"الغدُ يأتي عندما يختلفُ اليوم ُ عن الأمس..."؟!

كتب المحامي انطوان القاصوف:

"الغدُ يأتي عندما يختلفُ اليوم ُ عن الأمس..."؟!

فتح الحمارُ دفترَ مذكّراتِه  ِودوّنَ:  "مضى وقتٌ طويلٌ على رحيل الأسدِ عن الغابة، لكنّني وصلْتُ في نهاية عمري إلى قناعةٍ وهي أنّ "دكتاتوريّة " الأسد أفضلُ من "حريّة" القرود والكلاب، فالأسد  لم يَسْتَعبِدْنا، بل كان يحمينا من قرودٍ تبيعُ نصفَ الغابة من أجلِ  "موزة" وكلابٍ تبيع نصفها الآخر من أجلِ "عَضْمَة"..؟!

في الغابة، حتى حميرها،  ترفع الصوتَ وتُبدي رأيها فتُفضِّل دكتاتورية  أسدها على حرية قرودها وكلابها  وتَطْمَئِنُ لحمايةِ ملكِها "للكيان "من  حيواناتٍ تتقاسمُ الأرضَ بغْيةَ بيعها إشباعاً لشهيتها وشهوتها..!

وقياساً، في دولةٍ حوّلها "رجالُ سلطتها" إلى غابة، فهل مَنْ يرفع الصوت ويُبدي رأيه؟!

في هذه الدولة - الغابة، بات "تقليداً" بأن يتركوا الجمهورية بدون رأس، والحكمَ بتصرّف ِ حكومةٍ ممنوعةٍ من الصرف، والمجلسَ النيابي ضائعاً بين أن يكونَ ناخباً أو مُشرِّعاً، والقضاءَ مكفوفَ اليد، والعسكرَ "لا حولَ ولا..." والإدارة تعتاشُ ولا تعيش، والمصارفَ فاقدةً الثّقة، والصّحة مرض، والعلم "نورون"... وفوق كلِّ ذلك، يتحوّلُ الوطن ُ ساحةً يقتضي توحيدها مع ساحاتِ المرشدِ الإقليمي الآمر... والأسوأُ من كلِّ كلِّ ذلك، يُمَنِنُأ "المتسلّطون" بأنهم يعملون ليل- نهار دون كللٍ أو مللٍ لمعالجة  الكوارث وخطورة مآسينا، متناسين بأنّهم: السّبب والمُسبّب،  الفاعل والمشترك  ، المتدخّل والمتواطئ ،  فيما نحن بحاجةٍ إلى  "رجال دولة" يوصلون النهار بالليل للحوؤلِ دون وقوع الكوارث وتجنب المآسي..!!

فماذا بقي من أُسُس ِ الدولة وقواعدِها التشريعية والتنفيذية والقضائية؟ لقد  إنهارت مقوماتُها وغابت سلطةُ القانون ..!

في الدولة-الغابة :"الجريمة والإفلات من العقاب" نكايةً بالكاتب "فيودور دوستويفسكي"وكتابه الشهير :"الجريمة والعقاب"..!

فهل يُعقل ، أنَّ جميعَ جرائم إغتيالات القادة تصبحُ ممهورةً بعبارة          " للحفظ" ... وحتى إغتيال مدينة "بيروتشيما" وتدمير الوطن ، لا ملاحقة ولا عقاب لأنَّ "إجتهاد"الحصانة أقوى من "حكم" النصِّ ؟؟!!

ألا يحقُّ لنا أن نتساءل:كيف إستطاعت المحكمة الدُولية أن تكشفَ وتتهمَ وتحكمَ المجرمين الذين إغتالوا الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه الشهداء ، وسلطة الملاحقة  عندنا تتذرع بعدم قدرتها على كشف وملاحقة ومحاكمة"أبطال وقدِّيسي" جرائم الاغتيال  السياسي والاقتصادي  والوطني؟؟!!

