العنف والتخوين... استراتيجية "حزب الله" لترويض الإعلام!

تصاعدت الاعتداءات على الإعلاميين في الآونة الأخيرة من "حزب الله" ومناصريه، وتكاد لا تمر أيام حتى يخرج صحافي أو إعلامي ليعلن تعرضه للمضايقة أو الضغط أو التهديد أو الشتم، حتى الاعتداء الجسدي كما جرى في صور مع الزميل نبيل مملوك.

منذ بداية الحرب، يتعامل "حزب الله" وجمهوره بطريقة أقرب إلى الانفصام مع الإعلام والإعلاميين. ففي حين يلوم مسؤولوه وقياديوه الإعلام على عدم كثافة التغطية في الجنوب أو نقل وجه نظره من الأحداث، يتولى أنصاره ومنتسبوه التضييق على الصحافيين والاعتداء عليهم ميدانيا.

وقد وثّقت الكاميرات عددا كبير من الاعتداءات حتى قبل بدء الحرب الموسعة في أيلول (سبتمبر) الماضي، فنال مراسلو "إم تي في" الحصة الأكبر، وتم الاعتداء عليهم مباشرة على الهواء، كما جرى مع المراسلة نوال بري التي تمت مطاردتها في أكثر من مكان، وكذا مع مراسلي "الجديد" وغيرهم.

أغلب العاملين في الشأن الإعلامي أصبحوا أهدافاً لـ"حزب الله"، فيلاحق الصحافي إلى مراكز الإيواء وعلى الطريق ومكان الغارة لتقييد عمله ومنعه من إكمال مهمته، تحت ذريعة واهية هي الأسباب الأمنية.

ومن سلِم منهم على الأرض، يلاحَق بسبب مواقفه وكتاباته، وكل كلمة تتعارض مع توجهاتهم ينطلق الذباب الإلكتروني للحزب لشن حملات على كاتبها وأسرته، فضلاً عن كمّ هائل من التهديدات الشخصية التي يتلقاها الصحافي عبر هاتفه الخاص، يتم الكشف عن العديد منها، وآخر مثال ما جرى مع الإعلامي هشام حداد بعد فيديو مصور تساءل فيه عن الانتصار الذي يتم الحديث عنه، ليعلن بعدها عدم قدرته على الرجوع إلى لبنان بسبب كمّ هائل من التهديدات الشخصية تلقاها عبر هاتفه، ومثله فعلت الإعلامية إيمان شويخ بإعلانها أنها تلقت تهديدات شخصية بالقتل فضلت على أثرها ترك عملها في "إم تي في" لتعيش بسلام.

ولا يقتصر الأمر على الصحافيين الأفراد، إذ شنّ الحزب حملة ممنهجة على مؤسسات إعلامية عريقة وكبيرة، ولم تسلم "النهار" من ادعاءاته الظالمة وفبركاته، مستعينا باللغة الخشبية نفسها ومفردات "التخوين والتصهين" وغيرها من تعابير ملّها الشعب.

ولم تقف الأمور عند هذا الحد، فقد ضغط "حزب الله" على المؤسسات الرسمية، لمنع الإعلام العربي والأجنبي من دخول لبنان، وجرى منع عدد كبير من الفرق الإعلامية من الدخول والإضاءة على الحرب تحت حجج الاعتبارات الأمنية غير المفهومة وغير المبررة، بالإضافة إلى حصر تعامله مع أي مراسل أو صحافي بالتزام الخبر الذي يرسله إليه مكتب الحزب الإعلامي، وفي حال عدم الالتزام يحلّ الغضب عليه ويُبعد مباشرة، وكأنه يريد السيطرة على الإعلام اللبناني وجعله إعلاماً حربيا مروجاً لسردياته فقط.

وبلغت الأمور ليل الأربعاء مكانا بالغ الخطورة عندما تهجم شبّان على الزميل نبيل مملوك في صيدلية تمتلكها عائلته، واعتدوا عليه بالضرب أمام والده اعتراضاً على عمله، وهو ما يشي بتحول كبير ويزرع الخوف في قلوب الصحافيين ببدء تنفيذ التهديدات عبر الاعتداءات الجسدية.

وفي هذا الإطار، قال مملوك لـ"النهار": "تعرضت للاعتداء أمس في صيدلية مملوك في صور، وهي صيدلية والدي، لأني نقلت خبرا أطلب فيه الحيطة والحذر من أهل صور بسبب سقوط مسيّرة في البحر، داعيا إلى عدم التصوير".

وأضاف: "أكثر من 20 شخصاً اعتدوا عليّ بالضرب المبرح، وأحدهم وجّه مسدسه نحو صدري وأطلق النار، ولولا تدخل جاري ووالدي لكانت الرصاصات الثلاث اخترقت جسدي".

وتابع: "قاموا بضربي ولكمي وركلي على الرأس والوجه والقدمين ليغمى عليّ ويسحبوا مني الهاتف وجهاز الكومبيوتر، ونجحوا في ذلك. لكن سرعان ما تدخل مسؤول حزبي كبير وأعادها إليّ بعد إصراري على عدم مغادرة المكان إلا وهي معي".

وكشف أن الأجهزة الأمنية المختصة فتحت تحقيقاً في الحادث، لكنه لم يتّهم أحدا لأنه لا يعرفهم، ملمحاً إلى أنهم "ميليشيات وزمرة زعران يعملون تحت غطاء من حزب الله".

وكان عدد من النواب والشخصيات السياسية والإعلامية طالبوا بوضع حد لهذه الممارسات، وجددوا دعوتهم القضاء اللبناني إلى التحرك، وأقله التعامل مع اللبنانيين بسواسية، وأعلنوا عن تقديمهم إخبارات للقضاء عن تهديدات بالقتل واتهامات بالعمالة.

وكشف المحامي مجد حرب في حديث إلى "النهار" أنه وعددا من المحامين تقدموا بـ11 إخباراً موثقة بتهديات بالقتل وصلت إلى عدد من الصحافيين والناشطين المعارضين لـ"حزب الله"، لكنه لم يتحرك، معتبراً أن "ما يجري في الوقت الحاضر هو نتيجة تخلي الدولة عن دورها وعدم حمايتها مواطنيها بما يجعل الأمور تسوء ويصبح معارض لحزب الله معرضا للقتل من دون رادع".