"الصناعة بخير".. زيادة في الاستثمارات في المصانع وارتفاع المنتجات اللبنانية على رفوف السوبرماكت

لا يستقيم اقتصاد ويتوازن ميزان المدفوعات فيه، ما لم تتعادل فيه حركة التصدير مقابل حركة الاستيراد، وما لم يكن قطاعا الصناعة والزراعة لديه مؤهّلين لاختراق الحدود باتجاه الأسواق العالمية.

صحيح أن لبنان لم يكن مرة دولة صناعية، بل وُسم على الدوام بدولة الخدمات، ولكنه لم يكن يوماً خارج نادي البلدان الصغيرة القادرة على بناء صناعات نموذجية ذات قدرة تنافسية في النوعية والأسعار. بيد أن الظروف السياسية والموقع الجيوسياسي الذي يكبّل لبنان مع مشكلات المنطقة أعاقا على الدوام قدرة رأس المال اللبناني والأجنبي على الاستثمار بهذين القطاعين ذوَي المخاطر المرتفعة. إلا أنه بعد انهيار العملة الوطنية ومعها الاقتصاد، باتت أسعار السلع المستوردة "نار" ولم يعد اللبنانيين قادرين على الاستهلاك كما السابق، فيما اتجه الصناعيون إلى اقتناص الفرصة، والدخول من جديد وبقوة مضاعفة على خط الإنتاج في مختلف الأصناف، التي تحتاج إليها السوق المحلية من جهة، وتملك مواصفات تصديرية من جهة أخرى.

يبقى الأسف والأسى الذي يعانيه الصناعيون اللبنانيون، يتعلق باستمرار إقفال السوق السعودية بوجههم منذ 3 سنوات، وهي أكبر مستورد للمنتجات الصناعية والزراعية اللبنانية، بعد استشراء عملية استغلال البضائع اللبنانية المصدرة إلى المملكة، في تهريب حبوب الكبتاغون المصنَّعة في سوريا.

وبسبب ذلك، دفعت الصناعة اللبنانية الثمن والمقاطعة وحدها، فيما المضحك المبكي أن المنتجات الصناعية السورية تدخل السعودية بشكل طبيعي، ما يعكس ثقة الأجهزة السعودية بأمن المرافق السورية ومرافئها، فيما تفقدها كلياً مع المرافق اللبنانية.

وزير الصناعة: الصناعة بخير

في هذا الوقت سعت الحكومة إلى "تحويل الأزمة إلى حلّ على المدى البعيد، وتحويل المحنة إلى منحة، فانتشرت المصانع في كل لبنان"، وفق وزير الصناعة جورج بوشكيان الذي أشار الى زيادة في الاستثمارات في المصانع مثل مصانع الأدوية حيث تغطي الصناعات الدوائية اللبنانية نحو 55% من السوق المحلية، كاشفاً عن 3 استثمارات في مصانع أدوية كبيرة، أحدها في منطقة البقاع وآخر في الجنوب.

الى ذلك، فإن نسبة "المنتجات اللبنانية على رفوف السوبرماكت ونقاط البيع ارتفعت من 11-17%، إلى 67%" أي بزيادة تُقدَّر بنحو 53%، وفق بوشكيان الذي أعلن عن منح وزارة الصناعة خلال 3 أعوام "تراخيص لنحو 1300 مصنع من كلّ القطاعات"، فيما أكدت مصادر صناعية أن الرقم مضخم قليلاً، وهو لا يشمل بمجمله إنشاء مصانع جديدة، بل إن غالبية ما أعلن عنه بوشكيان هو "تسويات" وشرعنة لمصانع لعلّ ذلك يمنحها الحق في المشاركة في كعكة التصدير الذي ارتفع من ملياري دولار إلى 4 مليارات، وخصوصاً باتجاه الأسواق العربية.

وأكد بوشكيان أن الصناعة بخير، ويشكل قطاع الصناعة اليوم 37% إلى 41% من إجمالي الناتج المحلي، وثمة "توجّه لقدوم استثمارات خارجية واعدة وفي قطاعات عدة، إلى لبنان. فضلاً عن مشاريع نعمل عليها مع دول وغرف تجارة أجنبية أوروبية، لإنشاء نوع من شراكة مع دول محددة لإنتاج صناعات تكاملية في لبنان، تغطي منطقة الشرق الأوسط، وتستفيد من اليد العاملة اللبنانية، ومن موقع لبنان الجغرافي والتواصل مع الاغتراب اللبناني".

