الـ 1701 كرافعة كبيرة لمنع اندثار الدولة

دخل القرار 1701 بقوة على خط مطالبة قوى سياسية في لبنان ولا سيما في المعارضة بتنفيذه في إطار السعي الى تجنّب انخراط "حزب الله" في الحرب الإسرائيلية على غزة وجرّ لبنان الى تدمير كارثي حذر ديبلوماسيون غربيون كثر نقلوا رسائل في شأنه من أنه سيكون أسوأ بكثير مما حصل في 2006.

وذلك فيما أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تمسّك لبنان بالقرار تأكيداً على أن التمسك به يحمي لبنان في الاتجاهين أي من جانب إسرائيل بتذكير المجتمع الدولي بوجود ما يُفترض أن يمنعها من الاعتداء على لبنان ومحاولة تطمين الخارج الى أن لبنان العاجز عن التأثير على "حزب الله" تبقى مصلحته مع الشرعية الدولية وتطبيق قراراتها بما يشجّع على منع إسرائيل من استهدافه تبعاً لذلك.

ولكن الدولة اللبنانية هي غير "حزب الله" ولو أنه يهيمن على قراراتها. وأعطى وزراء دفاع أوروبيون أهمية واقعية للقرار بالزيارات التي قاموا بها للجنوب وقواتهم المشاركة في القوة الدولية العاملة فيه والتي طاولتها الحرب الحاصلة عبر الحدود، وذلك على قاعدة "التصويت بالاقدام" أو بالافعال لا بالكلام أو بالمطالبات الاعلامية والسياسية فحسب.

وكذلك نصح مستشار الرئيس الاميركي جو بايدن لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين لدى زيارته لبنان أخيراً في إطار الجهود لمنع تمدد حرب غزة "جميع الأطراف إلى احترام القرار الأممي الرقم 1701 وتنفيذه كاملاً، كما أكد مجدداً دعم الجيش لبسط سيادة الدولة اللبنانية على كل أراضيها"، في أشد تعبير أميركي راهناً على أهمية تأمين قرار الهدوء على الحدود بين إسرائيل ولبنان.

على رغم التجاوز الكبير والكلي لمقتضيات التزام القرار في أحد أبرز البنود اليتيمة التي نُفّذت وهي وقف النار، الى جانب انتشار وحدات من الجيش اللبناني والتعاون مع القوة الدولية العاملة في الجنوب، لن يتخلى الخارج عن القرار لا بل يبرز تشدده إزاءه.

كما لن يتخلى مجلس الأمن الذي يخضع القرار لمراجعته الدورية غداً عن وهم ضرورة استمرار هذا القرار وفاعليته شأنه في ذلك شأن الحكومة اللبنانية التي أعلن كل من رئيسها نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري تمسك لبنان الرسمي بالقرار 1701 على رغم الانتهاكات الكبيرة التي لحقت وتستمر في اللحاق به في الأساس فيما لا تشير إسرائيل علناً لهذا القرار أو تطالب بتنفيذه وتتصرف على أنه حماية وتحصين للبنان ويعني هذا الاخير أكثر مما يعنيها هي. وفي واقع الامور، لا بديل أمام مجلس الأمن ولا أمام الدولة اللبنانية من قرار يستمر قائماً شكلاً فيما مضمونه القوي لم يُترجم فعلاً طيلة 17 سنة ويخفي عري الاثنين. فلا المجلس الذي يراجع هذا القرار مرتين على الاقل في السنة اتخذ قرارات تنفيذية أو حرّض عليها على الاقل فيما الدولة اللبنانية ازداد عجزها مع حال الشلل التي باتت تعاني منها المؤسسات الرسمية أكثر من أي وقت مضى فيما ترك مسؤولوها المجال أمام "حزب الله" على مدى سنوات للاستقواء أكثر على الدولة وزيادة تسلحه وتحدّيه لسلطتها وقراراتها. وهناك مخاوف خارجية كبيرة من أن تؤدي حرب جديدة الى اندثار معالم الدولة اللبنانية كدولة.

