الشائعات في زمن الحرب: تهديد للأمن وزعزعة لاستقرار المجتمع!

في ظل الحرب الدائرة في لبنان، تتخذ الأزمات مناحي جديدة تتجاوز الدمار والتخريب المباشر. ومع تصاعد الاعمال العسكرية من قبل الجيش الاسرائيلي والرعب من المجهول، يظهر نوع آخر من الخطر يتمثل في انتشار الأخبار الزائفة، التي تهدف إلى بث الذعر في نفوس المواطنين وتحقيق مكاسب مشبوهة. يلجأ البعض إلى نشر إشاعات مغرضة تحذر من قصف وشيك لأحياء سكنية، مستغلين حالة الذعر العام لتضليل الناس وإرباك الأوضاع الأمنية.

استغلال وفوضى

لا شك ان الأخبار الزائفة تعتبر ظاهرة قديمة تتفشى بشكل أكبر في أوقات الحروب. في هذا السياق، تمكنت جريدة "الديار" من كشف توقيف أكثر من 10 أشخاص بتهمة الترويج لإشاعات كاذبة تتعلق بقصف مزعوم لمناطق سكنية من قبل "إسرائيل". هذه الاضاليل، التي انتشرت بسرعة بين السكان، دفعت العديد منهم إلى إخلاء منازلهم رغم عدم صحتها. تعكس هذه الأعمال استغلالا فاجّاً للأزمة الأمنية المتفاقمة وإثارة الخوف والهلع دون اعتبار للضرر الكبير الذي قد يلحق بالمجتمع.

الدور الحاسم للأجهزة الأمنية

في ضوء ذلك، لم تقف الأجهزة الأمنية مكتوفة الأيدي أمام هذا التهديد الجديد، فقد كثّفت جهودها لملاحقة مروجي الاخبار الزائفة. وفقا لمصادر "الديار"، يقود جهاز أمن الدولة، بقيادة اللواء طوني صليبا، حملات لمكافحة هذه الظاهرة، حيث يعمل الجهاز على تعقب مطلقي الأخبار الكاذبة وتقديمهم إلى العدالة. وقد شملت الحملة توقيف عدد من الأشخاص الذين استغلوا التكنولوجيا والتطبيقات الإلكترونية لإخفاء هوياتهم أثناء نشر الاشاعات، لكن الأجهزة الأمنية نجحت في تتبعهم وتوقيفهم.

في هذا السياق، صدر عن مديرية قوى الأمن الداخلي -شعبة العلاقات العامة، منشور على حسابها الرسمي عبر "إكس"، جاء فيه: "تتداول بعض مواقع التواصل الاجتماعي تحذيرا لسكّان أحد المباني في أنطلياس بضرورة المغادرة كونه سيتعرّض لقصف من طائرات العدوّ الإسرائيلي. وتم توزيع صورة محددة فيها المبنى والمسافة التي يجب الابتعاد عنها، مما أدّى إلى بثّ الذّعر في نفوس المواطنين ودفعهم إلى مغادرة منازلهم خوفا على حياتهم". وأوضحت المديرية أن "الخبر مفبرك وعارٍ من الصحة، والتحقيق جارٍ مع المشتبه فيها بإرسالها هذه الصورة إلى سكان المبنى ونشرها". وأكدت أنها ستعمل على ملاحقة مطلقي الشائعات ومحاسبتهم.

الشائعات كأداة للخلل في الأوقات الدقيقة!

ويوضح مصدر في امن الدولة رفيع المستوى لـ "الديار" انه "مع التصعيد العسكري بين حزب الله و "إسرائيل"، أصبحت الشائعات احدى أدوات الاضطراب التي تهدد الأمن الاجتماعي. يستغل مروجو هذه الأخبار الوضع الأمني الحساس لتحقيق مكاسب شخصية، سواء كانت مادية أو سياسية، متجاهلين الأضرار الفادحة التي تلحق بالمجتمع. من جانب آخر، تعتبر هذه الاكاذيب سببا في إرباك الأجهزة الأمنية، إذ تضطر إلى التحرك بناءً على إنذارات كاذبة، مما يؤدي إلى تشتيت جهودها في مواجهة التهديدات الحقيقية".

القضاء اللبناني... صارم

ويضيف المصدر، "يتعامل القضاء اللبناني مع هذه الظاهرة بحزم، إذ تنص القوانين على عقوبات صارمة ضد كل من يروج لأخبار كاذبة. طبقا للمادة 317 من قانون العقوبات اللبناني، يعاقب بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات كل من يحرّض على نشر الفوضى أو النزاع الطائفي. كما تنص المادة 309 على معاقبة مروجي الأخبار الزائفة بالسجن من 6 أشهر إلى 3 سنوات، بالإضافة إلى غرامات مالية. تشكل هذه العقوبات رادعا للأشخاص الذين يستفيدون من الظروف الأمنية الهشة لتحقيق أهدافهم الشخصية".

