المصدر: الأخبار
الجمعة 12 آذار 2021 09:39:21
ليلة ٢١ آب الماضي قَتَلت مجموعة متشددة ثلاثة شبّانٍ من شرطة بلدية كفتون في قضاء الكورة: علاء فارس وجورج سركيس وفادي سركيس. اشتبه هؤلاء بسيارة هوندا يستقلها أربعة شبّان (السوريان محمد الحجار ويوسف خلف واللبنانيان عمر بريص وأحمد الشامي) يشكّلون أفراد مجموعة بايعت تنظيم «داعش» وترتبط بمحرّك يعيش في منطقة إدلب السورية الخاضعة لسيطرة المجموعات المسلحة التابعة لتركيا. سأل الشرطيون الثلاثة، المنتمون إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، ركاب السيارة عن وجهتهم، فأجابوا بأنهم يقصدون دكّاناً لشراء الخبز. وفي المرة الثانية تحججوا بفقدان الوقود وفي المرة الثالثة، والأخيرة، عندما طلب عناصر الشرطة هويات الأربعة، أعطى الحجّار أمره بإطلاق النار قبل أن يفرّوا. الحجار، الملقب بـ«أنس»، كان أمير المجموعة. سبق أن قاتل في سوريا والعراق وهو الرأس المرتبط بالخارج. قادت التحقيقات آنذاك إلى رُكاب السيارة لتتكشّف خلية كبيرة قُتِل معظم أفرادها في مواجهة مع قوة من فرع المعلومات في وادي خالد، ليبقى شخصٌ واحد ممن كانوا في السيارة على قيد الحياة. وخلُص القرار الظني الذي أصدره قاضي التحقيق الأول في الشمال، سمرندا نصار، إلى أنّ المجموعة (في القرار أسماء ١٤ متّهماً) كانت تعتمد على التمويل الخارجي والتحويلات المالية المتتابعة بالدولار عبر أفراد المجموعة الذين كان بينهم طبيب وخبير كيميائي ومتخصص في الاتصالات بايعوا جميعهم خليفة أبو بكر البغدادي المعروف بـ «أبو ابراهيم الهاشمي القرشي الذي يقود التنظيم الآن، علماً أن الطبيب كان يستغلّ صفته لتسهيل مروره على الحواجز الأمنية والعسكرية». وكشف القرار، استناداً إلى التحقيقات، أنّ الخلية كانت مسلّحة بشكل كبير، إذ ضُبطت كميات من الأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية والمسدسات ورشاشات «ب.ك.سي» وهواتف خلوية وأجهزة اتصال لاسلكية وأرقام أجنبية للتواصل وحواسيب وسيارات رابيد ودراجات نارية ومتفجرات (سي 4) وأسمدة زراعية تُستخدم في تصنيع المتفجرات. ورغم أنّ أفراد الخلية الموقوفين زعموا أنهم نفّذوا عمليات سرقة لتمويل مشروعهم الإرهابي، إلا أنّ التحقيقات بيّنت عدم صحة ادعائهم. إذ إنّ الموجودات والأسلحة تُثمّن بعشرات آلاف الدولارات في حين أنهم لم يثبتوا أي عملية سرقة مهمة نفّذوها.
تضمّن القرار الظني نقاطاً بقيت غامضة. على سبيل المثال، كشفت التحقيقات أنّ عدداً من أفراد المجموعة انتقلوا إلى جرود الضنية بحثاً على أماكن للاختباء في الرابع من آب، أي قبل حصول الجريمة، من دون معرفة الأسباب. كذلك لم يُعرف السبب وراء وجود سيارة الهوندا في بلدة كفتون التي يؤيد عدد كبير من أبنائها الحزب القومي السوري الاجتماعي. وقد استحضرت نصار عدة فرضيات محتملة، فأشارت الى أنّه في تلك الليلة التي يُصادف فيها ذكرى انتخاب الرئيس بشير الجميل، كان نجله النائب نديم الجميل مدعوا إلى عشاء لدى أصدقاء له في بلدة كفرحاتا المجاورة، مشيرة إلى أنّ المجموعة الإرهابية عمدت إلى تجهيز السيارة بـ«رشاشين ومماشط وقنبلة يدوية ومسدس مزوّد بكاتم للصوت وقفّازين من لون أسود يُستعملان عادة للاغتيال أو للسطو». كما كان معهم جهاز لاسلكي يصل مداه إلى ثلاثين كيلومتراً من دون أن يحملوا أي هاتف خلوي. وورد في القرار أنّ أفراد المجموعة غيّروا ملابسهم في الطريق بشكل مستمر وبدلوا مقاعدهم في السيارة لتدارك كاميرات المراقبة قبل نزع لوحتي السيارة. كما مرّوا خلال الطريق بطرابلس واشتروا قدّاحات تحتوي على ضوء صغير للإنارة. ورجّحت أنّهم «كانوا يتواصلون مع شخص يحمل جهازاً لاسلكياً آخر... على الأرجح موجود في كفرحاتا».. غير أنّ هذا الاحتمال لا دليل يؤكده.
