"القبعات الحمر" عند الخطّ الأزرق بانتظار "الضوء الأخضر"

هيبة الجيش اللبناني لا تُعطى لغيره. إذ لا بديل عن بزته المرقّطة والمنسوجة بخيوط الوطن وحدود مصلحته العليا، وما أفرزته هذه الحرب من دمار وتهجير والعبث بمصير الجنوبيين وتشتيتهم بين نزوحٍ وترحيلٍ، وزجّهم في محاور وصراعات إقليمية، مُسيّرةً بأيديولوجيات عمياء جلبت لهم الخراب، عزّزت لدى الجنوبيين، جهاراً أو همساً، عطشهم وتوقهم الى العيش الطبيعيّ. أو بالأحرى لأبسط بديهيات وأبجديات الحياة. لمسوا علانية أم في قرارة أنفسهم، أنّ عوامل الاستقرار الدائم والأمان المستدام، لا تُحقّقها "الجيوش" أو "المقاومات" العابرة لمفهوم وحدود الدولة وسلطاتها الشرعية، خصوصاً بعد سقوط نظرية توازن الرعب أو قوّة الردع التي بنى عليها "حزب الله" أسطورته المنهارة، حتّى لو "مَكْيَجَها" بخطاباتٍ وشعارات مُستعارة من المدرسة الغوبلزية.

فقول الأمين العام لـ"الحزب" الشيخ نعيم قاسم "انتصارنا اليوم أعظم من انتصار تموز 2006"، يترادف مع كلام جوزيف غوبلز، عندما كان الجيش الألماني يُحتضر في ستالينغراد خلال الحرب العالمية الثانية: "نحن ننتصر، نحن لا نخسر".

كما تيقّن اللبنانيون أن سياسة التلاعب والهروب التي مارستها السلطة اللبنانية المُهيمن عليها من قبل "الحزب" طيلة المرحلة السابقة في تنفيذ القرارات الأممية، لن تصمد، وأن الواقع الذي كان عليه بعد حرب تمّوز 2006 وقبل 8 تشرين الأول 2023 قد ولّى. وما حُجب عن الجيش اللبناني من ضوء أخضر لتنفيذ مهمّاته، بات اليوم مصلحة وجودية، محليّاً ودوليّاً. كما أن تعزيز انتشاره عند الشريط الحدودي وتدعيمه بقوة من فوج المغاوير، للمرّة الأولى، تنفيذاً لخطّة وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله"، ترك انطباعاً إيجابياً لدى أهالي القرى الحدودية الذين استقبلوه بحفاوة بالغة، بالأرز والأعلام اللبنانية. فوجود "القبعات الحمر" يؤشّر إلى مدى ثقة المظلّة الدولية المتجسّدة باللجنة الخماسية الأمنية (برئاسة الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز) بالجيش اللبناني.

وتمركزت فرقة المغاوير في ثكنة مرجعيون، وهي وحدة قتالية نخبوية تتدخّل عند الحاجة. وحضورها على الأرض يرفع المعنويات لدى المواطنين كما العسكريين. وينتشر في جنوب الليطاني منذ 2006 حوالى 4 آلاف عسكري تحت قيادة اللواء السابع في منطقة مرجعيون، واللواء الخامس وفوج التدخل الخامس في القطاعين الأوسط والغربي أي منطقة بنت جبيل - صور، على أن يرتفع العديد تدريجيّاً إلى نحو 6 آلاف عسكري، خصوصاً بعدما أقرّت الحكومة اللبنانية تطويع 1500 عنصر، إضافة إلى القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان.

وريثما تبدأ اللجنة الخماسية تنفيذ مهامها بعد اكتمال أعضائها، بدأ الجيش اللبناني يدخل بعض المناطق والمواقع التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي، مثل موقع شمع في القطاع الغربي، ومثلّث دير ميماس – تل النحاس – القليعة، والخيام من الناحية الشمالية، إضافة إلى غيرها من المناطق والقرى.

في هذا السياق، أكدت مصادر مطلعة أن "حزب الله" مجبر على تسليم القوى اللبنانية أو الجهات المعنية خرائط مخازنه وأنفاقه وبنيته العسكرية، إذ لا يمكنه التملّص من هذا الموضوع، كونه مشاركاً عبر وزرائه في الحكومة التي وافقت على اتفاق وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار الدولي 1701 بكامل مندرجاته. ومن يشكّك بقدرات الجيش اللبناني في تنفيذ مهامه وانتشاره، لفتت المصادر إلى أنه عقب انتهاء حرب تمّوز في 14 آب 2006، تمكّنت المؤسّسة العسكرية من نشر 4 ألوية خلال 3 أيام (حينها كان اللواء الشهيد فرنسوا الحاج مدير العمليات في الجيش)، علماً أن إسرائيل قد دمّرت آنذاك معظم الجسور والطرقات المؤدية إلى جنوب لبنان.

ختاماً، تشدّد المصادر على أن الجيش لن يتوانى عن تحقيق المهمّة الوطنية الموكلة إليه بالتعاون مع كل القوى الشرعية اللبنانية التي لحظها الاتفاق بشكل مفصّل.