المصدر: eremnews
الأربعاء 10 كانون الاول 2025 16:17:09
في الوقت الذي تقدم فيه مسار نزع سلاح حزب الله جنوب الليطاني بإشراف الجيش اللبناني و"اليونيفيل"، تتحول المنطقة الواقعة شمال النهر وتحديدًا (مثلث الليطاني – جزين – الأولي) إلى مركز ثقل عسكري له، وسبب محتمل لجولة حرب جديدة، وفق تقديرات أمنية لبنانية وإسرائيلية متقاطعة.
عمق صاروخي وأنفاق استراتيجية
مصادر أمنية لبنانية تحدثت لـ"إرم نيوز" تصف المنطقة بين نهري الليطاني والأولي بأنها "العمق الآمن" الذي نقل إليه حزب الله جزءًا كبيرًا من بنيته العسكرية بعد حرب 2024 والتفاهمات التي تلتها. وتقول هذه المصادر إن وحدات متخصصة، أبرزها "وحدة بدر"، تمركزت في هذا الشريط الذي يضم مرتفعات قريبة من النبطية وجزين وزهراني، بعيدًا عن الرقابة المباشرة لـ"اليونيفيل" المنتشرة جنوب الليطاني.
تقديرات مراكز بحث إسرائيلية تشير إلى أن نحو 37% من الضربات الجوية الإسرائيلية خلال العام الأخير استهدفت مواقع شمال الليطاني، ما يعكس - وفق هذه التقديرات - انتقال "مركز الثقل العملياتي" لحزب الله إلى هذه المنطقة.
وبحسب المعلومات المتداولة في تقارير إسرائيلية متخصصة، فإن المنطقة الجبلية في "إقليم التفاح" شمال الليطاني تُعد اليوم عقدة رئيسة لشبكة أنفاق تحت الأرض، بُنيت منذ 2008 بمساعدة خبرات كورية شمالية وبتخطيط إيراني، لمسافات تُقدّر بعشرات الكيلومترات، وتستخدم لتخزين صواريخ متوسطة المدى ومنصات إطلاق وطواقم "قوة الرضوان".
هذه البنية التحتية، مع مستودعات صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى ومسيرات هجومية واستطلاعية، تجعل من الشريط بين الليطاني والأولي - وفق وصف ضابط لبناني متقاعد لـ"إرم نيوز" - حزام نيران احتياطيًا يسمح للحزب بمواصلة القصف حتى لو جرى شل قدراته جنوب النهر أو في البقاع".
الحزب يرفض الانسحاب
في العلن، يربط حزب الله سلاحه عمومًا باستمرار "الاحتلال والتهديد الإسرائيلي"، لكنه في النقاش الدائر اليوم حول شمال الليطاني يستند إلى نقطتين أساسيتين، كما تنقل مصادر سياسية قريبة من الحزب لـ"إرم نيوز".
تقول المصادر إن حزب الله، وفيما يتعلق بتفسير الاتفاق، يرى أن تفاهم وقف إطلاق النار في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، كما قرار مجلس الأمن 1701 قبله، حصر ترتيبات نزع السلاح في المنطقة الواقعة بين "الخط الأزرق" ونهر الليطاني، ولم يتحدث صراحة عن وضع السلاح شمال النهر، ما يجعل أي بحث في هذه المنطقة "شأنًا داخليًا لبنانيًا" لا موضوعًا للتفاوض مع إسرائيل.
من جهة أخرى، يتذرع الحزب باستمرار الخروق الإسرائيلية، حيث تعتبر قيادة الحزب أن إسرائيل لم تلتزم بالكامل بمتطلبات 1701، سواء لجهة الانسحاب من كل الأراضي اللبنانية المتنازع عليها أم وقف الانتهاكات الجوية اليومية، فضلًا عن استمرار عمليات الاغتيال والقصف العميق في الضاحية والجنوب والبقاع، وهو ما تستند إليه لتبرير الإبقاء على "عمق صاروخي" شمال الليطاني.
في هذا السياق، وثقت تقارير الأمم المتحدة ذاتها مئات الضربات الإسرائيلية على أهداف للحزب شمال النهر خلال العام الماضي.
مصدر مقرب من الحزب نقلت عنه صحيفة متخصصة في الشؤون الدفاعية مؤخرًا، قال إن أي نقاش في "مستقبل سلاح حزب الله" يبقى مشروطًا بـ"انسحاب كامل لإسرائيل من الأراضي اللبنانية، ووقف الخروقات، وضمانات حقيقية لأمن لبنان ضمن إطار يعزز دور الدولة ولا يعرّيه أمام التهديدات".
