المصدر: الأخبار
السبت 7 آب 2021 08:37:47
ترافقت أزمة كورونا مع أزمة اقتصادية حادّة أجبرت الكثير من العاملين على البحث عن موردٍ آخر لتأمين مدخول إضافي، بعدما باتت أجورهم لا تكفي لسدّ الرمق. فاليوم، لم تعد الجولات تقتصر فقط عمّن لا يملكون عملاً، إذ بات الكلّ باحثاً عن أجر بلا استثناء. ومن بين هؤلاء، يمكن الحديث عن الممرضين الذين فرضت عليهم الأوضاع نمطاً جديداً من الحياة... خالية من الراحة. وقد بات هذا الأمر أقرب إلى الظاهرة في «القطاع التمريضي»، حيث تنشط العناية التمريضية في المنازل. ولعلّ من الأسباب التي شجّعت على رواج هذه الظاهرة، إضافة إلى الأزمات المتلاحقة، خوف الكثيرين من المرضى من زيارة المراكز الطبية والمستشفيات من جهة، وصعوبة تأمين سريرٍ في الكثير من المستشفيات من جهة أخرى.
م تكن العناية التمريضية سابقاً موجودة «بهذا الحجم»، إذ كانت تقتصر على معالجة حرق أو حقن إبرةٍ لمريض. أما اليوم، فمع ازدياد الحاجة إليها، باتت هذه العناية أكثر تنظيماً وتقدماً، وقد أنشئت في الآونة الأخيرة مكاتب يديرها عدد من الممرضين توزّع المهام في ما بينهم، ولديهم «عدّة» خاصة بهم تسمح لهم بتقديم الرعاية الصحية الأولية للمريض في منزله بالتنسيق مع طبيبه. ولئن كانت هذه الخدمة تؤدي خدمات عدة، منها تأمين راحة المريض وتخفيف الضغط على المنشآت الطبية وتخفيض فاتورة الاستشفاء، إلا أنها لا تزال من دون تشريعٍ يقوننها. حاجة هذه الأخيرة إلى القانون ملحّة، وخصوصاً أن العمل بها ليس مضموناً دوماً، ولذلك يحتاج «الممرّض إلى قانون يضمن حمايته في حال تعرّضه لشكوى أو مشكلة مع أهل المريض»، على ما يقول أحد العاملين في العناية المنزلية. ويشير إلى أنه حتى الآن «يحظى فقط بحماية نقابة الممرضين والممرضات ضمن عمله في المؤسسة».
أما عن الأجر، فهو ضرورة أخرى تنتظر التنظيم، إذ إنه حتى اللحظة يخضع لمعيار حالة المريض الصحية والاقتصادية. فالعمل حر «لا حدّ أدنى أو أعلى له ولا عقد يضمن الحصول على بدل أو أجر»، يقول توفيق، وهو ممرض مجاز يعمل في مجال العناية المنزلية، وإن كان لا ينفي أن «صحة المريض أولويتنا ويمكن أن نقدم خدمتنا مجاناً إذا اضطرّ بنا الأمر». أما العائق الآخر الذي يواجه عمل الممرضين في العناية المنزلية، فهو الحاجة إلى أدوات ومعدات باتت أسعارها خارج متناول اليد بعدما طالها الغلاء الجنوني. فعلى سبيل المثال، قفزت علبة قفازات النتريل عن المئة ألف ليرة بعدما كانت دون العشرة آلاف ليرة، فضلاً عن أسعار الكمامات وبدلات كورونا وماكينات قياس ضغط الدم الجديدة وغيرها.
وليست العناية المنزلية هي فقط المهنة التي نشطت والتي تحتاج اليوم إلى تنظيم، إذ إنه مع ازدياد الهجرة وعودة العاملات الأجنبيات إلى بلادهن، ارتفع الطلب على مُجالِس للمريض أو ما يعرف بـ«care giver» الذي يقتصر دوره على المراقبة ومساعدة المريض في غياب أهله. لكنْ ثمة فارق بين الرعاية المنزلية والرعاية التمريضية المنرلية، وتحديداً في ما يخص المهام التي يقوم بها كل منهم. فالعناية التمريضية المنزلية يقوم بها ممرض مجاز حاصل على إذن مزاولة مهنة، تلزمه خبرة وكفاءة عالية لتقديم خدمات طبية. لكن في ظل غياب التشريعات اللازمة، بات المجال مفتوحاً أمام المخالفات وتبدّل الأدوار، ومن هنا تكمن ضرورة أن تكون هذه المهنة الحديثة منظمة ومحدودة بإطار يضمن حقوق المريض والممرض، على ما يقول المشتكون من الواقع اليوم. وأخيراً، بدأت نقابة الممرضين والممرضات بالتشجيع على العناية التمريضية المنزلية والبحث في شأن تنظيمها، بعدما فرضت دورها. وبحسب المديرة العامة للنقابة، ناتالي ريشا، تقوم النقابة بالعمل على مشروع إصدار تشريع لتنظيم الخدمات التمريضية المنرلية، «حيث أصبح في صيغته النهائية وتتم مراجعته حالياً مع لجنة التمريض المنزلي في النقابة قبل تقديمه». ولكن وسط تدهور حال القطاع الطبي والأزمات المحيطة بالممرضين وتقاعس السلطات التنفيذية والتشريعية، تسأل ريشا «هل يبقى التشريع هذا ضمن الأولويات؟».
وبانتظار القانون، فضّل البعض، في إطار مبادرات فردية، تنظيم العناية التمريضية المنزلية، فأنشِئت شركات أدرجت في السجل التجاري وعيّنت محامين لضمان حقوقها بنفسها. ومن بين تلك المؤسسات مؤسسة العناية التمريضية المنزلية التي أسستها ريما صالح، الباحثة في إدارة العناية التمريضية المنزلية، وتعرّف عن شركتها بأنها «شبكة أتعاون من خلالها مع ممرضين مجازين من عدة مناطق لديّ شهاداتهم، ولمرضانا ملفات صحية ليكون عملاً منظماً وقانونياً». وقد بادرت أيضاً بعض المستشفيات إلى استحداث خدمة التمريض المنزلية، كمستشفى عين وزين، وفعّلتها في ظل جائحة كورونا كحل للتخفيف من الضغط. لكنها، إلى الآن، لا تزال تلك المبادرات قاصرة عن التأسيس لنمطٍ من العناية قادر على تحرير المؤسسات الطبية من الثقل.