المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام
الأحد 24 أيار 2020 15:09:07
ترأس رئيس اللجنة الاسقفية لوسائل الاعلام راعي أبرشية جونية وضواحيها المطران أنطوان نبيل العنداري، لمناسبة العيد الرابع والخمسين ليوم الاعلام العالمي، القداس الالهي في كنيسة سيدة العطايا في أدما، وعاونه رئيس المركز الكاثوليكي للاعلام الأب عبدو ابو كسم وكاهن الرعية الأب شربل دكاش، بمشاركة السفير البابوي في لبنان المطران جوزف سبيتيري، وفي حضور مدير "الوكالة الوطنية للاعلام" زياد حرفوش ممثلا وزيرة الاعلام الدكتورة منال عبد الصمد نجد، المستشار الاعلامي في رئاسة الجمهورية رفيق شلالا، نقيب المحررين جوزيف القصيفي، المدير العام في "تيلي لوميير" جاك كلاسي، نائب رئيس اللجنة الارشمندريت طوني ديب إضافة الى أعضاء اللجنة وإعلاميين ومصلين.
وبعد الانجيل المقدس، ألقى المطران العنداري عظة قال فيها: "لكي تقص على مسمع ابنك وابن ابنك. اختار قداسة البابا فرنسيس هذه الآية من سفر الخروج، الفصل العاشر، لتكون موضوع اليوم العالمي الرابع والخمسين لوسائل الإعلام. وشاء قداسته من خلال هذا الخيار أن يسلط الضوء على أهمية إرث الذاكرة في علم الإتصالات. وكان قد ذكر في أكثر من مناسبة بأنه لا مستقبل دون التجذر في التاريخ المعاش. ولا ينبغي أن تعتبر الذاكرة كجسم ميت، لأنها واقع ديناميكي، ومن خلالها تنقل من جيل إلى جيل الآمال والأحلام والخبرات والروايات. وان رواية كل قصة، تبني ولا تدمر، تولد من الحياة من اللقاء مع الآخر".
اضاف: "لذا فإن التواصل مدعو إلى خلق رباط بين الذاكرة والحياة. وقد لجأ الرب يسوع المسيح إلى الأمثال لينقل القوة الحيوية لملكوت الله للآخرين، تاركا لمن يصغون إليه حرية قبول هذه الروايات. إن الرواية المثالية تحمل في طياتها قوة تبعث على التحول والتغيير. وهذا ما نختبره عندما نطلع على روايات حياة الشهداء والقديسات والقديسين.
ليست كل القصص صالحة، إنما قصة القصص هي الكتاب المقدس. يشكل الكتاب المقدس أكبر قصة حب بين الله والبشرية. إن يسوع المسيح، كلمة الله، والإبن الوحيد الذي في حضن الآب، هو الذي أخبر عنه. ولم يكن يخبر عن أبيه بواسطة خطابات نظرية مجردة بل بواسطة الكلمة والأمثال".
وتابع: "إن قصة السيد المسيح هي قصتنا على الدوام. تظهر لنا أن الله قد أحب الإنسان، وأحب جسدنا وتاريخنا حتى أصبح إنسانا وجسدا وتاريخا، يقول قداسته. وبعد أن أصبح الله قصة، أصبحت كل قصة بشرية، بمعنى ما، قصة إلهية؛ وفي قصة كل إنسان يرى الله الآب قصة ابنه الذي نزل إلى الأرض. لذلك كل قصة بشرية تملك كرامة لا يمكن إلغاؤها.
فيما نقرأ الكتاب المقدس وقصص القديسين، وكذلك تلك النصوص التي عرفت كيف تقرأ نفس الإنسان وتظهر جمالها، يكون الروح القدس حرا ليكتب في قلوبنا ويجدد فينا ذكرى ما نمثله في عيني الرب. عندما نملك المحبة وننسج بالرحمة أحداث حياتنا، عندها نطوي الصفحة فلا نبقى مرتبطين بالتحسر والحزن ومتعلقين بذكرى مريضة تحبس قلبنا، بل ننفتح على الآخرين، وننفتح على رؤية الراوي".
وأردف: "لقد أراد قداسة البابا فرنسيس، مرة جديدة، أن يضع في المحور الكائن البشري بعلاقاته وقدرته على التواصل مع الآخرين. ويطلب قداسته من الجميع، دون استثناء، أن يجعلوا هذه المواهب تثمر في الواقع، كي يصير التواصل أداة لبناء الجسور، ولتوحيد الأشخاص، ومقاسمة جمال أن نكون إخوة وأخوات في زمن مطبوع بالمواجهات والإنقسامات.