خطط لبنانية "مرحلية" وضغط دولي
على الضفة الأخرى، تحاول الدولة اللبنانية - بقدرات محدودة - تقديم نفسها كشريك في مسار نزع السلاح. حيث التزمت حكومة الرئيس نواف سلام ورئيس الجمهورية جوزيف عون لأول مرة علنًا بمبدأ "حصرية السلاح بيد الدولة"، ونجح الجيش اللبناني، بدعم "اليونيفيل"، في تدمير مئات المستودعات جنوب الليطاني وإعادة الانتشار في نحو 130 موقعًا ثابتًا، وفق أرقام أممية.
لكن عندما انتقل النقاش إلى الشمال، ظهرت التعقيدات سريعًا. تقارير إسرائيلية ولبنانية متطابقة تتحدث عن خطة مرحلية تقضي ببدء محاولة "نزع سلاح محدود" في جيب جغرافي بين الليطاني والأولي، يُنظر إليه كمنطقة أقل كثافة سكانية ويمكن اختبار قدرة الجيش فيه على تفكيك مواقع للحزب دون الانزلاق إلى مواجهة داخلية شاملة.
في المقابل، تُظهر تحليلات مراكز غربية أن المؤسسة العسكرية اللبنانية نفسها تعتبر أن التعامل مع ترسانة الحزب في البقاع والشمال يتجاوز قدراتها العملانية، وأن أي خطوة غير متفق عليها سياسيًا قد تهدد وحدة الجيش، وهي ورقة يستخدمها الحزب ضمنيًا للقول إن "البديل عن التفاهم هو الحرب الأهلية أو العدوان الإسرائيلي".
شرارة الحرب المقبلة
من زاوية إسرائيل، تحوّل الشريط شمال الليطاني إلى عنوان رئيس للضغط على بيروت. الهدف المُعلن في الخطاب الإسرائيلي هو إزالة التهديد الصاروخي عن مستوطنات الشمال و"إعادة السكان إلى بلداتهم"، لكن القراءة الأمنية الأعمق - بحسب مصدر عسكري لبناني - ترى أن تل أبيب تريد استغلال لحظة الضعف اللبناني لفرض معادلة جديدة تتجاوز 1701 نحو "تجريد حزب الله من قدراته في كامل لبنان أو تدميرها بالقوة".
وثيقة تحليلية حديثة صادرة عن مركز أبحاث مقرب من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية دعت صراحة إلى أن يُلزم المجتمع الدولي بيروت بخطوات ملموسة شمال الليطاني، بينها سيطرة الجيش على "مرفق عسكري واحد على الأقل للحزب في هذه المنطقة"، وإلا فإن إسرائيل "ستحتفظ بحقها في العمل عسكريًا لإزالة التهديد"، ما يعني عمليًا أن ملف السلاح هناك بات أحد مبررات أي حرب مقبلة.
في المقابل، تقول مصادر أمنية لبنانية إن أي عملية واسعة لنزع السلاح في هذا الشريط، إذا جرت تحت ضغط إسرائيلي مباشر، قد تُقدّم للحزب وجمهوره على أنها "إنجاز مقاوم"، وتعيد تماسك بيئته الشيعية خلفه، لذلك تفضل أوساط لبنانية وأوروبية العمل على صيغة "احتواء" وتجميد للبنية العسكرية، بدلًا من تفكيكها بالقوة في المدى المنظور.
تفاهم "بعيد المدى"
حتى الآن، لا توجد إشارة عملية إلى استعداد حزب الله للتخلي عن ترسانته شمال الليطاني، لكن مصادر مطلعة على نقاشات داخلية في بيروت تتحدث عن "سقف نظري" يمكن أن يفتح الباب أمام تفاهم بعيد المدى، يقوم على مجموعة من العناصر، أولها انسحاب إسرائيلي كامل من أي جيوب متنازع عليها وتثبيت ترسيم الحدود البرية والبحرية، وقف الانتهاكات الجوية والاغتيالات داخل لبنان، وربط أي خرق بآلية رد دولية واضحة، ورعاية دولية لاتفاق أمني - سياسي أشمل قد يأخذ شكل معاهدة سلام أو ترتيبات أمنية طويلة الأجل، يترافق مع إدماج تدريجي لعناصر الحزب في المؤسسات الأمنية والعسكرية، بضمانات إيرانية - غربية متبادلة.
في حال تحقق مثل هذا السيناريو، كما تقول مصادر عسكرية لبنانية، فإن تفريغ الشريط بين الليطاني والأولي من الصواريخ والأنفاق سيُضعف قدرة الحزب على خوض حرب استنزاف طويلة، ويحوّله من قوة هجومية على حدود إسرائيل إلى قوة أكثر تموضعًا في العمق اللبناني والبقاع، مع ما يعنيه ذلك من تراجع قدرته على تهديد الجليل مباشرة.
لكن هذه المصادر تحذّر في الوقت نفسه من أن "تفكيك البنية العسكرية لا يعني تفكيك التنظيم"، وأن أي مقاربة لا تعالج الأبعاد السياسية والمالية والشعبية لوجود الحزب ستُبقي احتمال إعادة بناء قدراته قائمًا.