الفقر في لبنان لا يحتاج إثباتاً.. والتغييرات تبدو مستحيلة

جاء في القبس الكويتية: في الداخل اللبناني المشهد السياسي إلى مزيد من الانقسام. المؤسسات السياسية معطلة أو شاغرة. البلاد من دون رئيس بعد ثلاثة أشهر على انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون. حكومة تصريف الاعمال تجتمع استثنائيا في ظل معارضة قوية تحت عنوان تلبية المطالب الحياتية، والمجلس النيابي تحول الى هيئة ناخبة. فالاجتماعات بين القادة تتبع بعضها بعضاً. يتفاوض المسؤولون في غرف معيشتهم المريحة على مستقبلهم، دون القلق على مصير بلاد الأرز ولا شعور مُلحاً لديهم بضرورة التوصل إلى حلول، على الرغم من تزايد الضغط من الخارج مع عقد الاجتماع الأول في باريس في 6 فبراير بين فرنسا والولايات المتحدة والسعودية وقطر ومصر، إذ لم يكن للضغوط الدولية أي تأثير.

اخدم نفسك بنفسك

يعيش اللبناني وفق وتيرة «اخدم نفسك بنفسك» مع استمرار الدولار ارتفاعه المطرد في السوق الموازية متخطياً 68 ألف ليرة لبنانية، فالدولة المتحللة لم تعد توفر للمواطن الحد الأدنى من متطلباته من الكهرباء والماء والصحة والتعليم. ومع انفجار الازمة الاقتصادية في 2019، التي صنفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم، بات أكثر من 80 % من السكان تحت خط الفقر، بينما ارتفع معدل البطالة إلى 30 % وفاق مستوى التضخم نسبة  100 %.

بحرقة يروي استاذ مدرسة أمضى نحو ثلاثين سنة في مهنة التعليم ان راتبه التقاعدي، والذي كان يأمل ان يكون عكازه في كهولته، بات يساوي ثمن قارورة غاز ومكونات طبخة «مجدرة»، أكلة الفقراء والمعدمين. ولولا عمله الإضافي في مهنة التحرير الصحافي لأصبح متسوِّلاً برتبة استاذ.

فقاعة الأحياء الجميلة

إعلامي عربي زار لبنان قبل أيام وتجول في منطقتي مار مخايل والجميزة اللتين دمرهما انفجار مرفأ بيروت، صُدم من زحمة الحياة في الشوارع والمطاعم، وحين سأل «ما التفسير لازدحام المطاعم في حين لبنان يعيش انهياراً مالياً غير مسبوق»؟ ليشرح له أحدهم أن مجالِسِيهِ اللبنانيين الثلاثة يتقاضون رواتبهم بالدولار ومثلهم نسبة معقولة من الموظفين في القطاع الخاص. من دون أن ننسى العامل الأكبر في استمرار الحياة بهذا النمط وهي اعتماد معظم الأسر اللبنانية على التحويلات المالية من الخارج، والتي شكلت 38 % من الناتج المحلي الإجمالي للبنان في 2022، وفق تقديرات البنك الدولي. دولرة الرواتب والتحويلات هي ما يبقي مظاهر الحياة الطبيعية في فقاعة الأحياء الجميلة.

الأكثر تضرراً

موظفو القطاع العام هم الاكثر تضررا من انهيار العملة وتدني قيمة الرواتب.. يضغط المجتمع الدولي من أجل ابقاء المؤسسة العسكرية، الضمانة الوحيدة للتماسك الوطني، بمنأى عن الانهيار. ومنذ اسابيع اعلنت الامم المتحدة عن مساعدات مؤقتة بقيمة 72 مليون دولار لدعم رواتب الجيش وقوى الأمن الداخلي في لبنان لمدة ستة أشهر.

ازاء هذا الواقع ماذا فعلت الطبقة الحاكمة بعد ثلاث سنوات على أحد أكبر الانهيارات الاقتصادية خطورة على المستوى الدولي منذ قرن ونصف القرن؟ واصلت عملها كالمعتاد، بل سعت لكسب الوقت لإيجاد صيغة تضمن بقاءها السياسي واستمرار نظام النهب القائم منذ نهاية الحرب الأهلية في عام 1990، وذلك بالتواطؤ مع السلطتين المالية والقضائية التي امنت لها الإفلات من المحاسبة.

يعلق اللبنانيون آمالهم على حل سحري يأتي من الخارج في وقت تتلقف الطبقة الحاكمة الضغوط الدولية كتمنيات.

صحيفة الغارديان البريطانية اعتبرت في مقال لها عن لبنان أن الأطراف الخارجية كانت أيضا «جزءاً من المشكلة وليس الحل» ما يعني أن «التغييرات الأكبر التي يحتاجها الشعب اللبناني تبدو مستحيلة في الوقت الحالي».