القطاع الصحي نجح في مواجهة الـ"ميني حرب"

لم يحدث أن تدحرجت الحرب إلى هذا الحدّ الذي ساق في طريقه، أمس، نحو 3000 إصابة تلقّفها القطاع الصحي دفعة واحدة. ففي غضون أقل من ثلاث ساعات، انقلب عدّاد المصابين بالتفجيرات التي تسبّب بها الجيش الإسرائيلي من العشرات إلى المئات ثم الآلاف، حوالي 400 منهم إصاباتهم حرجة، وتطلّبت إجراء عمليات جراحية، أو إدخالاً إلى أقسام العناية الفائقة. وفيما شكّلت الإصابات في العيون والأيدي ومنطقة البطن، العدد الأكبر من الإصابات، تمّ تقديم أكثر من مئة وخمسين وحدة دم، من دون أن تُقفل «جردة الحساب» مع المستشفيات والمراكز الصحّية التي بقيت حتى ساعات الليل تعدّ أرقام المصابين. وفي حصيلة غير نهائية بلغ عدد الشهداء 11 من بينهم طفلة تبلغ من العمر 10 سنوات.

التصعيد الإسرائيلي، دفع بحسب معلومات «الأخبار» إلى تحديد موعدٍ صباحي اليوم لاجتماعٍ طارئ للجنة الطوارئ الحكومية في السراي للوقوف عند تقييم الجهوزية واستكمال الاستعدادات لاحتمال توسيع الحرب على لبنان.

بلغ عدد المستشفيات التي شاركت في استقبال الجرحى حوالي مئة. هكذا، وبلا سابق إنذار، وجدت هذه الأخيرة نفسها أمام «بروفة» غير مألوفة، لم تختبرها طوال أحد عشر شهراً من عمر الحرب. صحيح أنّ الأمور لم تصل إلى حدود إعلانها الاستسلام، إلا أنّها أربكت بعضها، خصوصاً تلك التي استقبلت الأعداد الكبرى من المصابين. ولذلك، كان رهان البعض أمس الإجابة على سؤال واحد: هل القطاع الصحي جاهز لمواجهة حرب قد تجرّ في لحظة ما هذا الكمّ من الإصابات؟

استناداً إلى نوعية الإصابات التي توزّعت على المستشفيات المحيطة بالمناطق المُستهدَفة، كان ممكناً القول إنّ «ردّة فعل القطاع الصحي كانت جيدة»، هذا ما قاله وزير الصحة فراس الأبيض لـ«الأخبار»، معتبراً أنّ «التدريب الذي عملت عليه الوزارة في الفترة الأخيرة في سياق التحضير لسيناريو شنّ العدو حرباً أوسع على لبنان، والتنسيق بين أجهزة الإسعاف والمستشفيات، كل ذلك جعل من الأخيرة قادرة على استيعاب الحدث، وعلينا زيادة الجهوزية بشكلٍ مستمر».

من جانبه، لفت نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان، الدكتور سليمان هارون إلى أنّ «القطاع قادر على الاستمرار في العمل ضمن الحدود والضغط الذي وُضع تحته»، منطلقاً من واقع أن أحداً لم يُعلن الوصول إلى حدّ العجز عن تأمين الخدمة الطبية. فأقصى ما حدث بالأمس أن المستشفيات التي شهدت زحمة مصابين أعلنت عن استنفاد قدرتها الاستيعابية، طالبة من المواطنين التوجه نحو مستشفيات أخرى قريبة. وهذا الحال الذي وصلت إليه غالبية مستشفيات الجنوب وبيروت، فصارت «توعز إلى الصليب الأحمر والهيئات الصحية بنقل المصابين إلى مستشفيات أخرى قريبة منها». وفي غضون الساعات الثلاث الأولى من العدوان، انتقلت موجة المصابين من أقصى الجنوب إلى صيدا ومنها إلى مستشفيات الضاحية الجنوبية وبيروت الإدارية ومن بعدها إلى الضاحية الشمالية لبيروت أي إلى المتن وكسروان.

مع ذلك، لم يكن ثمة هلع من نهاية هذا اليوم الطويل، فحتى ساعات متأخرة من الليل كان «السقف مفتوحاً» في أقسام الطوارئ، إذ كان بالإمكان «استقبال عشرات الإصابات وأكثر، وفي الوقت نفسه يجري تقسيمها ما بين إصابات خطرة وأخرى أقل خطراً وعادية، وعلاجها يتم على أساس هذا التقسيم». وكذلك الحال بالنسبة إلى حالات الدخول إلى المستشفى، إذ كانت «محمولة» أمس، بحيث لم تتخط السقف المسموح به يومياً، والذي يقدّره هارون بثلاثة إلى أربعة آلاف.

من جانبه، عمل «الصليب الأحمر» على نقل حالات الإصابات بالعيون، وهي من بين أنواع الإصابات الأكثر انتشاراً، إلى مستشفيات متخصّصة. وبالنسبة إلى البقاع الشمالي نقل الصليب الأحمر إصابات من بعلبك والهرمل إلى زحلة.

«انتصار» الجسم الطبي على العدوان الإسرائيلي، تجسّد أيضاً في مشاركة أطباء أتوا من خارج المناطق المُستهدفة ومستشفياتها، كالقافلة التي انطلقت من طرابلس وعلى متنها أطباء وممرضون توجّهوا نحو مستشفيات بيروت لإغاثة المصابين. كذلك، دعا نقيب أطباء الأسنان في لبنان رونالد يونس أطباء الأسنان الاختصاصيين في مجال الجراحة، وخصوصاً جراحة الوجه والفكين، إلى التوجّه إلى المستشفيات القريبة للمساعدة في إسعاف الجرحى والمصابين. وفي صيدا، شاركت الكوادر الطبية الفلسطينية في عمليات تطبيب الجرحى.

ولرفد المستشفيات نُصبت الخيم في «ميدان الشهداء» على أوتوستراد هادي نصرالله في الضاحية الجنوبية، أشرف عليها ممرّضون ومسعفون، استقبلوا حوالي 1000 متبرّع بالدم. ومثلهم تجمهر مواطنون في منطقة المنية في طرابلس للتبرع بالدم، وعملت فرق «الصليب الأحمر» على نقل الوحدات وتوزيعها على المستشفيات.