الظلامية في مواجهة حرية التعبير

"سبب وجودنا هو الإيمان بمنطق الدولة ولا شيء غير الدولة اللبنانية، اليوم داوود رمال، وغداً أكيد سيكون شخص آخر، إذا سكتنا سقطنا". هذا ما قاله الإعلامي بشارة خيرالله في حديثه لـ"النهار" خلال الوقفة التضامنية التي نظمها إعلاميون وناشطون اجتماعيون مع الصحافي داوود رمال أمام قصر العدل في بيروت. البلد الذي لطالما كان ملاذاً لحرية التعبير والصحافة في الشرق الأوسط، يشهد في السنوات الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في الاعتداءات على الصحافيين. وكان آخر هذه الحوادث ما تعرض له الصحافي داوود رمال في بلدة الدوير الجنوبية، حيث تحول يومه العادي إلى تجربة مريرة تكشف عن تزايد سطوة العنف والترهيب ضد الصحافيين الذين يتبنون رأياً مخالفاً للبيئة التي ينتمون إليها.

يصف رمال تفاصيل حادثة الاعتداء التي تعرض لها، والتي أشار إلى أن عناصر من "حزب الله" كانوا وراءها، مؤكداً أنها "باتت معروفة للجميع"، وفق تعبيره. ويرى رمال أن سلوك الترهيب الذي واجهه ليس جديداً، فقد عاش هذه الممارسات منذ الثمانينيات، لكنه يلاحظ أن وتيرتها تتزايد مع مرور الوقت. ويعزو ذلك إلى ما وصفه بـ"الهزيمة الداخلية" التي تحوّل "الانتصار" المزعوم إلى عنف وترهيب يستهدف الأصوات المعارضة للحرب الأخيرة. ويضيف رمال: "الصحافة الحرة في لبنان كُتبت بدماء عمالقة مثل جبران تويني وسمير قصير. حين نفتقد الحرية، نفتقد لبنان"، مؤكداً تصميمه على الاستمرار في مواجهة المحاولات الرامية لإسكات صوته.

المسألة لا تقتصر على الحادثة الشخصية لرمال فقط، بل تُظهر حجم المشكلة التي يتعرض لها الصحافيون في لبنان، في ظل تزايد الاعتداءات على حرية التعبير. هذا الواقع جعل العديد من الصحافيين يتساءلون عن مستقبل العمل الإعلامي في لبنان، خصوصاً في ظل محاولات بعض القوى السياسية فرض قيود على التغطية الصحافية. ويؤكد رمال أن الحل يكمن في استعادة الدولة اللبنانية حضورها الفعلي من خلال المؤسسات الدستورية، مطالباً المؤسسات الحقوقية الدولية بتوجيه الأنظار إلى لبنان لضمان حماية الصحافيين من أي محاولة لترهيبهم.

من جانبه، استنكر وزير الإعلام زياد المكاري بشدّة، في حديثه لـ"النهار"، الاعتداءات التي يتعرض لها الصحافيون، مشدداً على أن "حرية التعبير هي أقدس ما نملك في لبنان". وأضاف: "كل اعتداء على صحافي يجب أن يُواجه بإجراءات حازمة من قبل الأجهزة الأمنية، بعيداً عن أي اعتبارات حزبية"، موضحاً أنه "يتدخل شخصياً في مثل هذه الحالات لضمان سير التحقيق ومحاسبة المعتدين".

وفي سياق الاعتداءات المتكررة والتعامل القضائي غير السليم، أكد المكاري أهمية مشروع قانون جديد للإعلام تعمل عليه الوزارة، موضحاً أن المشروع يهدف إلى "تعزيز حماية الصحافيين وإلغاء عقوبة السجن في قضايا التشهير". 

رغم ذلك، شدد المكاري على التزام الوزارة بالمضي قدماً لتحقيق "إعلام حر وآمن" يحمي الصحافيين من أي تجاوزات. وختم حديثه بالقول: "الدولة مسؤولة عن ضمان بيئة عمل آمنة للصحافيين"، مؤكداً أن "أي اعتداء على حرية التعبير هو انتهاك خطير لأسس الكيان اللبناني".