المصدر: independent arabia
الكاتب: بشير مصطفى
الاثنين 2 تشرين الثاني 2020 11:46:15
طوال عقود، فشلت العمالة الأجنبية في إيصال صوتها إلى أهل القرار في لبنان. ولم تفلح كافة الجهود التي قامت بها المنظمات الحقوقية في إنصافهم، وظلوا من جهة رهائن بين ظروف عمل صعبة، ومن جهة أخرى تتعرض مجموعات لكافة أشكال الاستغلال في السوق السوداء للعمالة غير الشرعية، بفعل إقامتهم غير الشرعية، أو السعي لدخل أعلى لتجاوز النكبات الاقتصادية والمعيشية التي يعانيها المواطن والأجنبي على حد سواء.
وحمل شهر أيلول بعض تباشير الخير، مع إصدار وزارة العمل "عقد العمل الموحد الجديد"، وسبق إقرار هذا العقد، جهود من وزيري العمل السابقين شربل نحاس وكميل أبو سليمان، عندما سعيا إلى تعديل عقد العمل الموحد السابق، الذي لا يحقق العدالة. إلا أن بصيص الأمل الذي لاح في الأفق وانتظره العمال الأجانب منذ عقود، ما لبث وأوقف تنفيذه القضاء الإداري بفعل مخالفات وعيوب قانونية شابته.
عقد العمل الموحد
في الثامن من سبتمبر 2020، خطى لبنان خطوة نحو تحصين موقع العاملات المنزليات، عندما أصدرت وزيرة العمل لميا يمين القرارين المتعلقين بـ "عقد العمل الموحد بالعمالة المنزلية"، وكذلك "تحديد نسب الحسم من الراتب كتقديمات عينية". وعلى الرغم من النواقص في هذين القرارين، إلا أنهما لقيا ترحيباً من الأوساط الحقوقية وجمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان والعمال.
لم يدم هذا الأمر طويلاً، ففي 21 من الشهر نفسه، تقدم وكلاء ما يُدعى بـ "نقابة أصحاب مكاتب استقدام عاملات المنازل" بدعوى ضد الدولة اللبنانية ووزارة العمل، وحملت الدعوى الرقم 24340/2020. قبل مجلس الشورى المراجعة القضائية وقرر وقف تنفيذ القرارين لمخالفات جوهرية فيهما.
ميزات عقد العمل الموحد
تضمن عقد العمل مجموعة من الضوابط الشكلية، والمضامين التي تؤمن التوازن في علاقة أرباب العمل ومكاتب الاستقدام من جهة، والعاملين في الخدمة المنزلية من جهة أخرى. يقع العقد في 15 مادة، ويحظى بأهمية كبيرة، ذلك أن المشرع اللبناني استثنى العمل المنزلي من حماية قانون العمل الصادر في عام 1946.
كرس العقد استفادة العاملة من الحد الأدنى للأجور، وحمل صاحب العمل مسؤولية تجديد الإقامة، كما أقر العقد الموحد للعاملة الحق في فسخ العقد بإرادتها الحرة والمنفردة، على أن يتم إعلام صاحب العمل بالإنهاء قبل شهر من تاريخه.
العقد والخصوصية
هدف العقد الموحد إلى الحفاظ على خصوصية العاملة المنزلية، ووجوب تأمين غرفة خاصة منفصلة جيدة التهوئة والإضاءة ومستوفية الشروط ومجهزة بقفل، تحوز العاملة مفتاحها وحدها وتراعى فيها خصوصية العاملة (المادة الخامسة).
كما سعى للحفاظ على حرية العاملة والحق بالتنقل، وأقر الحق باحتفاظ العاملة بأوراقها الثبوتية، بما في ذلك جواز السفر والهوية وإجازة العمل وجواز الإقامة وبطاقة التأمين (المادة الثامنة). بالإضافة إلى منع حجز العاملة (المادة التاسعة)، ووضع حد أقصى لساعات العمل اليومية والأسبوعية، فضلاً عن ضمان الحق بالراحة والإجازات المدفوعة.
تؤكد المحامية موهانا إسحق (جمعية كفى) أن العقد الموحد الجديد جاء لتعديل القديم، و"سعى للحد من الممارسات السيئة تجاه العاملات"، مشيرةً إلى أهمية إقرار احتفاظ العاملة بأوراقها الثبوتية، وجواز السفر. وكذلك الحفاظ على الخصوصية، والحد الأدنى للأجور على غرار سائر العمال في لبنان، وأوقات العمل والراحة.
حيثيات القرار القضائي
استند القرار القضائي على جملة أسباب لوقف تنفيذ القرارين المطعون بهما، ولاحظ القضاة الإداريين 12 سبباً للبطلان. فمن ناحية الاختصاص فإن وزير العمل في اتخاذهما خالف مبدأ الفصل بين السلطات، إذ إن المادة السابعة من قانون العمل اللبناني استثنت من أحكامه الخدم في البيوت، كما أن القرار شدّد على أن صلاحية إقرار القوانين وتعديلها تعود إلى مجلس النواب.
كما استند القرار إلى مسألة "المعنى الضيق لتصريف الأعمال"، وتجاوز وزير العمل صلاحياته في هذه المرحلة، لأنهما يرسمان سياسة جديدة للدولة في تنظيم قطاع العمل في الخدمة المنزلية.
