المصدر: النهار
الاثنين 25 أيار 2020 11:48:50
داخل بيوت اللبنانيين قصص كثيرة لمعاناة العاملات الأجنبيات اللواتي وجدن أنفسهن ضحايا أزمات بلد تراكمت مع الأيام، فمن ارتفاع سعر صرف الدولار وعدم قدرة الكفلاء على تأمين رواتب العاملات، إلى أزمة كورونا وما ترافق معها من إغلاق المطار واحتجاز بعضهن بعد اتخاذهن أو كفيلهن قرار العودة إلى وطنهن، عدا عن صعوبة تأمين ثمن تذاكر الطيران مع فتح باب العودة وغيرها من الضغوط التي تجعل من استمرار الوضع بهذا الشكل كارثة عليهن.
ظاهرة التسريح
تسريح العاملات المنزليات أصبح ظاهرة مع عجز أرباب العمل عن دفع رواتبهن وذلك بعد فقدان عدد كبير من اللبنانيين وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم، لتبقى العاملات الحلقة الأضعف في مواجهة "العواصف" التي تمرّ على لبنان، أفضل الخيارات المتاحة لهن مرّة، وبحسب ما شرحته المحامية في قسم "الإتجار بالبشر" في جمعية "كفى" موهانا إسحق "الوضع الاقتصادي العام الذي يعاني منه لبنان يؤثر بشكل كبير على العاملات المنزليات، فحين كان الوضع طبيعياً كان وضعهن هشاً، فهناك حالات عدة لم يكن يدفع لها الأجر، فكيف الآن في ظل هذه الظروف والقوى القاهرة التي تطال الجميع، لاسيما مع ارتفاع سعر صرف الدولار. من هنا، بدأت الأزمة بشكل مباشر وما فاقمها أكثر نظام الكفالة وتواجد العاملات في الحجر في المنازل مع كل أفراد العائلة، الأمر الذي زاد من ضغط العمل ومن الضغط النفسي عليهن، وأصبحت هناك استحالة أمام العاملات اللواتي يتعرضن لأي شكل من أشكال سوء المعاملة أو عدم الالتزام بحقوقهن من ناحية ساعات العمل وغيرها، التبليغ عن هذه الأوضاع".
المديرية العامة للأمن العام أعلنت عن المباشرة بتنظيم رحلات عودة طوعية لإجلاء العمال الأجانب الراغبين بالعودة طوعاً إلى بلادهم، وذلك بالتنسيق مع الإدارات والسفارات المعنية، موضحة أن "هذه الرحلات ستجري وفقاً لما يلي: أولاً: العمال الأجانب الذين سبق وتقدّموا بطلبات عودة طوعية لدى سفارات بلادهم، إعتبارا من تاريخ 20/05/2020 تبدأ عمليات الإجلاء للرعايا المصريين والأثيوبيين عبر مطار رفيق الحريري الدولي، كما يجري التنسيق مع المعنيين لتأمين رحلات جوية إضافيّة للجنسيات الأخرى، ثانياً: يطلب إلى أرباب العمل أو العمال الاجانب الراغبين بالمغادرة ولم يسجّلوا أسماءهم، وجوب مراجعة سفارات بلادهم للتسجيل على لوائح العودة تمهيداً لإيداعها المديرية العامة للأمن العام وإجراء المقتضى في مواعيد تحدد لاحقاً".
حلّ... ولكن
رحلات العودة انطلقت، فالسفر بحسب اسحق هو الحل الوحيد للحدّ من نزف هذه المشاكل، سواء للعاملات أو لأصحاب العمل، شرط كما قالت: "ألا يكون وقف النزف على حساب حقوقهن الأساسية، فلدينا تخوف من أن يحصل ترحيل عشوائي، من دون دفع مستحقات العاملات، لاسيما وأن البعض لديهن أجور متراكمة لم يحصلن عليها". ولفتت إلى أن "الأزمة لا تقتصر على الأشهر الماضية، فعدم دفع الأجور هو عادة عند الكثير من أصحاب العمل، حيث يحتفظون بالراتب لعدة أشهر ربما نتيجة اتفاق بين الطرفين أو لغيره من الأسباب، وعلى وزارة العمل تسليط الضوء على هذه النقطة".
