العراق يوقف التعامل مع جامعات لبنان باستثناء "الأميركيتين"

ما زالت قضية الشهادات الجامعية للطلاب العراقيين تتفاعل في العراق. فبعد قرارات وقف التعامل مع ثلاث جامعات في لبنان منذ نحو خمسة أشهر، صدرت قرارات حديثة عن الحكومة العراقية ألغت بموجبها الاعتراف بجميع الجامعات اللبنانية باستثناء الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة اللبنانية الأميركية. كما ألغت الاعتراف بجامعات عدة في مختلف الدول منها 29 جامعة في إيران، مستثنية جامعة طهران.

 

قرار متسرع ومستغرب

القرار يبدو متسرعاً، خصوصاً أن قضية بيع الشهادات الجامعية، شملت ثلاث جامعات في لبنان وحسب. وكانت وزارة التربية اتخذت قرارات في هذا الشأن للحد من تدفق الطلاب العراقيين، ووضعت منصة لتسلم طلبات معادلة الشهادات تستقبل مئتي طلب يومياً تنجز منها خمسين طلباً فقط لا غير. وقد حاول البعض دفع رشاوى لموظفين في الوزارة لتسريع انجاز الطلبات وتمرير عدد أكبر يومياً، حتى أن تدخلات حصلت من جهات رسمية عراقية في هذا الشأن، نظراً لحاجة لبنان للنفط العراقي الذي تزود به معامل الطاقة لإنتاج الكهرباء. لكن الوزارة تشددت في قضية الطلاب العراقيين، كما أكدت مصادر مطلعة لـ"المدن".

 

بطبيعة الحال، بقاء الوضع كما كان عليه سابقاً، وتدفق أكثر من 400 طلب يومياً لمعادلة الشهادة، ليس مقبولاً بعد الفضيحة التي حصلت ولجوء جامعات إلى استقبال أكثر من 2600 طالب في شهادة ماجستير الحقوق وحدها. فقد فاقمت أزمة كورونا واللجوء للتعليم من بعد الوضع في لبنان، وكانت بعض الجامعات تخرج الطلاب حتى من دون الحضور شخصياً لمناقشة أطروحة التخرج. وأتت القرارات العراقية السابقة بوقف التعامل مع ثلاث جامعات لبنانية لتضع حد للتفلت الحاصل.

 

لكن القرار العراقي الجديد مستغرب، نظراً لأنه شمل كل جامعات لبنان، باستثناء الجامعتين الآنفتي الذكر، هذا في وقت شمل القرار جامعات مصنفة دولياً في لبنان. لكن يبدو أن وراء القرار العراقي أسباباً لا علاقة لها بقضية بيع الشهادات بقدر ما هي مشكلة داخلية تتعلق بتزايد أعداد الموظفين العراقيين في اللجوء إلى الحصول على شهادات جامعية، من طريق التعلم من بعد، للترفع في السلم الوظيفي.

 

الطلاب العراقيون يفضلون لبنان

القرار ينعكس على نحو خمسة آلاف طالب يرتادون لبنان سنوياً لتحصيل تعليمهم الجامعي كما أكد نهاد جهاد، رئيس ممثلية طلاب العراق في الخارج، لـ"المدن". فوفقه يفضل الطلاب العراقيون لبنان نظراً للتقارب اللغوي ولجودة التعليم وتراجع قيمة الأقساط الجامعية، ورخص المعيشة اليومية، بعد الانهيار المالي.

 

وأضاف أن الطلاب العراقيين يجدون سهولة في التعلم في إيران نظراً للتقارب الجغرافي، ورغم ذلك كانوا يفضلون لبنان. لكن القرار العراقي الجديد ألغى الاعتراف بكل الجامعات في إيران باستثناء جامعة طهران، وهي باللغة الفارسية. وهذا دافع إضافي للطالب العراقي لتفضيل العلم في لبنان. لكن القرار العراقي أتى لمعاقبة الطلاب، عازياً السبب إلى وجود مشاكل اقتصادية في العراق أدت إلى هذا القرار، وليس بسبب الخوف على المستوى العلمي في العراق، عقب ما سمي هناك بيع شهادات مزورة من جامعات عدة.

