المصدر: النهار
الكاتب: سلوى بعلبكي
الأربعاء 7 شباط 2024 08:30:18
لا يزال الإرباك أمام معضلة تصحيح رواتب القطاع العام والمتقاعدين العسكريين والمدنيين يسود الأوساط الحكومية والمالية في الدولة، ولم تنفع الـ "ترقيعات" تحت مسميات غلاء معيشة أو زيادة إنتاجية، في إرضاء الموظفين والمتقاعدين على حد سواء.
تعيش الدولة إرباكها الراهن بسبب العشوائية التي تعاملت بها سابقا مع رواتب القطاع العام والمتقاعدين، حيث عمدت من دون أي دراسة أو خطة علمية إلى منحهم زيادات مقطوعة على الأجور، إعتمدت فيها آلية مضاعفة الرواتب بضع مرات، بدلا من وضع خطة مالية إستراتيجية لمواكبة انهيار الليرة والمداخيل باعتماد زيادات نسبية متحركة ومتتالية على الرواتب والأجور تعادل أو تقارب حجم الخسارة المحققة كل شهر أو فصل من قيمة الليرة.
حلّ مضاعفة الرواتب لم "يخدم" لوقت طويل بعدما وصل سعر صرف الدولار الى 89.500 ليرة، ومعظم الرواتب إلى ما دون المئة دولار مقوّمة على سعر صيرفة. من هنا بدأت سلسلة تحركات شعبية في الشارع، وإضراب طاول جميع مرافق القطاع العام، وهدد مداخيل الدولة بشكل جدي في أحلك الظروف الاقتصادية، وحاجة الدولة الملحّة إلى زيادة وارداتها.
بناء على ذلك، بدأت الحكومة سلسلة مفاوضات مع موظفي القطاع العام أفضت إلى توافق حول زيادات عمادها الأساسي بدعة "بدل إنتاجية" ما رفع رواتب وأجور موظفي القطاع العام إلى مستوى متفاوت كثيرا مع المتقاعدين في الأسلاك العسكرية والمدنية، خصوصا أن ذلك ترافق مع زيادة 3 رواتب فقط للمتقاعدين الذين رفضوا ذلك مطالبين بحقوقهم وفق قانون التقاعد، واحترام تضحياتهم وجهودهم التي بذلوها خلال عشرات الاعوام في خدمة الدولة وحمايتها.
ذريعة الحكومة أن لا أموال لديها لتغطية مطالب الجميع، اضافة إلى "شمّاعة" التخويف من استشراء التضخم، فيما المتقاعدون يعتبرون أن الدولة تتصرف إزاءهم بفوقية، وهي ترفض مساواتهم مع رفاقهم في الوظيفة أو الخدمة الفعلية وتطبيق قانون التقاعد عليهم في احتساب الرواتب والزيادات لعلّة في ثقافتها الاقتصادية تعتبر أن "المتقاعد غير منتج".
بند الزيادات لم يُدرج على جدول الاعمال؟
صحيح أن بند الزيادات على رواتب القطاع العام والمتقاعدين لم يدرج على جدول جلسة مجلس الوزراء، ولكن يتوقع أن يتم طرحه من خارج جدول الاعمال مع احتمال اقراره وفقا لما اتُّفق عليه بين وزارة المال ومصرف لبنان وبعض مستشاري رئيس الحكومة أخيرا، مع تعديل بسيط على قيمة الزيادات لكي تكون مُرضية للمتقاعدين، إذ بعدما كانت الزيادة 3 رواتب تمّت اضافة (على أن لا تقلّ عن 5 ملايين ليرة بالحد الادنى). وكان جرى الاتفاق على إعطاء 3 رواتب إضافية لموظفي القطاع العام من عسكريين وإداريين ومتقاعدين باستثناء الموظفين والاساتذة في وزارة التربية وأساتذة الجامعة اللبنانية والقضاة، وإلغاء فكرة بدل الإنتاجية لموظفي الإدارة العامة، وتم استبدال بدل النقل اليومي لموظفي الإدارات العامة "حصراً" بصفائح بنزين (حد أدنى 14 صفيحة وحد أقصى 18 صفيحة شهرياً) شرط الحضور 18 يوماً شهرياً. كذلك زيادة بدل النقل للعسكريين في الخدمة الفعلية من 5 ملايين حاليا شهرياً الى 7 ملايين شهرياً (نحو 5 صفائح بنزين).
