المصدر: النهار
الخميس 12 آب 2021 19:48:56
لم يشكل إعلان مصرف لبنان عجزه عن الاستمرار في دعم المحروقات حالة جديدة بالنسبة لمعظم المصانع والقطاعات الإنتاجية، لأنها تلجأ إلى السوق السوداء لتأمين حاجاتها من المازوت بأسعار كادت تزيد عن المستويات العالمية. حقق بعض التجار أرباحاً غير شرعية من عمليات البيع في السوق السوداء مستفيدين من دون وجه حق من أموال المودعين في المصرف المركزي.
فشلت سياسة الدعم، ولم تحقق هدفها، وأدّت في مراحل سابقة إلى فقدان موادّ غذائية مدعومة لم نجدها على رفوف المتاجر إلّا بعد توقف المركزي عن فتح اعتماداتها بالدولار، أمّا اليوم فأدّت إلى شحّ المازوت في السوق الشرعية، وإقفال مستشفيات نفد مخزونها من المادة، وتوقف أفران عدّة عن الإنتاج. أمّا الدولار فتضاعف سعر صرفه في السوق السوداء طيلة مدّة الدعم من الـ1507.5 ليرات إلى الـ20 ألفاً و500 ليرة لبنانية، لتكون الحكومة قد وضعتنا أمام سعر صرف دمّر القدرة الشرائية، وأمام القضاء على مدخرات اللبنانيين التي أودعت في المركزي، لكنها تصرّ على عدم رفع الدعم إلى حين تنفيذ مشروع البطاقة التمويلية.
لا يقتصر الأمر على قدرة شرائية مدمرة تسعى حكومة تصريف الأعمال إلى أن تنقذها بورقة 100 دولار (تقريباً) لكل عائلة شهرياً. إنما الخطر الأكبر يتمثل بتأثير رفع الدعم على القطاعات الانتاجية والخدمات الأساسية المتبقية في لبنان، فمن الإنترنت إلى المولّدات الكهربائية، وصولاً إلى النقل العام والمصانع المحلية، كلها قطاعات ستتأثر مصاريفها التشغيلية، وأسعار خدماتها ومنتجاتها بكلفة المحروقات الجديدة، التي يقدر أن تكون نحو 280 ألف ليرة بالنسبة لصفيحة المازوت وما يقارب الـ336 ألف ليرة بالنسبة لصفيحة البنزين.
هل ترتفع فاتورة الإنترنت؟
بالنسبة لقطاع الاتصالات أكّد مدير عام هيئة "أوجيرو" عماد كريدية لـ"النهار" أنّ "التكاليف التشغيلية في الهيئة سترتفع بشكل ملحوظ، لأنّ كل الالتزامات مقابل خدمات ترتبط بالمازوت ستصعد نحو 5 مرّات بعد رفع الدعم"، موضحاً أنّ "كل الاعتمادات المرصودة في الموازنة التي تخصصها الحكومة لهيئة (أوجيرو) معدّة على أساس سعر صرف 1507.5 ليرات للدولار الواحد ولا تأخذ بالحسبان انهيار سعر صرف الليرة في السوق السوداء، الأمر الذي يؤدي إلى تعذّر القيام بأعمال الصيانة وفق هذه المستويات".
لم تتسلم "أوجيرو" مازوت من المنشآت النفطية بعد بيان مصرف لبنان الذي أكّد فيه عجزه عن الاستمرار في سياسة الدعم، وهذا ما حصل مع جميع الجهات الخاصة والرسمية، لأنّ بيان المركزي أدّى إلى توقف الشركات المستوردة للنفط بدورها عن التوزيع.
وشدد كريدية على أنّ "عدم توافر اعتمادات لشراء قطع الصيانة على سعر السوق السوداء، أدّى إلى أزمة جديدة تمثلت بعدم القدرة على تصليح الأعطال"، متابعاً أنّ "مخزون السنترالات من المازوت إلى تراجع، وأنّ خطر انقطاع الإنترنت لم يكن جدياً كما هي الحال اليوم".
لا يمكن لكريدية أن يتخذ القرار بشأن تسعيرة ال#انترنت، وتكاليف الاتصالات، إنما الأمر لدى وزير الاتصالات والحكومة التي لن تبت برفع التسعيرة حتى اليوم.
"إطفاء المولدات"
ما إن خفّض الدعم على المحروقات من 90 في المئة من الدولارات على أساس سعر صرف 1507،5 ليرات و10 في المئة من الدولارات يدفعها المستورد نقداً (أي على أساس سعر صرف السوق)، إلى 3900 ليرة للدولار الواحد، حتى ارتفعت فاتورة المولدات الخاصة، وباتت قيمة الفواتير توازي الحدّ الأدنى للأجور. فكيف الحال بعد ترك الدولار في السوق السوداء يتحكم بأسعار المازوت؟
أكد رئيس تجمع أصحاب المولدات الخاصة عبده سعادة أنّه "بعد رفع الدعم لن يكون هناك كهرباء، لأنّ سعر الكيلواط سيتجاوز الـ8 آلاف ليرة لبنانية، وتالياً ستكون فواتير المشتركين مرتفعة أكثر بـ4 مرّات من الفواتير التي صدرت عن شهر تموز".