فماذا يقول أهل الصناعة عن أوضاع القطاع؟

رئيس جمعية الصناعيين سليم الزعني الذي ينوّه بالدعم الاستثنائي الذي يقوم به وزير الصناعة للقطاع، يشير الى أن حركة التراخيص الصناعية لا تتوقف، إذ ثمة تراخيص لمصانع جديدة في مقابل خروج مصانع من السوق، مشيراً الى أن ثمة "مصانع كثيرة لم تكن مستكملة مستنداتها للحصول على تراخيص وأخرى غير حائزة تراخيص، فعمد الوزير الى تشجيعها على التقدم من الوزارة للحصول على ترخيص لكي تكون شرعية".

ولكن هذا لا يعني وفق الزعني أن لا تراخيص جديدة، إذ ثمة مصانع جديدة في كافة المجالات: الصناعات الغذائية، والدوائية، والمنظفات المنزلية، والحديد". وإذ لفت الى أن الصناعة اللبنانية تعطي الأولوية للعمال اللبنانيين، علماً بأنها لا تستغني عن العمالة الاجنبية وخصوصاً في المجالات التي تتعلق بالخياطة ومقالع الأحجار، أشار الى زيادة نسبة الوعي لدى اللبنانيين لاستهلاك الصناعة المحلية التي أصبحت مواصفاتها عالمية وتصل الى الأسواق العالمية كافة".

ولا ينفي الزعني تراجع التصدير الصناعي على خلفية الكلفة المرتفعة التي باتت تتكبّدها بما يحدّ من مافستها خارجياً، لافتاً الى أن "العامل الأول في زيادة الكلفة هو أسعار الطاقة التي تُعدّ الأعلى في العالم نسبةً الى الرسوم الثابتة وعدد ساعات التغذية". وقال: "الدولة "تذبحنا" في أسعار الطاقة، وعلى الرغم من توظيف الصناعيين في الطاقة الشمسية لا شيء يغني عن الدولة".

من جهته يوضح الرئيس السابق للجمعية جاك صراف لـ"النهار" أن عدداً كبيراً من المصانع التي حصلت على تراخيص أخيراً، كانت أصلاً موجودة في السوق، ولكن وزير الصناعة فرض عليها بعض المعايير لكي يحفّزها للحصول على ترخيص صناعي، وهو جهد يُشكر عليه".

صراف الذي يؤكد غياب الدولة عن دعم الصناعة، يشير الى أن "ديمومة القطاع واستمراريته بفضل التمويل الذاتي، وساعد في ذلك سداد الديون التي كانت تصل الى 50 مليار دولار قبل الأزمة، مشيراً الى أن السلع التي تتطور هي في الدرجة الأولى تلك التي تتمتع بإبداع جديد". وإذ أشار الى أن المصانع التي تصدّر هي تلك التي تنتج المواد الغذائية والمعلبات والصناعة الدوائية، فيما السوق الأول هو السوق الخليجية، كشف أن الاستيراد قبل 2019 كان يقارب 18 مليار دولار، وانخفض في 2020 الى 10 مليارات دولار ثم الى 13 مليار دولار في عام 2021 و18 مليار دولار في 2022 وعام 2023، ومن المتوقع أن يبقى الوضع على حاله في عام 2024.

مشاريع قوانين للإعفاء الضريبي

يجمع الصناعيون على أن وزير الصناعة هو مدافع شرس عن الصناعة اللبنانية، ويحاول أن يحمي الصناعات المحلية من خلال زيادة الرسوم على المستورد بين 3% الى 10%. في المقابل سعى بعض النواب الى تقديم اقتراحات قوانين لإعفاء المؤسسات والشركات الصناعية من الضرائب لا تزال تقبع في الادراج. آخر هذه الاقتراحات المقدم من رئيس لجنة الاقتصاد النيابية النائب فريد البستاني لدعم الصناعة الوطنية.

وينصّ على إعفاء جميع الشركات والمؤسسات الصناعية من كامل ضريبة الدخل الواجبة عليها على كامل أرباحها السنوية لمدة ثلاث سنوات، بناءً على طلب يقدَّم الى الإدارة الضريبية المختصة، شرط أن يكون 80% على الأقل من العاملين لديها من اللبنانيين. واشترط على الشركات والمؤسسات المستفيدة من الإعفاء، ضمن المهل القانونيّة المحدّدة في قانون ضريبة الدخل، أن تتقدّم بالتصاريح عن نتائج الأعمال السنوية، وأن تحتفظ بالسجلات والمستندات كافة العائدة لمحاسبتها عن مدة الإعفاء لمدة 10 سنوات، على أن تمارس الدائرة الضريبيّة المختصة رقابة دائمة على الشركات والمؤسسات الصناعيّة المستفيدة من الإعفاء، بغية التثبّت من تقيّدها بشروط الإعفاء".