الفرضية الثانية الواردة تذكر أنّهم كانوا يقصدون مقلعاً مهجوراً في كفتون، كان يعمل فيه أحد أفراد المجموعة يوسف خلف الذي لديه أقرباء يعيشون في البلدة. ويروي أحد الشهود أنّ خلف اتصل به قبل أيام طالباً منه استقباله لعدة ليال، إلا أنّه رفض بسبب ماضيه في عالم الإرهاب. وذكر الموقوف أحمد الشامي الذي كان يقود سيارة الهوندا أنّ الهدف من وجودهم في كفتون كان إحضار نيترات البوتاسيوم الذي يُستعمل في تفجير الصخر لاستخدامه في أعمال إرهابية. غير أنّ نصار اعتبرت في قرارها أنّ «ما أدلى به الشامي عار عن الصحة»، معتبرة أنّه «ضليع في تضليل التحقيق». وعزت ذلك لأسباب عدة منها أنّ مقلع كفتون مهجور منذ أكثر من سنتين، فضلاً عن أنّ قيمة شوال نيترات البوتاسيوم تبلغ ٤٢ ألف ليرة وكيلو الكبريت ٢٥٠٠ ليرة، فلماذا هذه المخاطرة؟ ورأت أنه لو صدق ما أدلى به، فلماذا لم يُغادروا وبقوا مترصدين بانتظار إشارة ما للتحرك! واعتبرت أن قيامهم بتبديل ملابسهم وأماكنهم على الطريق هرباً من الكاميرات يشير إلى أنّهم كانوا بصدد القيام «بعمل أمني محترف».
أما فرضية السرقة التي وُضعت استناداً لإفادة بضعة موقوفين، فتنفيها القاضية باعتبار أنّ كفتون بلدة صغيرة نائية ولا وجود حتى للمحلات فيها. أما بشأن إفادة الشامي الذي زعم أنّهم كانوا ينوون سرقة أحد الصرّافين في طرابلس، فإنّ كاميرات المراقبة بيّنت عدم صحة ذلك لكونهم مرّوا بطرابلس لشراء القداحات. وعززت القاضية قناعتها بأنّ ادعاءات الموقوفين بقيت مجردة من أي دليل، ناهيك بالتناقض في إفاداتهم وتأرجحها بين السرقة العادية لتمويل أعمالهم الإرهابية، مع أنهم يملكون الكثير من المال، وبين سرقة المتفجرات غير الموجودة أصلاً في المقلع الذي عاينته القاضية. وخلُصت إلى أنّ الثابت من التحقيقات أنّ النية كانت ارتكاب عمل إرهابي لزعزعة الاستقرار، إلا أنّ اكتشافهم من قبل المغدورين الثلاثة أفشل مرادهم.
وقررت القاضية نصار اعتبار فعل المدعى عليهم يؤلف الجناية التي تنص عليها المادتان ٣٣٥ (تأليف مجموعة بقصد ارتكاب جنايات على الناس التي لا تقل عقوبتها عن السجن لمدة ٧ سنوات) و549 من قانون العقوبات (القتل قصداً) التي تصل عقوبتها للإعدام، وطلبت محاكمتهم بناءً على هذه المواد.
تجدر الإشارة إلى أنّ عائلات الشهداء والحزب السوري القومي الاجتماعي اتخذوا صفة الادعاء الشخصي بحق الموقوفين.