القصر المهجور "يحاكي" البيت الأبيض!

لا نحتاج إلى التندّر الساخر بأن آخر ما تختزنه ذاكرة كل من قطبي اللقاء الرئاسي الذي سينعقد اليوم في البيت الأبيض في واشنطن، الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن والرئيس المنتخب بنصر انتخابي تاريخي دونالد ترامب، هو أن ثمة قصراً رئاسياً في ناحية بعبدا علاه غبار الهجران. ولكن إذا صح أن الفريق اللبناني اللصيق بترامب صار هو ورقة رهان اللبنانيين المحتفين بـ"بفحطة" هائلة لعودته، فلعل مفتاح التأثير يبدأ من هنا، من إقحام أساس الكارثة اللبنانية برمّتها بالحرب الوحشية التي تسحق لبنان وبالأسباب العميقة الأصلية لمنع وجود دولة ونظام وسلطة أحادية، في أولويات "أميركا العظمى".

تضخمت آمال اللبنانيين، ولا يلامون، لأن ما كان يفترض أن يشكل مرجعيتهم الدائمة، أي رئيس الجمهورية، صار مثل شادي الرحابنة، وذهب ولم يعد. سنتان وشهر والحبل على الجرار، استسقى خلالها الفراغ والتعطيل نصف حرب، ثم استدرجت الحرب النصفية أشرس الحروب الشاملة التي حوّلت فيها إسرائيل لبنان بمعظمه ساحة اختبارات لأعتى التحديث الحربي الساحق وما زالت "تحدله" وسط صعود مرعب لأعداد الضحايا ومساحات الإبادة العمرانية. 

حصل ويحصل أن حلفاء إيران اللبنانيين وفي قيادتهم "حزب الله"، ذوي العقيدة الثابتة في الإنكار والتخوين، لم يبدّلوا حرفاً في تفرّغهم لهواية ترهيب الخصوم حتى مع حرب وجودية استجرّوها على أنفسهم وعلى اللبنانيين وعلى لبنان. بقيادة طهران المباشرة ومن دون قفازات، أوصلونا إلى انتظار على نار للقاء بايدن – ترامب اليوم، الذي لا ندري كم سيكون حكيماً وواقعياً وحقيقياً أن نراهن عليه لتطلّ بشرى وقف نار أو ردع لوحشية قتل متدحرج صار يطارد تجمّعات النازحين في كل مكان. 

لعل الذاكرة المثقلة تعود إلى أفضال الفريق الممانع نفسه الذي منع انتخاب رئيس للبنان قبل سنتين ونيف لحسابات الانقلاب على التركيبة الدستورية والسياسية فكان الحصاد مخيفاً ووبالاً عليه وعلى لبنان كله تماماً كحسابات المشاغلة والمساندة والحرب. ففي البيت الأبيض نفسه، وقبل عقد ونيّف، كانت ثمة واقعة انقلابية مشهودة اقترفها الفريق الممانع مع حليفه السابق – الحالي الذي لم نعد نعرف كيف نصف تموضعاته الزئبقية الفولكلورية، حين أسقطوا حكومة الرئيس سعد الحريري وهو مجتمع بالرئيس الأميركي في المكتب البيضاوي. 

كانت تلك ورقة مرور الممانعين إلى تصعيد نمط تعطيلي قاد لبنان تباعاً نحو تشريده أمام المجتمع الدولي، وأطاح مجدداً بمرجعية الرئاسة الأولى التي تلاعبت عبرها إيران وذراعها وحلفاء ذراعها بأسوأ وراثة معدلة لأنماط وصاية النظام الأسدي زمن كان محتلاً للبنان. تدحرجت كارثة الإجهاز على مرجعية دستورية في لبنان منذ صارت السياسة وصار معها النظام ألعوبة تحت مزاعم كاذبة لحماية "المقاومة" وفشل كل الطاقم السياسي الطائفي المعارض المتنوّع والمتعدد في إقامة سدود مانعة لهذا الانقلاب المتدحرج وصولاً إلى استباحة لبنان تكراراً، وبأبشع تجارب الاستباحات والحروب هذه المرة، أمام إسرائيل. وها هم، "الممانعون" قبل "السياديين"، يراهنون بل يفركون الأيدي على قرار ينبثق من العاصمة العصماء لـ"الأعداء"، واشنطن، وإلا فأيّ تفسير لمناورات طهران المتلاعبة بين قمّة الرياض وساحة التصفية التي تضرب حليفها وذراعها، وبين مدّ المناورات الكلامية إلى اللبنانيين عن دعم مزعوم للقرار 1701؟ حلم الصفقة كحلم إبليس في الجنة!