لكن هذا التعديل لم يقنع المتقاعدين الذين يصرون على أن تكون اضافة الرواتب الثلاثة (على أن لا تقلّ عن 9 ملايين ليرة بالحد الادنى)، وهو أمر لا يمكن القبول به من الحكومة ومعها مصرف لبنان رغم كونها حقا، ولكن ستؤدي الى تضخم وارتفاع سعر الصرف، وفق ما تؤكد مصادر متابعة. وفيما يصرّ بعض المتقاعدين على إدخال الحوافز المعطاة، أو بعض منها، في صلب الراتب، يؤكد الناشط في الدفاع عن حقوق المتقاعدين العسكريين العميد الركن الطيار اندريه أبو معشر لـ"النهار" ان الحلول التي قدمتها الحكومة للعسكريين المتقاعدين مرفوضة جملة وتفصيلا، مقترحا وقف العطاءات التي اعطيت لكل القطاعات من اساتذة وقضاة واداريين ومتقاعدين، واعتماد اعادة احتساب على قاعدة سلسلة الرتب والرواتب للعام 2017 عندما كان سعر صرف الدولار 1500 ليرة، وتخصيص مبلغ من المال للرواتب على ان يتم توزيعه على كل موظفي القطاع العام من عسكريين وإداريين ومتقاعدين وأساتذة الجامعة اللبنانية والقضاة بنسبة ثابتة للجميع. ولا يحبذ أبو معشر تحديد نسبة الزيادة التي يجب أن ترتبط بقدرة الحكومة المالية، معطوفة على تصحيح تدريجي للاجور خلال فترة زمنية، على ان يصار الى تصحيح تدريجي لهذه النسبة وفقا لتطور مداخيل الدولة.
ويتخوف ابو معشر من "الدوران في حلقة مفرغة، إذ ان اقرار بدل النقل وصفائح البنزين لموظفي الادارة العامة، سيدفع الاساتذة والقضاة الى الاحتجاج على خلفية عدم مساواتهم بالادارة العامة حيال تخصيصهم بصفائح بنزين، ومن ثم سيحتج غيرهم على عدم مساواتهم مع الاساتذة والقضاة، لذا يجب درس الموضوع ملياً وليس على القطعة، كما هو جارٍ حاليا".
واذ أكد أن المعنيين يرفضون رفع بدل التعويض العائلي للموظفين لأن المتقاعدين سيفيدون منه، اقترح أن يصار الى اعتماد باصات للنقل العام المجاني (لموظفي القطاع العام)، "ونحن على استعداد كمتقاعدين أن نعمل كسائقين لقيادتها، فيما يتكفل الجيش بعملية الصيانة. وهذا الاقتراح يوفر مبالغ كبيرة على الدولة، مقابل توفير نحو 13 تنكة بنزين شهريا لموظفي القطاع العام". ومعلوم ان عدد الموظفين في الخدمة الفعلية لمجموع الأسلاك العسكرية والأمنية، والإدارة المدنية على المستويَين المركزي والبلدي، والمؤسسات العامة، والتربية، والسلك القضائي، هو 210 آلاف موظف. أما المتقاعدون فيبلغ عددهم نحو 120 ألفاً، 70% منهم أي 84 ألفاً، من متقاعدي الأسلاك غير المدنية.
العسكريون المتقاعدون الذين كان لهم تحرك أمس فاعتصموا أمام مبنى مديرية الواردات في وزارة المال (بشارة الخوري) وأمام مبنى الـTVA التابع للوزارة (كورنيش النهر) ومرفأ بيروت، سيكون لهم تحرك آخر غداً الخميس ابان انعقاد جلسة مجلس الوزراء، إذ يؤكد أبو معشر انهم يتجهون الى "تعطيل الجلسة مهما كلّف الامر، ومنع الوزراء من الدخول الى مقر مجلس الوزراء. فالعسكري الذي يقبض 100 دولار فقط، ليس لديه شيء يخسره، ولن يقبل أن يكون هناك صيف وشتاء تحت سقف واحد". وهذا لسان حال المتقاعدين الذين اعتصموا امس امام وزارة المال مؤكدين أنهم "لن يقبلوا أن تعطي الحكومة فئة على حساب فئة ثانية، وان ما تقوم به الحكومة ينحدر الى حد التمييز العنصري في حق العسكري المتقاعد".
تجدر الاشارة الى أن سياسة تسديد جميع الرواتب والأجور بالدولار "الفريش" التي يعتمدها مصرف لبنان تقارب الـ 900 مليون دولار سنويا، بمعدل وسطي 300 دولار للموظف شهريا، ومع الزيادات التي ستُقر (100 مليون دولار شهريا) سيصبح المبلغ نحو مليار و200 مليون دولار سنويا. ويؤمّن مصرف لبنان هذا المبلغ من خلال شرائه قسما كبيرا منها من السوق المحلية، والباقي يتم تأمينه من إيرادات الدولة بالدولار.
الدولة ومعها المتقاعدون اليوم في مأزق لا يمكن الخروج منه إلى حل متوازن، إلا بعودة الدولة إلى تطبيق القوانين المرعية الإجراء، واحتساب أي زيادات أو غلاء معيشة وفق ما ينص عليه قانون التقاعد، وعدم اعتبار شريحة واسعة ممن أفنوا حياتهم في خدمة الناس عالة على الدولة أو الحلقة الأضعف التي يمكن تجاوزها.