وتقول مصادر ديبلوماسية إنه يزداد التمسك راهناً بالقرار على قاعدة أنه يحصن لبنان ويحميه في ظل استمرار تبادل إطلاق النار عبر الخط الأزرق وخطر توسيع الصراع في غزة وإسرائيل إلى لبنان والمنطقة الأوسع. وهما المسألتان الرئيسيتان اللتان تثيران قلق أعضاء المجلس الذي يرجّح أن يجد نفسه عاجزاً كلياً إذا امتدت الحرب من غزة الى لبنان عن أن يصدر قراراً إجماعياً مماثلاً للقرار 1701 في ظل الانقسامات الحادة في مجلس الأمن التي تمظهرت بقوة في الحرب الروسية على أوكرانيا كما في الحرب الاسرائيلية على غزة.

وتالياً فإن الإجماع الذي تأمن للقرار 1701 في 2006 يستحيل الوصول إليه في 2023، علماً بأن المراجعات السابقة للقرار أظهرت دوماً اختلافاً بين روسيا والولايات المتحدة وحلفائها لجهة القدرة على وضع القرار 1701 موضع التنفيذ نتيجة أخذ روسيا في شكل أساسي جانب الدفاع عن "حزب الله" باعتباره مكوّناً سياسياً وليس مكوّناً "إرهابياً" وفق تصنيف أميركي غربي. هذا في حال الاقتناع بأن هناك دولاً غربية ستضع ثقلها من أجل ردع "حزب الله" بالقوة ومنع تسلحه على رغم أن القرار 1701 يقيّد حركته لمصلحة الدولة اللبنانية وبسط سلطة الجيش اللبناني في الجنوب والتعاون مع القوة الدولية العاملة في الجنوب. يضاف الى ذلك أن أي مضمون قرار جديد لن يكون أفضل من مضمون القرار 1701 في ظل وقائع على الأرض ومصالح لدول إقليمية ودولية تجعل من الصعب التوصل الى صياغة مماثلة. والتمسك بالقرار 1701 لا يزال يفتقر الى ضمانة وضعه موضع التنفيذ أكثر في هذه المرحلة بالذات بسبب أمر واقع أعلنت في ضوئه الحكومة مع تصاعد المخاوف من انجرار لبنان الى الانخراط في الحرب أنها لا تملك القرار في هذا الشأن.

لذلك تقول هذه المصادر إن جل الطموح ولا سيما في هذه الظروف التأكيد على القرار من باب أنه حافظ على الهدوء جنوباً الى حدّ كبير منذ صدوره في 2006. ولولا الحرب الحالية التي انفجرت في غزة على خلفية العملية العسكرية التي قامت بها حركة "حماس" في إسرائيل، وبعض المناوشات بين الفينة والاخرى، فإن المجتمع الدولي كان راضياً بهذا الهدوء وقانعاً به ما دامت الأمور لا تتطور سلباً. وتالياً فإن القرار 1701 إنما يعني مطلب العودة الى الهدوء في شكل أساسي وتفعيل قدرة القوة الدولية على مراقبة الوضع وتهدئته ولا سيما وسط المحاذير الكبيرة لما برز من إتاحة المجال أمام التنظيمات الفلسطينية الراديكالية لاستخدام الجنوب منصّةً لها في توجيه صواريخ الى إسرائيل في انتهاك مقلق لمضمون القرار على نحو يتجاوز القلق من سيطرة "حزب الله" ومصلحته في توريط لبنان من عدمه في الحرب باعتباره يبقى طرفاً "مسؤولاً" لديه حساباته في الربح والخسارة على غير ما هي حال القوى التي استخدمت الجنوب أخيراً. وذلك فيما الانشغالات الدولية والاقليمية تحول دون أي أمر آخر سوى الإبقاء على الستاتيكو في الجنوب من دون أي تغيير.