المصدر: المدن
الكاتب: جنى الدهيبي
الأربعاء 27 تموز 2022 13:12:01
أينما توجهت في طرابلس، لا بد أن ترصد عيناك انتشارًا ملحوظًا لألواح الطاقة الشمسية على أسطح الأبنية وشرفات المنازل،. ولا تقتصر على المناطق التي تعيش فيها أسر مقتدرة ماديًا، بل توسع انتشارها إلى بعض الأحياء الشعبية.
ابتزاز "المافيا"
لكن في هذه الأحياء والمناطق نفسها، تحتدم غضبًا عشرات آلاف الأسر التي تعيش تحت رحمة أصحاب المولدات الخاصة، وهي عاجزة عن الذهاب إلى خيار الطاقة البديلة، وتنتظر مرغمة مع نهاية كل شهر، الزيادة غير المبررة بالدولار على فواتيرهم الشهرية.
في منطقة أبي سمراء، تقول أم أحمد لـ"المدن" أن صاحب المولد لا يمدهم بالكهرباء إلا 8 ساعات يوميًا، ويبرر تقنينه القاسي بعجزه عن الالتزام بالتسعيرة التي تفرضها وزارة الطاقة. ومع ذلك، "يرفع سعر الكيلواط من دون أن يصارحنا بذلك مسبقًا، وأصبحنا ندفع شهريًا ما لا يقل عن مئة دولار لكهرباء لا نستفيد منها، ومعظم طعامنا يفسد في البراد، ونذوب تعرقًا من شدة الحرّ بلا مراوح ولا مكيفات حتمًا".
تؤكد السيدة الطرابلسية عجزها المادي عن الذهاب لخيار تركيب الطاقة الشمسية كبعض جيرانها. فـ"زوجي عاطل عن العمل، وما يرسله لي ابني المغترب بالكاد أصبح يكفي لتوفير مصروفنا اليومي". وتتابع بغضب مستنكرة: "لا أصدق أننا ندفع معظم مدخولنا الشهري لصاحب المولد، الذي يقول لنا "اللي ما عجبوا يشيل الاشتراك". وهذا ما سيحصل قريبًا لنعيش بالعتمة".
فواتير وتقنين
وواقع الحال، تعيش طرابلس فوضى عارمة في قطاع مولدات الكهرباء الخاصة، فأصبحت أشبه بمافيات تتواطأ مع بعضها البعض، يتقاسمون الأحياء والمناطق، لفرض تسعيرة تناهز ضعف تسعيرة وزارة الطاقة، وهي تضع أهل المدينة تحت رحمتها وفق قاعدة: إما القبول بتقنينا القاسي وتسعيرتنا المخالفة للقانون التي هي مرتفعة أصلًا، وإما إطفاء المولدات والعتمة.
وقبل أيام، تحدث شهود عيان لـ"المدن"، عن إشكال كبير وقع في منطقة القبة، على إثر إطفاء المولدات بذريعة صاحبها أنه غير قادر على الالتزام بتسعيرة وزارة الطاقة، فأغلقت القوى الأمنية محله بالشمع الأحمر.
هذا الصراع الدائر بين الناس وأصحاب المولدات، يخشى كثيرون أن يتطور إلى إشكالات كبيرة شمالًا، في ظل تتبع القوى الأمنية كل من لا يلتزم بتسعيرة وزارة الطاقة. علمًا أن معظم أصحاب المولدات الذين يعتمدون أسلوب التهديد والوعيد مع زبائنهم، لم يبلغوا هذا المستوى من الجشع والطمع لو لا شهور من التسيب والفوضى بلا رقيب ولا ملاحقة، وفق ما يقول مواطنون في طرابلس، معتبرين أنهم يتكبدون الخسائر بجميع الحالات.
الخيار البديل
في هذا الوقت، قررت مئات العائلات في طرابلس اللجوء إلى خيار الطاقة الشمسية، كوسيلة وحيدة للتخلص من سطوة أصحاب المولدات الخاصة، ولتوفير الكهرباء عوضًا عن الدولة بشكل مستدام 24/24.
خالد، هو صاحب محل لبيع الكمبيوتر في طرابلس، أحد هؤلاء، يُخبر "المدن" أنه قبل أشهر قليلة اتخذ خياره بتركيب نظام الطاقة الشمسية في منزله، ويقول: "أدخرتُ من خلال عملي بضعة آلاف من الدولارات، وكنت أشعر بقلق دائم بكيفية حفظها بلا مصارف، فقررت شراء نظام الطاقة الشمسية كاستثمار مفيد والذي كلفني نحو 4 آلاف دولار".
ويصف الرجل وضعه قائلًا: "شعرت بسعادة كبيرة لأنني تحررت أخيرًا من الدفع لصاحب المولد، وأحتاج لعام ونصف عام فقط حتى أعوض مئات الدولارات التي نسددها لهم كثمن للتشبيح علينا بلا فائدة".
