدة زمنية لا تتجاوز منتصف السنة القضائية . وهذا تماما ما حصل في مشهدية القاعة العامة لمحكمة التمييز في قصر عدل بيروت التي امتلأت بالقضاة العدليين، صباح الإثنين 18 أيلول، تلبية للدعوة التي وجهها مجلس القضاء الأعلى لعقد جمعية عمومية للقضاة، وتمت مناقشة بعض الشؤون القضائية والإدارية وأحوال القضاة بعد انطلاق السنة القضائية الجديدة.
المشهد كسر نمطية الشلل التي كانت متوقعة نتيجة توقف 111 قاضٍ مطلع الشهر الجاري عن العمل بسبب عجز الدولة عن تغطية الاستشفاء والطبابة والتعليم الخاص بهم وبعائلاتهم، وأيضا بسبب عدم توفر ظروف العمل اللائقة بالكرامة البشرية، وبسبب ما وصل إليه وضع القضاء على جميع الأصعدة، كما ورد في بيان القضاة. وفي حين أكدوا أن لا عودة عن هذا القرار، قبل توافر مقوّمات العيش والعمل بكرامة، إلا أن مجموعة كبيرة من القضاة "المتوقفين قسراً عن العمل" وافقوا على قرار العودة إلى مكاتبهم ومتابعة ملفاتهم القضائية والابتعاد عن الاعتكاف القضائي.
رئيس مجلس القضاء الأعلى سابقاً والرئيس الأوّل لمحكمة التمييز شرفا القاضي غالب غانم يؤكد لـ"المركزية" أن القضاء تجاوز القطوع الذي كان يهدد انطلاق السنة القضائية وإن مرحليا وذلك خلال الجمعية العمومية التي دعا إليها مجلس القضاء الأعلى وحضرها عدد من القضاة الذين كانوا أعلنوا توقفهم قسراً عن العمل.
ويوضح القاضي غانم أن مجلس القضاء استمع إلى مطالب القضاة وعرض ما تحقق منها في السنة القضائية الفائتة وتم التوافق على انطلاق السنة القضائية لقاء قرارات اتخذت على مستوى مسؤولين مع وزارة المالية وحاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري وتم الإتفاق على القيام ببعض التحسينات المالية لتغطية ما يتعلق بالناحيتين الصحية والتعليمية للقضاة وأولادهم".
إلا أن هذا المؤشر الإيجابي لا يحل المشكلة لأنه موقت ولن يدوم لأكثر من 4 أشهر، وإذا لم يتوافر الحل الجذري فهذا يعني أننا سنعود إلى دوامة التعطيل والشلل. من هنا، يقول القاضي غانم أن لا بد من النظر إلى وضع القضاة المادي بمعزل عن موظفي القطاع العام على رغم أحقيتهم. لكن بالنسبة إلى القاضي، الموضوع يختلف إذ يستحيل على القاضي أن يقوم بمهامه بشكل مقبول إذا لم تكن كرامته وكرامة عائلته مصانة".
قد لا تكون الأزمات المالية والإقتصادية التي تجمد عمل القضاء حصرا"فالذهنية السياسية في لبنان لم تدرك بعد أن عملها يقوم على تفعيل عمل القضاء وإجراء تشكيلات قضائية وتحسين أوضاع قصور العدل، وليس التدخل في عمل القضاة". وإذ يرفض غانم وضع كل القضاة في سلة "القضاء المسيس "، يشدد على ضرورة محاسبة هذا البعض من القضاة الذين يركبون موجة السياسيين وتحمل مسؤولية عملهم". بالتوازي، يلفت إلى أن قسما كبيرا من القضاة يتخذ مواقف لمعاندة السلطة السياسية التي دخلت بيوتهم إنطلاقا من ضرورة الحرص على حرية القضاء وهذا طبيعي".
مشهدية أول أيام عمل السنة القضائية تؤشر بالخير لكن مرحليا. وإذا ما نظرنا إلى الحل الشامل فهو أبعد من أن يتحقق في المدى المتوسط حتى لا نقول البعيد لأنه يحتاج إلى قيامة أجهزة الدولة وحكومة وقوانين تصدر عن مجلس النواب وتفعيل المؤسسات لتفعيل عمل القضاء والمحاسبة وتحسين الرواتب. جردة عمل طويلة والأكيد أنها لن تنجز في خلال 4 أشهر، من هنا "يجب إيجاد حلول موقتة في انتظار الحل الجذري على أن تتضمن العمل على تحقيق استقلالية القضاء والتخفيف من الضغوطات التي تمارس على السلطة القضائية وإلا سنبقى في الدوامة نفسها"يختم القاضي غانم.