زعزعة المجتمع والاقتصاد

من جانبه، يشرح الخبير في مواقع التواصل الاجتماعي جورج سمعان لـ "الديار" "ان الأضرار التي تسببها الشائعات لا تتوقف عند الحدود الأمنية، بل تتجاوزها إلى التأثير في الاقتصاد. فعلى سبيل المثال، تؤدي المزاعم إلى تهافت المواطنين على شراء المواد الغذائية بشكل غير مبرر، مما يخلق أزمات اقتصادية غير واقعية ويزيد من أعباء الناس. كذلك، يلجأ البعض إلى استثمار الحالة لرفع الأسعار، كما حدث مع بعض المحلات التي رفعت أسعار الأغطية والفرش بشكل غير مبرر، مستغلة حاجات النازحين. وفي هذا الإطار، علمت "الديار" ان جهاز امن الدولة وجه إنذارا تحذيريا الى هؤلاء".

أهمية الوعي المجتمعي والإعلام المسؤول

ويشدد على ان "للإعلام دورا جوهريا في محاربة هذه الوضعية، فالتغطية الإعلامية الدقيقة والتحقق من المعلومات يساعدان في دحض الاكاذيب وتهدئة الرأي العام. كما يمثل الوعي الوطني والمجتمعي خط الدفاع الأول ضد مروجي الأخبار الزائفة. لذا، فان تعزيز التوعية حول مخاطر الشائعات وانعكاسها على الأمن المجتمعي يُعد ضرورة قصوى، بخاصة في ظل الظروف الراهنة".

ويختم، "في إطار الوضع الأمني الحرج الذي يعيشه لبنان، هناك ضرورة للتصدي للأقاويل بكل حزم. تتطلب مواجهة هذه الظاهرة تضافر جهود الأجهزة الأمنية والقضاء والإعلام، إلى جانب تعزيز وعي المجتمع بمخاطر الأخبار الزائفة، التي تتجاوز ما هو مرئي، لتشمل التهديدات النفسية والمجتمعية التي تزرعها الأخبار الكاذبة. لذلك، فان الحفاظ على استقرار المجتمع لا يكون فقط من خلال حماية حدوده، بل أيضا عبر محاربة الفوضى الداخلية التي يسببها مروجو الشائعات".

أسباب لجوء الناس إلى الأخبار المفبركة في الحرب

من جهتها، توضح الاختصاصية النفسانيّة والاجتماعية غنوة يونس لـ "الديار" أنه "في أوقات الأزمات، وبخاصة أثناء الحروب، تظهر العديد من العوامل التي تدفع الأفراد إلى نشر الأخبار الزائفة واستغلال الظروف الاقتصادية. هذه الظواهر ليست مجرد سلوكيات عشوائية، بل ترتبط بعوامل نفسية واجتماعية معقدة.

أولاً، يعد الخوف والقلق من العوامل الأساسية التي تدفع الأفراد إلى التفاعل مع المزاعم المصطنعة. في ظل تعرض الناس لمواقف تهدد حياتهم واستقرارهم، يسعى الكثيرون إلى البحث عن معلومات تشعرهم بقدر من السيطرة على الموقف. وفي هذا السياق، قد يتجاهل البعض أهمية التحقق من صحة الأخبار، ويفضلون تصديق الشائعات التي تعكس مخاوفهم، مما يؤدي الى تعزيز انتشارها بشكل أسرع".

ثانيًا، تؤدي الأزمات الاقتصادية دورا كبيرا في تحفيز بعض الأشخاص للاستفادة من الاوضاع الراهنة لتحقيق مكاسب شخصية. مع ارتفاع الأسعار وتدهور الأوضاع المعيشية، ينظر البعض إلى الفرص المتاحة كوسيلة لتعويض خسائرهم أو تعزيز مواردهم المالية. يتمثل هذا الاستثمار في رفع الأسعار بشكل مبالغ فيه على السلع الأساسية، مما يضاعف من الأعباء على المواطنين ويقوي مشاعر التوتر والقلق في المجتمع".

وتتابع، "كذلك، يرتبط اللجوء إلى الأخبار المضللة بنوع من الانفصال الاجتماعي، حيث تنعدم الثقة بين الأفراد وتتفكك الروابط الاجتماعية. في أوقات الحرب، يصبح كل فرد مضطراً الى البحث عن مصلحته الخاصة، حتى وإن كان ذلك على حساب الآخرين. بالتالي، فإن انتشار المعلومات المغلوطة واستغلال الأزمات هو نتيجة تفاعل معقد بين العوامل النفسية والاجتماعية. لذا، من الضروري تعزيز الوعي المجتمعي وترسيخ الروابط الاجتماعية للتصدي لهذه الظواهر السلبية التي تهدد الاستقرار والأمن في المجتمعات".

وتختم، "يجب على المجتمع اللبناني التكاتف لمواجهة هذه التحديات، من خلال توطيد القيم الإنسانية والروابط الاجتماعية التي تمثل الدرع الحامي ضد الشائعات والفوضى".