المصدر: نداء الوطن
الكاتب: ماريانا الخوري
السبت 12 تموز 2025 06:38:38
يبدو أن صيف لبنان هذا العام يحمل ملامح مغايرة تمامًا لما شهده في السنوات الماضية. حيث تسجّل مكاتب السفر والفنادق مؤشرات واضحة على انتعاش ملحوظ، لا سيّما مع بدء توافد أعداد كبيرة من السيّاح العرب، وخصوصًا من دول الخليج. هذا إلى جانب الحضور الكثيف للمغتربين اللبنانيين، الذين وصلوا من دول بعيدة كأستراليا وكندا وأميركا لقضاء الصيف مع عائلاتهم. كما تُسجَّل أيضًا عودة تدريجية لبعض السيّاح الأوروبيين.
لكن اللافت هذا العام ليس فقط في الأرقام، بل في التفاصيل الصغيرة التي تصنع الانطباع الأول عند الزائر، وتحديدًا على طريق المطار. فالمشهد تغيّر بشكل جذري: لا لافتات فئوية، ولا رموز حزبية، طريق نظيف، معبّد، وهادئ بصريًا، يعطي انطباعًا للسائح بأنه قادم إلى دولة موحّدة، لا إلى منطقة محسوبة على طرف دون آخر. إنها رسالة غير مباشرة، لكنها فعّالة، بأن لبنان يحاول استعادة وجهه الحقيقي: بلد السياحة والانفتاح، لا الاصطفاف والاصطدام.
مبادرة لافتة تحمل بُعدًا إنمائيًا وخدماتيًا في آن، أطلقتها شركة طيران الشرق الأوسط (MEA)، التي قرّرت تمويل مشروع إعادة تأهيل طريق المطار، انطلاقًا من حرمه وحتى منطقة الإسكوا. وفي معلومات خاصة لـ "نداء الوطن"، أكدت مصادر داخل الشركة أن تنفيذ المشروع أُوكل إلى شركة خاصة متخصصة في أعمال البنى التحتية، على أن يُنجز العمل بالكامل بحلول نهاية شهر آب المقبل. وقد جرى حتى الآن إنجاز ما يقارب 40 % من أعمال التزفيت، في دليل واضح على جدية التنفيذ والسرعة في الأداء، رغم الظروف الأمنية والضغوط اللوجستية المحيطة بالمشروع. ووفق المصادر نفسها، فإن كلفة المشروع تُقدَّر بنحو 5 ملايين دولار أميركي، تتحمّلها شركة طيران الشرق الأوسط كاملة، في مبادرة وصفها المعنيون بأنها استثمار في الصورة الوطنية لا يقل أهمية عن أي حملة ترويجية للسياحة في لبنان.
تظهر أرقام حركة الوافدين والمغادرين عبر مطار رفيق الحريري الدولي خلال الأيام العشرة الأولى من تموز 2025 والتي حصلت عليها "نداء الوطن"، تفاوتًا دقيقًا في الاتجاهات مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، وإن كانت تميل لصالح العام الحالي. ففي الفترة الممتدة من 1 إلى 3 تموز، سجّل العام 2025 عدد وافدين أكبر مقارنة بعام 2024، إذ بلغ مجموع الوافدين خلال هذه الأيام الثلاثة 40,600 وافد مقابل 40,369 وافدًا في العام السابق، أي بفارق بسيط لم يتجاوز 231. أما من 4 إلى 9 تموز 2025، فقد تغيّرت الصورة بشكل أوضح، إذ بلغ عدد الوافدين حوالى 89,216 وافدًا، مقارنة بـ 84,935 فقط في الفترة نفسها من 2024، ما يعكس زيادة ملموسة تُقدّر بـ 4,281، أي أن العدد الأكبر من الوافدين هذا العام تركز في هذه الأيام الستة. حيث بلغ مجموعهم خلال الأيام العشرة الأولى من تموز 2025 حوالى 139,108 وافدين مقابل 135,738 في 2024، أي بفارق 3,370 وافدًا، ما يشير إلى تحسّن طفيف ولكنه مهم في أداء الموسم السياحي هذا الصيف.
