العقوبات الفرنسية... هل تبقى كلاماً بكلام؟


لم تعد فرنسا "الأم الحنون" للبنان ومربط خيله فحسب، بل صارت تلوّح أيضا بسلاح التهديد بالعقوبات لمن يعطِّل الإستحقاقات الدستورية، وهي ظاهرة سادت اخيرا ولا سيما في الفترة الراهنة، في ظل تقاعس المسؤولين اللبنانيين عن القيام بواجباتهم الدستورية، وقد تكون باريس اقتبست لغة العقوبات من واشنطن التي لطالما لجأت إليها ضد مسؤولين لبنانيين وسوريين، لكنها بقيت حبراً على ورق، ولم يسبق أن نُفِّذت عقوبات بحق مسؤولي "حزب الله" تحديداً ومموّليهم، وهذا ما تؤكده الوقائع بفعل ما جرى في الآونة الأخيرة عندما طاولت العقوبات الأميركية بعض المرتبطين بالحزب الذين يعملون في دول أوروبية وسواها، ما يطرح السؤال حول الموقف الفرنسي بعدما تردّد، عقب اللقاء الخماسي في باريس، أن عقوبات فرنسية آتية لامحالة ضد من يعطِّل الإستحقاقات الدستورية في لبنان، ولا سيما الإنتخابات الرئاسية، وهناك لائحة طويلة عريضة تتناول عددا من الأسماء ممن يُتّهمون بالتعطيل.

فماذا عن الموقف الفرنسي، وهل هو كلام بكلام، أم تهديد بالبطاقة الصفراء، ولاحقاً بالحمراء؟ مع الإشارة هنا، وفق المواكبين والمتابعين لهذا المسار، الى ان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سبق له ان زار لبنان مرتين متتاليتين، وأكد أن منفّذي جريمة المرفأ لن يفرّوا من العقاب، وجمع القيادات اللبنانية برمّتها في قصر الصنوبر، مطلقاً سلسلة لاءات سياسية، وتعهّدوا أمامه الإلتزام بها، لكن هذه التعهّدات تبخّرت، ومعها زيارتا ماكرون إلى العاصمة اللبنانية، من دون أي عقاب لمن اتُّهم بتفجير المرفأ، أو من تحوم حولهم الشبهات، لا بل حصل انقسام قضائي وهرج ومرج، وتعطّل التحقيق، من دون أي موقف فرنسي صارم أو عقوبات وسواها من المواقف التهديدية التي يتناقلها بعض المسؤولين الفرنسيين والإعلام، وعبر التواتر الديبلوماسي، ولكن "على من تقرأ مزاميرك يا داود"؟

في هذا الإطار، تشير المعلومات والمعطيات لـ"النهار"، من متابعي الموقف الفرنسي، إلى أن علاقة وطيدة كانت تربط إيران و"حزب الله" بالفرنسيين، لا بل انه خلال التواصل السعودي ـ الفرنسي جرى البحث في هذه المسألة، والأمر عينه من بعض القيادات اللبنانية التي تواصلت مع المسؤولين الفرنسيين، داعية إياهم لوقف "تغنيج" "حزب الله"، خصوصاً ايام السفير السابق لفرنسا في لبنان قبل السفيرة الحالية آن غريو، عندما كان يزور الضاحية الجنوبية باستمرار، ويلتقي عددا من نواب "الحزب" ومسؤوليه.

من هنا، السؤال المطروح: هل تُقدم باريس على فرض عقوبات تجاه بعض القيادات اللبنانية أو المعطلين؟ عن هذا السؤال تقول المصادر المتابعة، من خلال معلومات موثوق بها، أنه في أحد اللقاءات الفرنسية ـ الأميركية، وكان الموضوع اللبناني الطبق الأساس، أبدى الفرنسيون عدم رغبتهم في فرض عقوبات على أي فريق سياسي لبناني، معتبرين أن ذلك من شأنه أن يفاقم الأوضاع في هذا البلد، ولكن ما استجدّ في الآونة الأخيرة، هو ان فتوراً ساد العلاقات الفرنسية ـ الإيرانية على خلفية تزويد طهران موسكو بالمسيّرات، وانعكس هذا الخلاف مع "حزب الله"، وبدأ منسوبه يرتفع بين الطرفين، وبالتالي، انقطعت الإتصالات على خط السفارة الفرنسية ـ "حزب الله"، أي أنها لم تعد كما كانت عليه في السابق.

وتلفت المصادر إلى أن مسألة العقوبات الفرنسية على المعطلين لحصول الإستحقاق الرئاسي، إنما طُرحت في اللقاء الخماسي الأخير، وظهرت حماستهم لهذا الخيار، وبدأت تتسرّب معلومات أن العاصمة الفرنسية متجهة لاعتماد هذا الأسلوب، في حين يرى أحد النواب المقربين من السياسة الفرنسية، ولديه صداقات مع الكثير من المسؤولين الفرنسيين، أن هذه العقوبات لا تزال موضع تداول، وإن طرحت في اللقاء الخماسي، وإنما لم تسلك طريقها إلى التنفيذ، وتبقى مجرّد ضغوط أكثر مما هي عقوبات، والتجارب السابقة ماثلة للعيان، ولم تعطِ النتائج المتوخاة، بدليل أن المعطلين للإستحقاقات الدستورية هم أنفسهم منذ سنوات، وفي كل المحطات، ولم تحرِّك باريس أو سواها ساكناً، وبالتالي، ما يقال في المجالس السياسية حولها إنما هو كلام بكلام، ومن يعِش يرَ، في ظل الواقع اللبناني المأزوم، إضافة إلى ما يجري في المنطقة من تحولات ومتغيرات وحروب، فيما الأطراف التي يجب أن تُفرض عليها هذه العقوبات من الفرنسيين، إنما قرارها إقليمي، وبمعنى أوضح يصب في طهران التي لطالما كانت علاقتها معها أكثر من سمن وعسل.