المصدر: الجمهورية
الكاتب: ايفا ابي حيدر
الجمعة 27 آب 2021 07:22:31
هذا الإنفراج فتح شهية بقية القطاعات الاقتصادية التي تحرّكت لتحذو حذوها والتحرّر من تقنين المدعوم والبقاء تحت رحمة السوق السوداء، خصوصاً بعدما بات سعر طن المازوت في السوق السوداء مضاعفاً، مقارنة مع ثمنه في ما لو رُفع عنه الدعم، اذ يباع طن المازوت حالياً في السوق السوداء بما يزيد عن 20 مليون ليرة، بينما سعره بعد رفع الدعم 540 دولاراً أي حوالى 11 مليوناً.
وقد أفضت التحرّكات التي قامت بها بقية القطاعات للحصول على المازوت غير المدعوم، الى اصدار وزير الطاقة والمياه ريمون غجر القرار رقم 169، ويتعلق بتحديد سعر مبيع الديزل اويل إعادة التصدير ولزوم الصناعيين، وضمّ اليه القطاعات الاقتصادية والحيوية، بحيث حدّد بموجبه الحدّ الأعلى لسعر مبيع الديزل اويل بـ 540 دولاراً/كيلوليتر، وحدّد عمولة النقل 112000 ليرة /كيلوليتر.
وبنتيجة القرار 169، بدأت القطاعات تتنفس الصعداء لتحرّرها من السوق السوداء، ولتعيد الحياة الى قطاعاتها ولو بالحدّ الأدنى. وللغاية، اعلن رئيس اتحاد النقابات السياحية نقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر امس الأول، عن التوصل الى تفاهم يقضي بالسماح للمؤسسات الفندقية باستيراد المازوت لمصلحة مؤسساتهم، كذلك سعت نقابة مستوردي السلع الغذائية للإستفادة من هذا القرار، فالتقت للغاية نفسها وزير الاقتصاد راوول نعمة. وعلى الخط نفسه، أعلنت جمعية تجار بيروت عن الاتفاق مع شركة «مدكو ش.م.ل.» لتأمين مادة «الديزل أويل» غير المدعوم للتجار، وفقاً لآلية خاصة لناحية تحديد الكميات المطلوبة، وجدولة التسليم، وكيفية السداد.
والسؤال المطروح، هل يمكن التعويل على هذه الخطوات الفردية للنهوض بالاقتصاد؟ ماذا لو استمرت الأزمات من دون علاجات لفترة أطول بعد، الى أي مدى يمكن لهذه القطاعات الصمود، خصوصاً انّ زبائنها، أي المستهلك اللبناني، ما عاد قادراً على تحمّل أعباء إضافية ستترتب عليه حكماً نتيجة ارتفاع كلفة المحروقات؟
في هذا السياق، يقول نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش لـ»الجمهورية»، انّ القرار 169 الصادر عن وزارة الطاقة بات يسمح لكل القطاعات بشراء المازوت غير المدعوم من الشركات المستوردة للنفط، بعدما كان حدّد القرار 164لاستفادة الصناعيين فقط. ولفت الى انّ توجّهنا الى الاستيراد بغير المدعوم، دفع بالكثير من القطاعات للمطالبة بالمعاملة بالمثل، مع العلم انّ كلفة هذه الخطوة مكلفة جداً، لكن أصحاب القطاعات يريدون تسيير أمورهم والاستمرار أياً تكن الكلفة.
كيف تفصل هذه الشركات الديزل المدعوم من غير المدعوم، وكيف تتمّ الرقابة؟ فلا أحد يعلم، حتى انّ بعض الشركات تقول انّها ما عادت تستورد بالمدعوم، وانّ ما تحصل عليه من المدعوم مخصّص للمستشفيات فقط، انما كيف تحدّد الكميات وكيف تفصلها؟ فلا أحد يعلم.
وعمّا يحول دون إقدام الصناعيين على استيراد الديزل مباشرة من دون العودة الى الشركات المستوردة يقول بكداش: «هذا ممكن. لكن آلية العمل بها تستغرق وقتاً، ونخشى ان نُحارب من قبل الكارتيلات. كذلك انّ مثل هذه الخطوة تفرض على الصناعيين دفع مبالغ طائلة لقاء الكميات الكبيرة التي يحتاجونها. فكلفة استيراد 20 الف طن باهظة وليس من السهل توفيرها نقداً».
وعن سير عملية الاستيراد يقول بكداش: «انّ جمعية الصناعيين اتفقت مع شركتين لتأمين استيراد حاجتها من الديزل اويل، فما يحصل، انّه بعد وصول الحمولة المطلوبة تعمد الشركة الى إفراغ الكمية غير المدعومة للصناعيين ويضعونها بخزانات منفصلة عن بضاعتهم، وذلك تحت إشراف الجمارك اللبنانية. اما بقية البضاعة غير المدعومة فتبقى في البواخر ريثما يوافق مصرف لبنان على فتح اعتماد لها».
ولفت الى انّ إحدى الشركتين، بعدما كانت لا تزال تؤمّن المازوت المدعوم لبعض المصانع، ابلغتنا امس عن توقفها عن تأمين المدعوم خصوصاً انّ الدعم سيُرفع نهاية الشهر المقبل. وعليه يمكن القول انّ بعد السماح للصناعيين باستيراد المازوت غير المدعوم ما عاد المدعوم متوفراً لهم.
ورداً على سؤال عن مدى قدرة المصانع على الاستمرار بالإنتاج في ظل رفع الدعم نهائياً المتوقع في القريب، قال: «بعض المصانع كانت تعتمد في الإنتاج على الفيول لأنّه ارخص، لكن بعد ان انقطع حوّلوا آلاتهم للعمل على المازوت فانقطع المازوت». وتابع: «تتراوح كلفة الطاقة والكهرباء والمازوت والفيول لأي منتج يُصنّع بلبنان ما بين 5 الى 40 في المئة، وعليه، المنتج الذي تشكّل نسبة الطاقة منه 5% لن تشهد كلفته الإنتاجية ارتفاعاً يُذكر، لذا قد لا ترتفع أسعاره. اما المشكلة الكبيرة فتكمن خصوصاً في الصناعات التي تحتاج الى طاقة مكثفة (تشكّل 40% من كلفتها) وهي خصوصاً التوضيب، وإعادة تدوير، وهذه لا شك سترتفع أسعارها ما بين 10 الى 15%، وتعدّ هذه المنتجات أساسية في الصناعة اللبنانية، لذا ستشهد أسعار المنتجات اللبنانية ارتفاعاً ما بين 2 و 7%.». أضاف: «لا نعلم اذا كانت المصانع ستواصل الإنتاج عندما ينتهي مخزونها من المواد الأولية وبعد تسليمها للعقود والتزاماتها في الخارج».
وكشف بكداش انّ هجرة المصانع بدأت، عازياً ذلك لأسباب عدة، أولاً لأنّ مستقبل البلاد مجهول، ثانياً: بعد قرار وقف التصدير الى المملكة العربية السعودية والتي تشكّل ما بين 30 الى 40% من صادراتنا، عمد كثر من الصناعيين الى نقل معاملهم الى هناك. وأكّد انّه في حال لم يتمّ التوصل قريباً الى حلول على مستوى البلد، فليست المصانع وحدها من سيهاجر، انما المزيد من الكفاءات والأدمغة وذوي الخبرة.