الصراع الهندي - الباكستاني... هل تُفتح أبواب الحرب الشاملة؟

بلغ التصعيد الهندي – الباكستاني ذروته، ووصل إلى مستوى الضربات العسكرية، بعد قصف متبادل أدّى إلى مقتل مدنيين وفق الإعلانات الرسمية، وشل حركة الطيران، وهي الحلقة الأحدث في مسلسل التوتر الآخذ بالتعقيد منذ أسابيع على خلفية هجمات طالت إقليم كشمير المتنازع عليه، والعين على مستقبل هذا الصراع الذي يُنذر بأن يصير نووياً.

وفي سياق التوتر، لم تلجأ الهند إلى الضربات العسكرية فحسب، بل شنّت حرب مياه على باكستان، وأعلنت أنها "ستقطع مياه" الأنهر التي تنبع من أراضيها وتروي باكستان، وعلّقت مشاركتها في معاهدة لتقاسم المياه أبرمت سنة 1960 مع جارتها اللدودة التي اعتبرت قطع المياه "عملاً حربياً"، ما ينذر بتفاقم الأزمة واحتمال أن تصبح أكثر شمولية.

احتمالات التهدئة والتصعيد
ويشير المسؤول السابق عن العمليات الخاصة ومكافحة الإرهاب في وزارة الدفاع الأميركية أليكس بليتساس إلى وصف وزارة الدفاع الهندية عمليتها بأنها "مركزة ومدروسة وغير تصعيدية"، مؤكداً أنها استهدفت فقط "البنية التحتية للإرهاب"، مثل معسكرات التدريب في مظفر آباد وكوتلي، وتجنبت المنشآت العسكرية أو الحكومية الباكستانية. 

ويتحدث عن العملية، فيلفت إلى استخدام القوات الهندية صواريخ دقيقة، وعدم اختراق المقاتلات المجال الجوي الباكستاني، ما يشير إلى "ضبط النفس الهادف إلى منع نشوب صراع أوسع"،  وهو ما يوافق عليه سروجان بالكار، الباحث في الشؤون الهندية العالمية في المجلس الأطلسي، الذي لا يرى "نوايا تصعيدية" من جهة الهند، مستبعداً "التصعيد الفوري أو التعبئة".

إن إجراءات الهند العسكرية كان هدفها "تحييد التهديدات المباشرة مع تقليل خطر التصعيد". ومن خلال تصوير الضربات علناً على أنها تركز على مكافحة الإرهاب وتجنب الأهداف السيادية الباكستانية، فقد سعت نيودلهي إلى الحد من الضغط الانتقامي على إسلام آباد، حسب تحليل بليتساس، الذي نشره المجلس الأطلسي. 

ثمّة إجماع على أن الضربات الهندية كانت "مدروسة" لتفادي التصعيد. ووفق تحليل لمجلة "الإيكونوميست"، فإن "كل شيء يبدو مدبراً لتقليل خطر اندلاع حرب شاملة"، فالهند قالت إن ضرباتها كانت "مركزة ومدروسة وغير تصعيدية"، وأشارت إلى أنها لم تضرب القوات المسلحة الباكستانية، ولا أهدافاً اقتصادية أو مدنية، وهذا يُشير إلى أن "الهند حريصة على توفير منفذٍ لباكستان".

صحيفة "الغارديان" البريطانية نقلت رؤية معظم المحللين بأن "هذه المواجهة هي الأخطر في السنوات الأخيرة"، لكنها أشارت إلى أن هذا الواقع "لا يعني أن الحرب حتمية". وبتقديرها، فإن وجود الأسلحة النووية لدى الطرفين "يشكّل رادعاً"، وترى أن تأكيد الهند ضرب "معسكرات إرهابية معروفة"، وليس أهدافاً عسكرية أو مدنية، هو محاولة لوصف هجومها بأنه "خاتمة المواجهات وليس بدايتها".

الباحثون يعودون إلى نمط الحروب بين باكستان والهند لمحاولة قراءة مستقبل التصعيد الحالي، والتي وقعت في الأعوام 2001 و2016 و2019، وبتقدير بليتساس، يحاكي تصميم عملية "سيندور" الهندية الحالية ضربات الهند في عامي 2016 و2019، والتي استهدفت المسلحين دون إشعال حرب شاملة، ما يشير إلى نمط من ردود الفعل المدروسة.

كرة التصعيد في ملعب باكستان، كونها الطرف الذي يرد على الهجمات الهندية. وبالعودة إلى "الغارديان"، فإن السؤال المطروح هو "هل ستتجنب إسلام أباد الأهداف التي قد تُسفر عن خسائر بشرية كبيرة في صفوف المدنيين؟"، وبتقديرها، يبدو أن هذه هي النتيجة الأكثر ترجيحاً، مهما كانت حدة الخطاب، لكنها تذكّر بأن "أي خطأ في التقدير قد يُطلق شرارة حرب شاملة".

عوامل تمنع التصعيد
ثمّة عوامل من شأنها تخفيف حدّة التصعيد يتحدث عنها بليتساس، العامل الأول هو "إدراك الطرفين لقدراتهما النووية"، والعامل الثاني هو الضغوط الديبلوماسية الجارية، إذ لا تزال القنوات الديبلوماسية، بما في ذلك الاتصالات الخلفية، مفتوحة، وتُظهر السوابق التاريخية أن كلا الجانبين قادر على تهدئة التوتر بعد إجراءات محدودة، لافتاً إلى مصلحة مشتركة للطرفين "لاحتواء الأزمة".

وفي السياق، لا تخدم الحرب الشاملة أياً من الطرفين، فالقوة العسكرية الباكستانية تقابلها هشاشة الوضع الاقتصادي والعمل العسكري سيقوّض تركيز البلاد على جذب الاستثمار الأجنبي. والهند، التي تُرسّخ مكانتها كقوة اقتصادية عالمية ناشئة، لا تستطيع تحمّل عدم الاستقرار، وفق منال فاطمة، وهي مساعدة مدير في مبادرة "سكوكروفت" لأمن الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي.

في المحصلة، فإن ثمة إجماعاً على أن الجارتين اللدودتين ليستا في وارد التصعيد وصولاً إلى الحرب الشاملة التي لا تخدم أحداً، والتجارب السابقة تثبت أن الحروب بينهما محدودة، لكنها متكرّرة ومن المتوقع أن تشتعل من جديد طالما أن الحلول الجذرية غائبة.