الشورى أبطل قرار إلغاء التزامات المركزي بالعملات الأجنبية... هذه التفاصيل؟!

قرار نوعي يصب في مصلحة المودعين في المصارف أصدره مجلس شورى الدولة أبطل بنتيجته قرار مجلس الوزراء رقم 3 تاريخ 20/5/2022 القاضي بالموافقة على استراتيجية النهوض بالقطاع المالي في شقها المتعلق بإلغاء "جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية تجاه المصارف وذلك لخفض العجز في رأسمال مصرف لبنان وإغلاق صافي مركز النقد الأجنبي المفتوح للمصرف NET Open FX position)).

وقرر برئاسة القاضي فادي الياس والمستشارين كارل عيراني وميراي داود، تضمين المستدعى بوجهها رسوم ومصاريف المحاكمة. ويأتي قرار الشورى بناءً على مراجعة تقدمت بها جمعية المصارف أمامه طلبت فيها وقف تنفيذ وإبطال هذا القرار لمجلس الوزراء حصراً في شقه المتضمّن الموافقة على استراتيجية النهوض بالقطاع المالي في بندها المتعلق بإلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية تجاه المصارف لخفض العجز في رأسمال المصرف المركزي وإغلاق صافي مركز النقد الأجنبي المفتوح للمصرف "لمخالفته مقدمة الدستور والمادة 15 منه اللتين تنصان على التزام السلطة التنفيذية باحترام الملكية الخاصة والنظام الاقتصادي الحر وعلى حظر التعدي على الملكية الخاصة، ومخالفته مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة إذ إن قرار الحكومة أقر مبدأ مصادرة الودائع أو تملكها من الدولة بشكل نهائي محمّلاً بذلك أعباء القطاع العام لفئة معينة من المواطنين هم المودعون في المصارف الخاصة بدلاً من توزيعها بشكل عادل على المواطنين كافة.

وأضاف المحامي أكرم عازوري في المراجعة بوكالته عن جمعية المصارف أن المواد 85 و90 و113 من قانون النقد والتسليف تجعل من مصرف لبنان مصرف الدولة اللبنانية، وتمنع على الدولة من حيث المبدأ الاستدانة من مصرف لبنان وتلزمها بتغطية أية خسائر يتكبّدها مصرف لبنان، حيث إن الدولة خالفت جميع النصوص القانونية الملزمة واستدانت مبلغاً يفوق 60 مليار دولار أميركي يمثل ودائع المصارف اللبنانية لدى المصرف المركزي بالعملة الاجنبية والتي هي عملياً ودائع المودعين لدى المصارف اللبنانية، ثم خالفت موجبها القانوني بتغطية أية خسائر يتكبدها مصرف لبنان ليأتي القرار الحكومي المشكوّ منه لكي يقر مبدأ استدانة الدولة المخالف للقانون ويعفي الدولة من ردّ ما استدانته أساساً خلافاً للقانون كما يعفيها من موجب تغطية خسائر مصرف لبنان.

وأخذ الشورى بقرار المجلس الدستوري رقم 4/2000 الذي اعتبر فيه بعد استعراضه المادة 15 من الدستور أن "حق الملكية هو من الحقوق الاساسية التي يحميها الدستور في الحدود التي لا تتعارض مع المصلحة العامة التي وحدها تبرر انتزاع الملكية الفردية في إطار القانون، مقابل تعويض عادل. وينسحب حق الملكية أيضاً على الملكية الجماعية العامة التي يجب أن تحظى بالحماية نفسها، وضمن الحدود ذاتها، المقررة لحق الملكية الفردية". كما قضى الدستوري في قراره رقم 2001 /4 بأن المواثيق الدولية جزء لا يتجزأ من مقدمة الدستور، إضافة الى أن المادتين 2 و17 في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنصان على أن هدف كل منظمة أو مجموعة سياسية هو الحفاظ على الحقوق الطبيعية غير القابلة للسقوط التي تعود للإنسان، وهذه الحقوق هي الحرية، الملكية، الأمان ومقاومة الممارسات القمعية، والملكية هي حق مقدس ومصون، لا يجوز انتزاعها من أحد إلا لضرورات المصلحة العامة الملحوظة قانوناً، وتحت شرط تعويضه تعويضاً عادلاً ومسبقاً. واستعرض القرار وجود توجه لدى المشرعين والأعضاء المشاركين في وضع الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان ولدى القضاء، في حال قصور النص، بتأمين حماية موسعة للملكية الفردية، وتشدد الاجتهاد في رقابته لهذه الناحية وتوسع في تحققه من الطابع العادل للتعويض المقترح، ليستطرد الى اعتبار المعطيات الواردة في الخطة التي تبنّاها مجلس الوزراء في قراره ومقتضيات معالجة الأزمة المصرفية والنهوض بالقطاع المالي، لا تبرّر لأي مرجع تنظيمي أو تشريعي اتخاذ إجراءات من هذا القبيل، أي إلغاء ديون مصرف لبنان تجاه المصارف. وإذ فنّد ما على المصرف المركزي والمصارف حيال قانون النقد والتسليف لفت الى أن "الإيداع عقد يستلم بمقتضاه الوديع من المودع شيئاً منقولاً ويلتزم حفظه وردّه (المادة 690)، والوديعة التي يطلب المودع ردّها تعد في حالة التأخر لمجرد تأخير منه لا يبرره سبب مشروع (المادة 702)، كما أن "الوديع مسؤول عن سبب كل هلاك أو تعيب كان في الوسع اتقاؤه" (م 713).

وتبعاً لهذا القانون استخلص الشورى أن المشرع حرم من حيث المبدأ على الحكومة الاقتراض من المصرف المركزي إلا ضمن حالات وشروط محددة بيّنتها المادة 111 من قانون النقد والتسليف، فيما أوجب عليها في حالة عجز المصرف المركزي بتغطية الخسارة من الاحتياط العام أو بدفعة موازية من الخزينة. كما أن الوديع مسؤول عن الوديعة لجهة حفظها وردها عند الطلب إليه دون تأخير، ويمنع عليه استعمالها أو التصرف بها من دون إذن من المودع، كما يعتبر مسؤولاً عن هلاكها أو تعيبها إن كان يقبل الودائع بحكم وظيفته (كالمصارف)، وعليها أن توفق بصورة خاصة بين مدة توظيفاتها وطبيعة مواردها... وفي المقابل أضاف أن تقرير إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية تجاه المصارف، يشكل حائلاً دون قيام هذه المصارف بإتمام موجباتها برد الودائع عند الطلب إليها من دون أي تأخير، ويؤدي بالتالي الى الإخلال بالموجبات المهنية المفروضة على المصارف لجهة المحافظة على حقوق المودعين وأموالهم وضرورة إعادة الوديعة لأصحابها بالطريقة التي تحقق لهم الإيفاء الفعلي ولا تلحق بهم أي ضرر أو تؤدي الى حرمانهم من الحصول فعلياً على أموالهم أو استعمالها أو استثمارها بشكل منتج. وانتهى الى "إبطال قرار الحكومة واعتبار أي إجراء متخذ استناداً الى هذا القرار مخالفاً بشكل واضح لأحكام الدستور والقوانين المرعية الإجراء".