أصحاب المولدات لا يمكنهم جباية فواتير تتجاوز الرواتب الشهرية للمستهلكين، والمستهلك بدوره سيجد نفسه مرغماً على التخلي عن التيار الكهربائي في حال لم يطرأ اي تعديل للأجور. وأضاف سعادة أنّ "أصحاب المولدات سيعجزون عن شراء المحروقات وفقاً لسعر المازوت بعد رفع الدعم. وفواتير اشتراك المولدات ستكون بملايين الليرات".
ضربة لتصدير الصناعة المحلية
يحتل استخدام الفيول والمازوت بين 5 في المئة و45 في المئة من الكلفة التشغيلية في المصانع، تختلف النسبة حسب نوع الصناعة وتعدد خطوط الانتاج. وتالياً تأثير ارتفاع أسعار المحروقات بعد رفع الدعم ستكون متفاوتة بين المصانع. تعمل بعض المصانع الكبرى نحو 16 ساعة يومياً، وفي ظلّ التقنين القاسي في انتاج الكهرباء في مؤسسة كهرباء لبنان، تكون بعض المصانع عرضة لارتفاع أكبر في تكاليفها، حسب ساعات تشغيل مولداتها الخاصة.
وشرح نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش أنّ "قفزة أسعار الوقود ستؤثر بشكل هائل على كلفة التصنيع، وستنخفض مجدداً القدرة التنافسية للصناعة اللبنانية الأمر الذي يخفض التصدير"، موضحاً أنّ المصانع التي يشكل استخدام الطاقة فيها نحو 40 في المئة من كلفتها لن تتكمن من الاستمرار، وهناك مصانع عدّة من هذه الفئة ستقفل في نهاية المطاف".
وأوضح بكداش أنّ "أسعار السلع الغذائية وبعض الصناعات الخفيفة التي لا تحتاج الكثير من الطاقة سترتفع بين 5 في المئة و10 في المئة، أمّا الصناعات التي تحتاج إلى كمية أكبر من الفيول والمازوت فستزيد أسعارها بين 20 في المئة و25 في المئة".
من جهته، قال نائب رئيس جمعية الصناعيين جورج نصراوي إنّ "المصانع الغذائية تحتاج إلى أغلفة للموادّ كلفتها سترتفع أيضاً جرّاء ارتفاع أسعار المحروقات، تضاف إلى ارتفاع الكلفة التشغيلية في الصناعة".
وكانت وزارة الصناعة قد أنجزت بالتعاون مع وزارة الطاقة والمياه والمديريّة العامة للجمارك وجمعية الصناعيين اللبنانيين الإجراءات النهائية لآلية استيراد الصناعيين مادّة الديزل أويل غير المدعوم مباشرة لزوم صناعاتهم عبر الشركات المستوردة للمشتقات البترولية أو مباشرة من مصدرها. وأشار نصراوي إلى أنّ "هناك باخرة وصلت وسنبدأ لاحقاً بالتسليم للمصانع التي طلبت على أساس الأسعار العالمية".
50 في المئة من المطاعم ستقفل حتى نهاية الصيف
لفت أمين صندوق نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان عارف سعادة إلى أنّ "القطاع المطعمي بدأ بالنزيف منذ بدء تدهور الليرة اللبنانية في السوق السوداء، ولاحقاً تأثر بكورونا والاقفال التام، فأقفلت 30 في المئة من المطاعم في لبنان حينها"، مشيراً إلى أنّ "المطاعم التي بقيت حتى الآن لا تشكل أكثر من 30 في المئة من المطاعم التي كانت موجودة قبل انهيار الليرة".
وتابع سعادة أنّ "مصاريف المازوت تجاوزت المليون ليرة يومياً، هذا فضلاً عن الايجارات والتكاليف الأخرى"، وأوضح أنّ التقديرات تشير إلى أنّ "هناك خطر إقفال 50 في المئة من المطاعم الموجودة حالياً حتى نهاية فصل الصيف".
النقل العام بـ30 ألفاً؟
ارتفعت تسعيرة النقل العام غير الرسمية بعد بيان المركزي، ووصلت إلى 30 ألف ليرة لبنانية. أمّا بالنسبة إلى تأثير رفع الدعم عن المحروقات على القطاع، فقال رئيس اتحادات النقل البري بسام طليس لـ"النهار": إنّ "التسعيرة تحدّد بناء لدراسة عناصر التكلفة، ونحدّد التعرفة مع وزارة الأشغال"، موضحاً أنّ قطاع النقل البريّ "حصل من رئيس الحكومة على موافقة دعمه، لكن في حال تراجعت الحكومة عن قرارها الذي لم يطبق حتى الآن فسنكون أمام واقع مختلف".
ووصف طليس التسعيرة على أرض الواقع بأنها "تشبه الدولة اللبنانية وتسودها حال من التخبط والضياع". لا يجد السائقون البنزين والمازوت الضروريين لعملهم، وأصدرت مكاتب سيّارات #نقل عام عدّة بيانات أعلنت فيها التوقف عن العمل موقتاً.