إن الأمر لا يعني اتباع منطق أسلوب سرد للقصص والتقاليد storytelling، بل للتأمل بالوضع الحالي وطبيعة العلاقات على شبكات الإنترنت والتواصل الإجتماعي، لنرى الخيط الصالح الذي يقود التاريخ ويحل العقد. إن بعض التوجيهات السائدة في هذا المجال تضعنا أمام تساؤل أساسي: إلى أي مدى يمكن الحديث عن جماعة حقيقية أمام منطق بعض جماعات شبكات التواصل الاجتماعي؟ إن استخدام كلمة شبكة للتعبير عن جماعة تضامنية يفترض الخروج من "الأنا" وبناء ال" نحن " على أساس الإصغاء للآخر والحوار وبالتالي ألإستخدام المسؤول للغة التواصل".
وأشار الى انه "ما من أحد يجهل ما لوسائل الإعلام وشبكات التواصل الإجتماعي من تأثير على الأفراد والعائلات، على اختلاف الأعمار والطبقات، ولعلها أفعل في أذهان الصغار منها في الكبار. إن وسائل الإعلام خلقت في معظم العائلات جوا لم يكن مألوفا قبل عهد الناس بها. فغالبا ما كان أفراد العائلة يقضون سهراتهم في التواصل وتجاذب أطراف حديث أو الإنصراف إلى ألعاب جماعية مسلية أو سرد وقائع رواية مشوقة. وجاءت الشاشة الصغيرة والهواتف المحمولة والتطبيقات، إلى جانب المسموع والمكتوب، تشد أنظارهم ومسامعهم إليها لتدخل عليهم عادات غريبة عنهم، وتصرفات لا يعرفونها، وانتهاك لحرمة الحياة وحقوق الإنسان، والشائعات والأخبار الكاذبة والملفقة إلى جانب التشهير والتجريح. لذلك تقع على عاتق القيمين على وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي والعاملين فيها مسؤولية إنسانية وأخلاقية كبيرة تنأى بالمشاهدين والمتتبعين عما يروج لهم من أكاذيب وتمجيد للرذائل مثل الإحتيال وسوء الإئتمان والرشوة والخيانة على أنواعها تحت ستار العصرنة. فهل أصبحت المتاجرة، بالإنسان والأخلاق واستدرار المال، على حساب الكرامة الإنسانية، وما يجب أن يكون فينا من الأفكار والأخلاق ما في المسيح يسوع؟ أليس ما نشكوه اليوم من فساد مستشري هو نتيجة لديكتاتورية النسبية، وتمادي الفئوية، والألاعيب المتذاكية والملتوية على حساب الحقيقة ونشر حضارة الموت؟ إن الحرية قيمة إنسانية لا تثمن، حرية مسؤولة، حرية تبني، حرية تدافع عن احترام الإنسان وكرامته، حرية نفاخر بها، حرية تحمل إرث الذاكرة، حرية تبني جسور التواصل ولا تهدمها. فليكن الرهان على تقديم ما يبني الإنسان ويطبع فيه من مشاعر الأخوة، وثقافة بناءة، وأخلاق حميدة واحترام للقيم والفضائل. يحق لنا كمواطنات ومواطنين، كمؤمنات ومؤمنين أن ننتفع إيجابا من جميع وسائل الإعلام التي يتسم بها عصرنا، ونستخدمها للبناء وتقويم الإعوجاج، والتربية على القيم الإجتماعية الحضارية، ونشر رسالة التضامن والعدالة والسلام".
وختم العنداري: "إليكم جميعا، أيها القيمون على وسائل الإعلام، مرئية ومسموعة ومكتوبة، بالرغم مما تتعرضون له بين الحين والآخر من مضايقات واعتداءات تفضح مرتكبيها، لكم كل التقدير على الجهود المسؤولة التي تقومون بها، وبنوع أخص في هذا الزمن الصعب زمن كورونا والفقر والجوع. فلتكونوا دوما رسل الحرية المسؤولة، والحقيقة الموضوعية، رسل القيم، تخبرون قصص الحياة، فتنسجون التاريخ إلى أبنائكم وأبناء أبنائكم بالرغم من عواصف وغدرات الزمان. ولنتوجه بأنظارنا إلى أمنا مريم في هذا الشهر المريمي المبارك، هي التي نسجت الكلمة الإلهية، وأخبرت بحياتها أعمال الله العظيمة، سائلينها أن تعلمنا أن نرى في رسالتنا الإعلامية الخيط الصالح الذي يقود التاريخ آمين ".
سبيتيري
وفي ختام القداس، ألقى السفير سبيتيري كلمة شكر فيها المطران العنداري على دعوته ومنح الحاضرين بركة البابا فرنسيس، مذكرا بنصائح قداسته، خصوصا في هذه الأيام "فهو يدعونا الى كتابة ما يساعد على بناء المجتمعات وليس هدمها، كتابة كل ما يعيدنا الى جذورنا ويعطينا القوة للسير قدما الى الأمام، وهذا يشكل تحديا لنا لتخطي الصعوبات والدفاع عن المهمشين والضعفاء وضحايا الظلم".
ودعا الجميع الى "تقاسم شعاع الأمل مع الجميع كل مرة نتغلب فيها على الألم وننشر الخير"، طالبا من السيدة العذراء "شفاعتها ومساعدتها وحمايتها لنا ونشر السلام في طريق المستقبل".