المصدر: المدن
الكاتب: محمد علوش
الاثنين 5 كانون الاول 2022 14:23:35
منذ أيام اندلع اشتباك مسلح، لم يكن الأول ولن يكون الأخير داخل مخيم برج البراجنة بين مجموعتين على خلفية تجارة المخدرات. حوّلوا المخيم الى ساحة حرب استعملت فيها الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية، تحت أعين أجهزة الدولة وبعيداً عن أياديها، بحسب ما يصف شهود عيّان المشهد، مشيرين الى أنه رغم النداءات المتكررة من أهالي المخيم، لا يدخل الجيش اللبناني الى الداخل لاعتبارات خاصة، ويكتفي بنشر عناصره بمحيطه.
لا الجيش ولا الأحزاب الفاعلة في المنطقة تتدخل في اشتباكات حي الجورة داخل المخيّم، رغم أن الجميع يعلم ما هو سبب المعارك ومن هم أبطالها، فتبقى المنطقة "سائبة"، والناس ضحايا، خصوصاً في ظل استمرار الأزمة التي يُعاني منها القضاء اللبناني، والأجهزة الأمنية التي تعرقلت أعمالها بفعل الإضراب القضائي، ولو كان إضراباً محقاً.
لا تنفي مصادر أمنية متابعة أن للمخيم وضعه الخاص الذي لا يُخفى على أحد، لكنها تلفت النظر الى أن إضراب القضاة يُعيق عملها بشكل كبير، كما أن اكتظاظ النظارات خلق ازمة كبيرة لم تجد طريقها الى الحل بعد كونها متعلقة بأكثر من طرف، الأول هو حجم المساحات المتوفرة للنظارات، والثاني بطء عمل القضاء، والثالث ارتفاع أعداد المجرمين.
المواطنون يطبقون القانون بأيديهم!
منذ أيام ضبط حسين وهو صاحب أحد محال الهواتف في الضاحية الجنوبية، سارقاً بالجرم المشهود، فأوقفه واتصل بالأجهزة الأمنية لتتسلمه، لكن المفاجأة كانت بأن أحداً لم يوافق على تسلّمه، بسبب عدم قدرة الأجهزة على الاستحصال على إشارة قضائية، ما اضطره الى إطلاق سراح الشاب لأنه سيُعتبر "خاطفاً" بحال لم يفعل ذلك، فهو ليس ضابطة عدلية.
إن كان حسين قد أطلق سراح السارق، فبالمقابل هناك مشهد آخر بدا صادما. ففي منطقة الشياح في بيروت، قام أحد المواطنين بتعليق سارق دراجات نارية على العامود، وهو مشهد بحسب المصادر الأمنية، يمثّل "أقصى صور انحلال الدولة وغياب أجهزتها"، فماذا لو اعتمد الجميع هذا الأسلوب، تسأل المصادر، فهل تكفي عندها العواميد، ومن يصبح المسؤول عن الأمن، الأجهزة أم أخلاق اللبنانيين؟"
وعندما ترفض الأجهزة الأمنية استلام الموقوفين، وعندما يخرج الموقوف من النظارة بسبب عدم إيجاد مكان له، وعندما يتعطّل القضاء بشكل كامل، كيف يمكن ردع المجرمين؟
من يحدد الأمر المُلح؟
تخلق هذه الحالات قلقاً كبيراً لدى اللبنانيين، ورغم كل ما يُقال عن عودة جزئية للعمل القضائي، بحسب الضرورات القصوى، تسأل المصادر الأمنية عن الطريقة التي ستُقيّم بها هذه الحالات، فهل الوضع الأمني وضبط الجرائم أمراً ملحاً لدى القضاة أم لا، وهل أن الإشارة القضائية لتوقيف سارق محل هواتف هو أمر ملحّ أم لا؟ وهل توقيف سارقي كابلات الكهرباء كذلك ام لا؟ وهل سرقة دراجة نارية هي أمر ملحّ، وماذا لو كانت الدراجة مصدر إعالة عائلة كاملة؟
المستهدف موقوف ومطلق النار حر
هنا سيُترك الأمر للقاضي لتحديد المسائل الملحة، تقول مصادر قضائية، مشيرة الى أن حلّ الازمة ليس بيد القضاة الذين يعانون كباقي اللبنانيين، بل بيد الدولة التي يجب ان تعلم أن القضاء أولوية ملحّة، معتبرة أن القضاة بادروا اكثر من مرة للعمل بحسن النية لكن الدولة لم تلاقيهم بمنتصف الطريق، حتى وجدوا أنفسهم بالنهاية ملزمين بالإضراب.
من جهتها تستغرب المصادر الأمنية كيفية مقاربة مفهوم أهمية الحالات بالنسبة لبعض القضاة، مشيرة الى أن بعض القضاة يتعاملون مع الحوادث المالية كأمر ملحّ، بينما يتغاضون عن حوادث السرقة وإطلاق النار وغيرها، كاشفة عن استنسابية يعتمدها بعض القضاة بحيث قامت قاضية معتكفة بإصدار قرار منع سفر بحق أحدهم بدعوى مالية، فهل الأمور المالية هي الملحّة فقط بنظر هؤلاء؟
يرتفع حجم الجرائم ويتزامن مع انخفاض حجم المتابعة القضائية. ومن الأمثلة على ارتباك القضاء وتعطّل قراراته هو ان يكون أحد من تعرّض لإطلاق نار في قرية جنوبية وكاد يفقد حياته، موقوفاً، ولا يوجد أي قاض للقيام بإجراءات إخلاء السبيل، ومن قام بإطلاق النار ومحاولة القتل لا يزال حراً!