في المقابل، سجّل عدد المغادرين هذا العام 80,905 ركاب، بانخفاض طفيف عن العام الماضي الذي شهد 81,049 مغادرًا، ما يشير إلى أن عددًا كبيرًا من الزوار فضّل البقاء داخل البلاد خلال هذه الفترة، إلى جانب العديد من اللبنانيين الذين اختاروا هذا العام قضاء عطلتهم الصيفية داخل لبنان بدلًا من السفر إلى الخارج.
وفي هذا السياق أشار رئيس الدائرة التجارية في شركة طيران الشرق الأوسط مروان الهبر لـ "نداء الوطن" أن نسبة الملاءة في الرحلات القادمة إلى لبنان من أوروبا تجاوزت عتبة الـ 90 %، وذلك منذ منتصف تموز وحتى تاريخ 3 آب، ما يعكس ضغطًا كبيرًا على الحجوزات من القارة الأوروبية، ويُعدّ مؤشرًا واعدًا على ارتفاع عدد الوافدين الأوروبيين خلال هذه الفترة. ويُسجَّل أن ذروة هذا الضغط بدأت فعليًا في الأيام الأخيرة من شهر تموز واستمرت حتى الأسبوع الأول من آب، مما يدل على حيوية السوق الأوروبية هذا الصيف رغم كل التحديات.
أما بالنسبة إلى الرحلات القادمة من دول الخليج، أضاف الهبر، فإنها شهدت اكتظاظًا لافتًا منذ أواخر شهر حزيران، حيث كانت الطائرات ممتلئة بالكامل، مع نسبة ملاءة تتجاوز 90 % حتى الأسبوع الثالث من تموز، قبل أن تبدأ الأعداد بالتراجع تدريجيًا مع نهاية الشهر. فإن الرحلات القادمة من القارة الأفريقية أيضًا سجّلت نسب إشغال مرتفعة وصلت إلى أكثر من 95 % حتى نهاية شهر تموز، مؤكداً أن هذا الصيف يشهد حركة كثيفة من اللبنانيين المغتربين والعاملين في الخارج، خصوصًا في أفريقيا والخليج، إلى جانب السياح القادمين من أوروبا، ما يشكّل دفعًا قويًا للقطاع السياحي اللبناني في هذا التوقيت الدقيق.
في موازاة الأرقام المرتفعة في حركة الوافدين، يشهد مطار رفيق الحريري الدولي ازدحامًا كبيرًا عند قاعات الوصول، لكن بتنظيم لافت وسلاسة في الإجراءات. فالاستقبال بات أكثر تنظيمًا، والطواقم الأمنية والخدماتية حاضرة لتسهيل دخول الوافدين.
أكدت مصادر مطلعة في وزارة السياحة لـ"نداء الوطن" أن هناك تنسيقًا دائمًا وعلى أعلى المستويات بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة من جهة، واللجنة الخماسية التي شُكّلت عقب وقف إطلاق النار من جهة أخرى، والتي تتابع بدورها التطورات الأمنية عن كثب وإبعاد هذا القطاع الحيوي عن أي ارتدادات أمنية محتملة. أما على مستوى وزارة السياحة، فأشارت المصادر إلى أن الوزارة مستمرة بتنفيذ خطتها الموضوعة للموسم الصيفي من دون أي تراجع، وهي على تواصل دائم مع مختلف الجهات المعنية لتأمين أفضل الظروف لنجاح هذا الموسم، الذي يُعوَّل عليه كثيرًا لدعم الاقتصاد المحلي وتنشيط الحركة التجارية والخدماتية.
في ظل كل هذه المؤشرات الإيجابية، يبدو أن لبنان، رغم الجراح والتحديات، لا يزال قادرًا على جذب محبّيه من حول العالم. فالحركة السياحية المتجددة ليست فقط أرقامًا صاعدة، بل هي تعبير عن تمسّك المغتربين والسيّاح بصورة لبنان الجميلة، وانحيازهم الدائم للحياة فيه. وإذا أحسن المسؤولون استثمار هذه اللحظة، فإن الموسم السياحي الحالي قد يتحول إلى انطلاقة فعلية نحو استعادة دور لبنان كوجهة سياحية أولى في المنطقة، لا مجرّد محطة موسمية عابرة.