الصرخات تتوالى مع بدء السنة الدراسية.. ارتفاع جنوني للأقساط والوزارة "مكانك راوح"

المعضلة قديمة جديدة ومتجددة، وتتكرر مع بداية كل سنة دراسية وتؤرق مضجع الأهالي في منطقة إقليم الخروب وغيرها من المناطق، خصوصا لذوي الدخل المحدود: الأقساط المدرسية التي ترتفع تلقائيا كل سنة بشكل جنوني دون حسيب أو رقيب، بالتوازي مع غلاء المعيشة. أقساط تثقل كاهل المواطنين وتضيف عليهم أعباء مضاعفة، فضلا عن أسعار الكتب والقرطاسية، وإلزام المدارس الخاصة الأهالي بشراء الكتب من المدرسة مباشرة ورفض الكتب المستعملة.

جملة أزمات يوضع أمامها أولياء الأمور في الإقليم في كل شهر سبتمبر من كل سنة، والذي يعلن معه المواطنون الاستنفار العام لتأمين وتحضير مستلزمات السنة الدراسية لأولادهم، وتبدأ معه الصرخات والأوجاع. يصف المواطنون هذا الشهر بشهر حرف الـ «م»، أي شهر المعاناة، والذي يرمز إلى «مدرسة، مازوت، مستشفى..»، حيث يترك المواطن يتخبط في أزماته للقدر، بينما لا يحرك أصحاب الشأن ساكنا.

وعلى رغم إعلان رئيس الجمهورية العماد جوزف عون أمام وفد اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة في لبنان، بأن زيادة الاقساط المدرسية غير مقبولة وغير مبررة وتحتاج إلى إعادة نظر وضرورة تشكيل المجالس التحكيمية ودرس تعديل القانون 515 لتصبح أكثر عدالة، وتحفظ معها حقوق المعنيين بالقطاع التربوي من أساتذة ومدارس وطلاب.. إلا ان هذا التصريح لم يثن أصحاب المدارس الخاصة عن زيادة الأقساط بحجة تحسين رواتب الاساتذة، الذين بدورهم يشكون من عدم انصافهم ويقولون رواتبهم تكاد لا تكفي بدل النقل.

مصدر تربوي مطلع اعتبر «ان الدولة هي المسؤولة عن هذه المشكلة». ورأى «ان المواطن هو من يدفع الثمن». ويعزو السبب إلى «إهمال وعدم اهتمام الدولة بالمدرسة الرسمية، التي هي ملاذ الجميع، إضافة إلى عامل أساسي في ضرب المدرسة الرسمية، والمتمثل بالمنح المدرسية التي تصرفها الدولة للموظفين، وهي التي تشجع المدارس الخاصة على الابتزاز والاحتكار في رفع الأقساط.»

وأشار المصدر إلى «ان المدارس الخاصة هي من تضع سياسة وزارة التربية وتفرضها وتلزم بها الوزارة»، مؤكدا «ان المشكلة كبيرة وليس لها من حل، لأن اصحاب النفوذ يديرون العديد من المدارس الخاصة، ويتصرفون بفوقية دون أي رقابة أو محاسبة. لذا نرى الفساد في كل موقع ومكان».

إزاء هذا الواقع، التقت «الأنباء» عددا من أهالي التلامذة في الإقليم الذين أطلقوا الصرخة جراء زيادة الأقساط التي ارتفعت ما بين 30 و40%. وقالت إحدى السيدات «لدي ولدان، الأول في صف الروضة الثانية والثاني في الصف الثاني أساسي. ومع الزيادات التي فرضت بات لزاما علي دفع مبلغ 6 آلاف دولار في السنة على الولدين، هذا عدا الزي المدرسي والكتب، ما يعني أنني ادفع راتبي بكامله شهريا للمدرسة لنصل إلى نهاية السنة ويكون القسط مسددا بالكامل».

وتابعت «اننا كأهل نربأ بالمسؤولين والقيمين على القطاع التربوي، إعادة النظر بهذا الواقع رأفة بنا وبأولادنا».

ويقول أحد الآباء: «ابني لا يزال في الروضة الأولى وقسطه السنوي في المدرسة أصبح 2000 دولار، بعد زيادة 20% فرضتها المدرسة. هذا الامر يرهقنا كأهالي، اذ نعمل ليل نهار لتأمين القسط، ناهيك عن غلاء المعيشة، فنضطر إلى التقشف من أجل تعليم أبنائنا وتأسيسهم في شكل جيد، لينطلقوا بعدها إلى رحاب التعليم الجامعي».

وذكر أب آخر لعائلة من ثلاثة ابناء انه يسجل أولاده في المدرسة الخاصة، وهو ينوي نقلهم إلى المدرسة الرسمية، لدى وصولهم إلى الصف الخامس. وقد فضل المدرسة الخاصة ليتقن أولاده اللغات والمناهج الأساسية في شكل جيد، وقال «هذا ليس انتقاصا من المدرسة الرسمية، وانما لما في المدارس الخاصة من وسائل تعليم متطورة وتكنولوجيا تواكب العصر. الا ان الزيادات على الأقساط التي فرضتها المدارس الخاصة هذه السنة ستجبرني على نقل أولادي إلى التعليم الرسمي والإبقاء على ولد واحد في المدرسة الخاصة، اذ ليس بمقدوري الاستمرار في ظل الأزمة الاقتصادية التي أرهقتني مع كثيرين من الأهالي».

وقد يسأل سائل، ما دامت الأقساط باهظة إلى هذا الحد في المدارس الخاصة، لماذا لا يلجأ الاهالي إلى المدرسة الرسمية؟ والجواب بسيط هو ان أعدادا كبيرة من تلامذة المدارس الخاصة انتقلت إلى المدارس الرسمية، والأخيرة لم تعد قادرة على استيعاب المزيد، سيما وان هناك أعدادا كبيرة ايضا من التلامذة السوريين يشغلون المقاعد الدراسية في هذه المدارس في فترة بعد الظهر.

وفي المحصلة، سيبقى المواطن اللبناني رهينة الأوضاع الاقتصادية، في علمه وقوته ومعيشته.