القضاة إلى "الاعتكاف" مجدداً: هل أفلس صندوق التعاضد؟

الاعتكاف القضائي هو سلاح القضاة الوحيد لتحقيق مطالبهم. فهم يعلمون جيداً، أن التلويح بإضرابهم سيُرخي آثاره السلبية على واقع العدالة، وسيفاقم من خطر الوضع الأمني في لبنان.

إضراب مفتوح؟
وتهديد القضاة بالإضراب، أتى بعد أن حُرموا من المنحة الشهرية المخصصة لهم. ففي نهاية شهر أيار الماضي، كان من المفترض أن يحصل القضاة على هذه المنحة، التي تُعطى لهم من "صندوق تعاقد القضاة"، إلا أنها مُنعت عنهم لأسباب غير واضحة، الأمر الذي دفع بهم إلى التهديد بالإضراب المفتوح.

وتذكيراً بشهر كانون الثاني الماضي، فالقضاة عادوا لمتابعة عملهم بعد إضراب استمر خمسة أشهر، ولم يفك الاعتكاف إلا بعد سلسلة من الوعود بتحسين رواتبهم الشهرية وبتقديم المساعدات بالدولار الأميركي لجميع القضاة.

في الواقع، قدمت المساعدات الشهرية بعد "اتفاق شفهي" بين رئيس مجلس إدارة صندوق تعاضد القضاة، النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم، وبين حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة. وهو اتفاق يقضي بتسديد رواتب القضاة على سعر صرف 15 ألف ليرة لبنانيّة. وبناءً عليه، تحسنت رواتب القضاة وصارت تتراوح بين 850 و1100 دولار أميركي.

من جهة أخرى، جرى التنسيق مع الحاكم على تغذية الصندوق لتقديم منحة مالية شهرية للقضاة، عبر اعتماد مالي من الموازنة العامة مخصص لتزويد الصندوق بالمال.

وزعت هذه "الهدية المالية" بشكل شهري على القضاة من دون استثناء، وتراوحت قيمتها بين 1000 و2000 دولار أميركي. وأموال هذا الصندوق قسمت بطريقة لم تكن تهدف إلا لحفظ كرامة القضاة وتأمين الدعم المادي لهم خلال هذه الأزمة الاقتصادية.

وعملياً، منذ بداية عام 2023، حُسّنت رواتب القضاة الشهرية، لتبدأ من 1850 دولاراً وصولاً إلى 3500 دولار أميركي، وتمكن الصندوق من توفير تكاليف الإستشفاء لعائلات القضاة، وتأمين تكاليف الطبابة وأقساط المدارس والجامعات وبعض المساعدات الاجتماعية.

والسؤال الأهم: هل مُنعت المنحة الشهرية عن القضاة؟
وهنا، تتعدد آراء القضاة حول تأخر المنحة أو منعها نهائياً عن القضاة، سيما أن جميع الآراء تصب في خلاصة واحدة فقط: إما معالجة هذا الأمر بسرعة، أو العودة إلى الاعتكاف القضائي، وإقفال قصور العدل وتعطيل المحاكمات وعودة الشلل إلى السلك القضائي.

داخل قصر العدل، رددت عبارة واحدة على ألسن القضاة، ستُلغى المنحة الشهرية بسبب إفلاس صندوق تعاضد القضاة، وعجزه عن استمراره في تقديم مبالغ بالدولار الأميركي. في حين اعتبر مصدر قضائي رفيع في حديثه لـ"المدن": "أن حجة الإفلاس غير مقنعة، فهذا الصندوق مليء بالمال ويجرى تمويله بشكل كبير من جهات عدة".

في السياق نفسه، رجحت بعض المصادر القضائية أن سبب توقف هذه المنحة الشهرية هو حاجة إدارة الصندوق إلى توظيف المال في جهات أخرى، ويعني ذلك أن النائب العام المالي، القاضي علي ابراهيم، قرر توقيف المنحة الشهرية عن القضاة من أجل توفير هذه المبالغ، للتمكن من تأمين الطبابة والإستشفاء وأقساط المدارس والجامعات لعائلات القضاة.

وهنا أفاد مصدر قضائي لـ"المدن" أن بعض القضاة اعتادوا على أسلوب حياة محدد، ولم يتمكنوا من التنازل عن بعض الأمور من أجل التأقلم مع الأزمة الاقتصادية، لذلك من الصعب أن يُطلب من القضاة تغيير مدارس أو جامعات أولادهم بسبب الأزمة الاقتصادية، وهنا تبرز أهمية هذا الصندوق في تأمين منح المدرسية والجامعية للقضاة.

في المقابل، رجح مصدر قضائي رفيع لـ"المدن" أن إلغاء المنحة ناتج عن الخلافات الشخصية بين بعض القضاة ومجلس القضاء الأعلى. وبالتالي، هذه الخطوة شبيهة بورقة الضغط التي تستعمل من أجل تحسين رواتبهم أكثر أو لتنفيذ مطالبهم الشخصية بين بعضهم البعض.

على كل حال، مهما تعددت الأسباب، فالنتيجة واحدة، هي التوجه نحو الإضراب مرة أخرى. والمُتابع للملفات القضائية يدرك جيداً خطورة هكذا قرار، خصوصاً مع تفاقم الأزمة داخل السجون.

فالاعتكاف القضائي سيؤدي إلى تعطيل مرفق العدالة، وإلى تراكم الملفات التي تنتظر البت بها، وتراكم الدعاوى، وسينتج عن الإضراب ارتفاع عدد الموقوفين، وتأخير محاكماتهم، خصوصاً مع الفوضى التي تهيمن على السجون، بسبب أزمتي الغذاء والطبابة، هذا عدا عن انتشار الأمراض.