كان القاضي الكبير يوسف جبران يُعلِّمُ بأنَّ الدعوى تُربحُ مرتين : مرةً أُولى أمام قضاء الحكم ومرةً ثانيةً أمام قضاء التنفيذ ، فما نفْع حكمِ المحكمة الدولية إذا كان تنفيذُه غير قابلٍ للتنفيذ في محكمة التنفيذ الوطنية؟ ألا يُصبحُ هذا الحكمُ  كألّا حكم فيتساوى مع ملفات عدم الملاحقة والإفلات من العقاب مع وجود المحكمة الوطنية المكفوفة  اليد والمشلولة الحركة ؟؟!!

"بدون عدالة يولد الظّلم ويصبح الصّمت في وجه الظلم تواطؤاً مع الظّالم"

في الدولة -الغابة :فسادٌ "مشلشٌ" والفاسدُ ضمير مستتر تقديره هو... فإلى  مَنْ تسبب في  إفلاسنا ، شعباً ووطناً ، نورد الواقعة التالية :

"إتصل وزير المالية الهولندي بالأميرة "إميليا" وأبلغها : في ٦ أيلول ٢٠٢٣  ستكونين في الثامنة عشرة من عمرك ورسمياً تكونين وليّةَ عهد الملكة الهولندية  ، يُرجى التفضّل إلى البنك المركزي لفتح حساب ، لأنَّ راتبَكِ السنوي سيكون مليون وتسعماية ألف دولار... كان جوابها : ما زلت ُ طالبةً ولا أستطيعُ خدمةَ شعبي ، لذلك أرجو تحويل المبلغ إلى دور العجزة والرعاية الإجتماعية..."

فهل عندنا مَنْ يُشبهُ "إميليا" التي تتنازل عن حقٍ أعطاها إيّاه القانون لعلّةِ عدم تمكنها من القيامِ بواجبها تجاه الشّعب ، أمْ أنَّ الفاسدين  يقومون بكُلِّ ما لا يُجيزُ القانونُ فعلَهُ من "تسلط وتسلبط"، من "زلع وبلع" خدمةً لأنفسهم وإضراراً بالشعب ؟؟!!

..ويبقى السؤال ، رغم أنَّ  مضبطة الإتهام طويلة وتعداد  الجرائم  مرعب ، فهل من أملٍ يُرتجى ومن أين ؟

في مستشفى  الأمراض  العقلية ، سأل الطبيبُ أحدَ المرضى: هل تستطيع أن تخبرَني ،نحن في أيِّ يوم ؟

المريض : طبعاً ، اليوم هو الجمعة...

الطبيب: صحيح ، وغداً ماذا سيكون؟

المريض : سيكون الجمعة أيضاً ..!

الطبيب: إذا كان اليوم الجمعة  وغداً كذلك يوم الجمعة ، متى سيأتي السبت ؟

أجاب المريض: السبت  يأتي عندما يختلفُ اليومُ عن الأمس ِ... عندما نشعرُ بأننا تقدمنا خطوةً إلى الأمام...عندما تكون عدالةُ اليوم أكثر من عدالة الأمس وظلمُ اليوم أقلّ من ظلمِ الأمس...عندها فقط أيها الطبيب سيأتي اليوم التالي !!

خرج الطبيب من المصحّ وفي دماغِهِ يضجُّ سؤالٌ رهيب: ماذا يفعل هذا "المجنون-العاقل" هنا ؟؟!!

أيها الطبيب  !

ما دامت كلُّ الحلولِ لمشاكلنا ومآسينا قد تعذرت ووصلنا إلى  حيث أوصلنا "عقلاؤنا" ، فلماذا لا تأتينا بهذا "المجنون" علّهُ يُفتينا ويعطينا حلاً...فيأتي  يومنا التالي ويتحقق أملنا المرتجى...؟؟!!