 

قرار ضد الموظفين

يرفض رئيس ممثلية طلاب العراق في الخارج القول إن القرار العراقي سياسي أو متعلق بالصراعات السياسية بين الأقطاب العراقيين، ويكتفي بالقول إنه قرار موجه لاستهداف فئة الموظفين في العراق لعدم السماح لهم بالترقية في السلم الوظيفي. فعندما يتخرج الموظف بشهادات عليا يترقى وظيفياً ويرتفع راتبه. وربما رأى البعض أن تخرج عدد كبير من الموظفين قد يثقل الخزينة والميزانية العامة، فقرر اللجوء إلى قرار يرتقي إلى مستوى الفضيحة.

 

وسأل: كيف يتخذ العراق قراراً هزلياً بهذا الشكل؟ يوجد جامعات معترف بها ومصنفة عالمياً وفق تصنيف شنغهاي للمعايير الدولية، قضى القرار العراقي بوقف التعامل معها. فهل العراق أهم من باقي الدول العالمية التي تعترف بشهادات هذه الجامعات؟

 

وأضاف أن هذا القرار الصادر عن دائرة البعثات متسرع وغير مدروس، فهو يجعل العراق مهزلة بين الدول، مشيراً إلى وجود وساطات لإعادة النظر به.

 

أعداد الطلاب الضخمة

وحول قضية الطلاب العراقيين في لبنان والشكاوى من أعدادهم الضخمة وحصولهم على شهادات من دون الحضور شخصياً إلى لبنان، لفت جهاد إلى أن الحديث عن بيع الشهادات بتلك الأعداد الضخمة التي تطرق إليها بعض المسؤولين في العراق غير صحيح بتاتاً. فمنذ العام 2018 وإلى غاية العام 2012 حصل نحو 1400 طالب على شهادات عليا، هذا فيما لا يزال هناك نحو 14 ألفاً و600 طالب ينتظرون الحصول على الشهادات. وبكل الأحوال، في حال ارتكبت جامعة معينة في لبنان أي أخطاء يفترض محاسبة الجامعة لا الطلاب. فالقرار الجديد يحرم الطلاب من التحصيل العلمي ولا يحل المشكلة في حال وجود أي جامعة متورطة في منح الشهادات بهدف جني الأموال من العراقيين فحسب.

 

وحول وجود أعداد ضخمة في شهادة الماجستير (أكثر من ألفي طالب في فرع من فروع الحقوق في إحدى الجامعات اللبنانية)، أكد رئيس ممثلية طلاب العراق في الخارج هذا الأمر، لكنه أشار إلى أن المسؤولية تقع على عاتق دائرة البعثات. ويسأل: لماذا قبلت دائرة البعثات بهذا العدد الكبير وعادت بعد سنتين لرفض الأمر. هل يجوز أن يدفع الطالب الأقساط ويجهد لتحصيل الشهادة وعندما يصبح في مرحلة التخرج تعود الدائرة لتندد بالأعداد الضخمة؟!

 

رشوة موظفين في التربية

وحول تقديم بعض الطلاب وجهات رسمية الرشاوى لموظفين في وزارة التربية في لبنان لتسهيل تصديق المعاملات، اعتبر أنه مجرد كلام. وحتى لو حصل من بعض الطلاب فهذا يجب ألا يشمل كل الطلاب العراقيين الذين يفضلون تحصيل علمهم في لبنان منذ عشرات السنوات.

 

وشكا رئيس ممثلية طلاب العراق في الخارج من عراقيل تضعها وزارة التربية، مشيراً إلى أنه في كل دول العالم يسمح باستخدام الوكالة لتسليم الطلبات وتسلمها، إلا في لبنان. ويسأل: لماذا باتت وزارة التربية ترفض توكيل أي طالب شخصاً آخر غيره لتسليم طلبه ومعادلة شهادته؟ ولماذا فرضت وزارة التربية العمل بالمنصة الإلكترونية التي لا تتيح إلا استقبال خمسين طلباً يومياً لمعادلة الشهادة؟

 

وأضاف أن وزارة التربية لا تقدر حجم الضرر الواقع على الطلاب جراء اعتماد المنصة، لأنها تؤدي إلى تأخر الحصول على معادلة الشهادة لنحو ثمانية أشهر، وتضيع الفرص على الطلاب في العراق في تقديم طلبهم للحصول على الاعتراف بشهادتهم.