أقوى سوق في طرابلس؟
عمليًا، تنامى سوق الطاقة الشمسية في طرابلس منذ نحو عامٍ ونصف عام، على نطاق واسع، وبلغ ذروته بعد رفع الدعم عن المحروقات والارتفاع الكبير بتسعيرة كهرباء المولدات الخاصة، مقابل سوء تعاطي أصحابها مع الناس واستغلال حاجاتهم بشتى الطرق.
وفي حديث خاص مع "المدن"، يشرح المهندس رستم يمق تحديات سوق الطاقة الشمسية في طرابلس، وهو صاحب أكبر شركة متخصصة باستيرادها وبيعها وتوزيعها شمالًا "Smart Security".
ويمق الذي أسس شركته في طرابلس عام 2009، وكانت متخصصة بأنظمة الحماية الإلكترونية، كان عمله بالطاقة الشمسية محدودًا للغاية بسبب ضعف الطلب عليها. لكنه تطور تدريجيًا منذ نحو 4 سنوات، أي قبل الانهيار الذي بدأ يعصف في لبنان منذ منتصف 2019. وقال: "في ذلك الحين، تبلغنا عدة طلبات لتركيب طاقة شمسية في قرى وبلدات ومزارع شمالًا لا تصل إليها الكهرباء، بهدف تشغيل كاميرات مراقبة لتتبع حالات السرقة هناك".
لكن وتيرة الإقبال على الطاقة الشمسية في المنازل شمالًا، تصاعد منذ عامٍ ونصف عام تقريبًا، و"شهدنا إقبال أفرادٍ يسألون عن كيفية تركيبها وتكاليفها".
استعان رستم بمهندس سوري خبير، درب موظفي شركته بمجال الاستثمار في الطاقة الشمسية. ويشارك شهريًا بتدريبات في الخارج بهذا المجال، لتكون شركته أكبر شركة في طرابلس تستورد وتوزع وتركب وتبيع بالجملة والمفرق معدات الطاقة الشمسية وتقدم استشارات حولها.
يتحدث رستم عن تعامل شركته مع نحو 10 آلاف زبون ومستثمر بالطاقة الشمسية شمالًا، وأن خبرتهم بمجال المنازل اكتملت ونضجت، فيما تسعى شركته حاليًا لتطوير خبراتها بالطاقة الشمسية للمصانع والشركات والمؤسسات، وقد ركبت مؤخرا لثلاثة مطاعم كبيرة في طرابلس.
التكاليف والمشاكل
وحول التكاليف، يشير رستم إلى أنها تختلف وفقًا لطلب الزبون لجهة عدد البطاريات والألواح، وتبدأ من 2500 دولار وتصل لنحو 8 آلاف دولار للمنازل. أما المشاكل التي تواجه الزبائن، فتكون برأيه نتيجة شراء المعدات وإعطائها لأشخاص غير محترفين كفاية ليقوموا بتركيبها.
ويحذر اللبنانيين من الفوضى التي بدأت تجتاح سوق الطاقة الشمسية، عبر مكاتب وأشخاص غير متخصصين تسعى للاستثمار بعروض تنافسية تغري الزبائن على حساب النتيجة والنوعية.
ولاحظ رستم عبر زبائنه، أن الإقبال على الطاقة الشمسية لا يقتصر على مالكي المنازل في طرابلس ومحيطها، بل أيضًا يشمل المستأجرين، ويبرر الظاهرة بالقول: "إن المقتدرين والأغنياء في طرابلس لم يقبلوا بكثافة على الطاقة الشمسية، لأن معظمهم لديهم مولدات خاصة أو لا يعارضون تسديد فواتير مرتفعة بالدولار شهريًا لأصحاب المولدات. فيما الطاقة الشمسية هي خيار الإداريين والموظفين ومتوسطي الحال الذين يريدون حفظ أموالهم والتحرر من الخسائر التي يتكبدونها بالدفع للمولدات الخاصة".
وبناء على تواصل شركته وعملها مع نحو 500 مؤسسة في لبنان تعمل بمجال الطاقة الشمسية، يعتبر رستم أن الإقبال في طرابلس على الطاقة الشمسية يعد من الأعلى، وكذلك مع بعض المناطق الطرفية الأخرى مثل البقاع وصيدا، أكثر من بيروت.
هواجس الزبائن
وفي حال تنشطت الحركة الاقتصادية في المصانع والمؤسسات والمزارع، في الشمال الممتد من شكا حتى أقاصي عكار، يتوقع رستم تزايد الإقبال على الطاقة الشمسية، "بعد أن أضحت كهرباء الدولة حلمًا مستحيلًا بالمدى المنظور".
ويدعو رستم الناس لتركيب الطاقة الشمسية وتوسيع ثقافتها كخيار صديق للبيئة، وإلى ضرورة الحذر من الأخطاء الشائعة حولها، كالقول إن ألواحها تنتج بالصيف أكثر من الشتاء، في حين هي تعمل على الضوء وتنتج بالقدرة نفسها في جميع الفصول.
وبين خيار الطاقة الشمسية التي ما زالت مكلفة على معظم الأسر في لبنان وسطوة أصحاب المولدات، تأنُّ عشرات آلاف الأسر الفقيرة في طرابلس ومحيطها بعد أن أضحى قدرها: العيش بلا كهرباء.