تكلفة باهظة
سفر العاملات تعيقه أمور عدة، منها التكاليف الباهظة لتذاكر الطيران والغرامات المتراكمة على بعضهن، وبحسب ما شرحته جمعية "this is Lebanon" التي تعنى بالدفاع عن العاملات في لبنان من جميع الجنسيات، "رحلة الخطوط الاثيوبية التي غادرت بيروت في 21 أيار كان على متنها فقط 13 راكباً، في حين تنام عدد من الفتيات على الرصيف أمام السفارة التي لا تهتم بهن ولا تحميهن". وأضافت: "تفرض الحكومة الإثيوبية على العائدات حجز فندق لمدة 14 يوماً في إديس أبابا حيث تكلفة الليلة الواحدة تتراوح بين 40 إلى 60 دولاراً ما يعني أن المبلغ المترتب على كل واحدة حوالي 560 دولاراً، في حين يبلغ سعر تذكرة السفر 680 دولاراً، أي نحو 1240 دولاراً يفرض على كل اثيوبية دفعه للعودة إلى وطنها، فكيف سيستطعن تأمين هذا المبلغ، وهن لا يملكن ثمن رغيف خبز".
بحث عن حلول
منذ ارتفاع سعر صرف الدولار قدمت جمعية "كفى" طلباً إلى الأمن العام لتسهيل سفر فئة العاملات المحتجزات في لبنان بسبب رسوم وغرامات متراكمة عليهن لسنوات، هذه الفئة تضم من يعملن (بالساعة)، وقد صدر قرار تسفيرهن السريع والفوري على أن يدفعن غرامة سنة واحدة والتي تعادل 300 ألف ليرة، وذلك في بداية السنة الحالية، ونحن الآن بصدد تقديم ملحق للأمن العام لإعفاء الفئة ذاتها". وأضافت: "كما أن المشكلة الثانية تكمن في سعر بطاقة السفر الباهظة، وهي تطال العاملات وأصحاب العمل"، مشيرة إلى أن "اجتماعات عدة تعقدها وزارة العمل مع المعنيين والمنظمات المحلية والدولية والأمن العام للبحث عن حلول، لكن إلى الآن لا يوجد طرح واضح".
وضع مزر
عدم قدرة العاملات اللواتي انتهت عقودهن على السفر يعني بحسب اسحق "استمرار تواجدهن في منازل كفلائهن السابقين، واستمرارهن بتأدية عملهن من دون أجر، وما لاحظناه في ظل هذه الأوضاع ازدياد حالات الضغط النفسي. فهناك عاملات يحاولن رمي أنفسهن من الشرفات، حتى إننا نتلقى اتصالات من اصحاب العمل يعبرون من خلالها عما تعانيه العاملات من تعب نفسي، بسبب حجزها في لبنان وعدم استطاعتهم دفع الأجر لها، من دون وجود مخارج، فالطريق إلى الآن مسدود أمام الطرفين"، مشيرة إلى أن "العاملات اللواتي يعملن (بالساعة) في وضع مأسوي كذلك، حيث توقف عملهن بسبب الحجر الصحي، هن عاجزات عن تأمين قوت يومهن، لا بل هناك حالات تشرد في صفوفهن".
عودة "العبودية"
الملاحظ في الفترة الأخيرة وجود إعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي عن عروضات "لنقل استخدام" العاملات المنزليات، ما يعني أننا أصبحنا أمام عبودية واضحة وليس عبودية مقنعة، والأمر دفع وزارة العمل والمراجع المختصة إلى التحرك. وقد علقت عن ذلك اسحق: "قدمنا إخباراً بهذا الشأن، والأمر تخطى حدود المقبول من الانتهاكات، وهو يشير إلى استمرارية تفكير البعض بأن العاملات ملك لهم، وذلك بسبب نظام الكفالة الذي يفرض التنازل عنهن بموجب مستند".