انتصار القضاء لأصحاب مكاتب الاستقدام
يتضح أنه قبل إقرار وقف تنفيذ القرارين، استند قضاة مجلس شورى الدولة على قواعد القانون العام والقانون المدني، بالإضافة إلى مبادئ الضرر والضوابط الشكلية للعقود. فيما ابتعد عن المبادئ الأخلاقية العامة التي تتعلق بإنصاف الطرف الضعيف، وهذا الأمر مبرر لأن القضاء ملزم بالنصوص القانونية الواجبة التنفيذ. ولاحظ القضاء أن "من شأن القرارين إلحاق أفدح الضرر بقطاع استقدام العاملات، ولأن المراجعة تستند إلى أسباب جدية مهمة".
وعلقت المحامية إسحق على قرار مجلس شورى الدولة، ووصفته بـ "القرار المؤقت وليس النهائي في الملف". وتشير إلى أن حق الطعن بالقرار هو لأطراف الدعوى، أي من يتمتعون بالصفة لتقديم الدعوى أو التدخل فيها.
وتلفت إلى أن هناك لجنة مشتركة، تضم وزارة العمل ومنظمة العمل الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش ومجموعة من الجمعيات الحقوقية. وتهدف هذه اللجنة إلى وضع العقد موضع التنفيذ وتحديد الخطوات الواجب اتباعها قانونياً.
تعتقد إسحق أن أفضل طريق لإحداث تغيير في عقد العمل، هو تعديل المادة السابعة من قانون العمل اللبناني التي "تستثني العاملات في الخدمة المنزلية من نطاق تطبيق قانون العمل"، ومن ثم إخضاعهن لمندرجات على غرار باقي العمال، بالإضافة إلى وضع باب خاص بالخدمة المنزلية ضمن قانون العمل لتنظيم وضعهم القانوني.
نظام الكفالة خطر على حرية العمال الأجانب
حسب منظمة العمل الدولية، فإن 37 مليون عاملة منزلية حول العالم، تعاني اليوم بفعل كوفيد-19. في المقابل، تلفت الناشطة الحقوقية فاطمة زين الدين (المسؤولة الإعلامية في جمعية FE-MALE) أن "هناك نحو 250 ألف عاملة منزلية يعانين في لبنان منذ عقود طويلة، بفعل نظام الكفالة، وهو نظام لا يخضع لقانون العمل اللبناني، ويتيح لصاحب العمل (الكفيل) استعباد العاملة المنزلية".
تعتقد زين الدين أن وضع عاملات المنازل خطير جداً، فقد كان يسجل في فترة من الفترات انتحار عاملة منزلية إلى عاملتين أسبوعياً، فضلاً عن عملهن 15 ساعة في اليوم، وعدم حصولهن على إجازات، وفي كثير من الأحيان لا يقبضن رواتبهن، وتبقى أوراقهن الثبوتية محجوزة، وعمليات الطرد الجماعية التي رافقت أزمة كورونا وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، مذكرةً بمكوثهن أمام سفاراتهن وقنصلياتهن.
تعتقد زين الدين أن عقد العمل الموحد، شكل فرصة وخطوة أولى في طريق طويل نحو إلغاء نظام الكفالة، على الرغم من الملاحظات الكثيرة بشأنه، وتسجل تحفظها على أداء وزارة العمل الذي ترك ثغرات قانونية نجحت مكاتب الاستقدام في استغلالها، لأن مجلس شورى الدولة نفذ القانون.
وتلفت زين الدين إلى توثيق انتهاكات كثيرة ارتكبتها مكاتب التوظيف، بدءاً من أخذ رواتب الأشهر الأولى للعاملة من دون وجه حق، وتعنيفهن لفظياً وجسدياً.
وتتساءل "لماذا لم يتم أخذ هذه الإاتهاكات بعين الإعتبار من قبل مجلس الشورى قبل إصدار قراره، الذي أنصف المكاتب وانتصر لهم"، داعية إلى اعتبار العاملات المهاجرات فئة عمالية والاعتراف بنقابتهن كسائر الفئات العمالية في لبنان.
إلى ذلك، تكشف زين الدين عن حملة مشروع "بيتي العادل" المدعومة من منظمة العمل الدولية، وتتضمن نشر مواد خاصة تسلط الضوء على أحوال عاملات المنازل المهاجرات وأوضاعهن القانونية والإنسانية.
معاناة الدولار مستمرة
لم تمس أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار المواطن اللبناني فقط، وإنما أرخت بظلالها على العمال الأجانب، وتحديداً من هم في الخدمة المنزلية الذين تتراوح أجورهم بين 125 دولاراً و300 دولار أميركي. قبل أزمة شح الدولار، امتلك هؤلاء حرية الحصول أو تحويل الأجور إلى عائلاتهم في الوطن الأم، قبل أن يجدوا أنفسهم بين خيار حبس الأجور أو قبولها وفق سعر الصرف الرسمي، أو تحويلها عبر آلية أقرها مصرف لبنان من خلال الصرافين الرسميين. وتعرض عدد كبير من العمال للصرف من الخدمة، لأن ما كان يُعرف بـ "أجور زهيدة" بات يُشكل عبئاً على أرباب العائلات، وأصبح يوازي دخل الأسرة المتعسرة.
وتخلى عدد كبير من اللبنانيين عن العاملات المنزليات، وبعض الصور والمشاهد حملت كثيراً من الإذلال، ولم تجد كثير من العاملات مأوى لهن، وتُركن أمام سفارات بلدانهن آملات في العودة.
اليوم، يحتاج هؤلاء العمال إلى إطار تشريعي يتسم بالعدالة، ويؤمن لهم الاستقرار الوظيفي متى قرر المواطن التعاقد معهم بحريته المطلقة. إضافة إلى الحفاظ على سمعة لبنان وصورته الرائدة، باعتباره دولة مساهمة في وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.