المصدر: المدن
الكاتب: عزة الحاج حسن
الأربعاء 27 كانون الاول 2023 14:25:35
تمكّنت الحكومة من خداع موظفي القطاع العام ودفعهم إلى مواجهة خبيثة فيما بينهم، فبدلاً من إنصاف الدولة للعاملين بالقطاع العام من خلال تعديل مداخيلهم وإرساء العدالة والمساواة بين الموظفين والمتقاعدين بما يتلاءم مع قدراتها المالية، عمدت إلى ترسيخ التمييز ونشر الفوضى بين المؤسسات.
انطلق العام 2023 بتعطيل للقطاع العام واختُتم بمواجهة وحروب كلامية بين الموظفين، وتشتت بين المؤسسات والقطاعات المنضوية تحت لواء القطاع العام.. بعدما أخفقت الحكومة بالتعامل مع أزمة رواتب موظفيها، التي تآكلت قيمتها بفعل الأزمة المالية بما يزيد عن 95 في المئة.
المرسوم الموعود
انتهت سلسلة تحركات مطلبية لموظفي القطاع العام لاسيما منهم الموظفين الإداريين بإقرار حكومة نجيب ميقاتي لمرسومين، الأول يتعلق بموظفي الإدارات العامة والمصالح المستقلة والمؤسسات العامة، والثاني يتعلق بالأجهزة الأمنية والعسكرية، على أن يتم درسها من قبل اللجنة الوزارية الخاص بملف القطاع العام، بعد استطلاع رأي مجلس الشورى في نص المرسومين معاً.
وحسب مرسوم الإنتاجية المرتقب إقراره لموظفي الإدارة، لا بد للموظف أن يعمل لمدة 20 يوماً بالحد الأدنى على مدار الشهر، وإلا يُمنع عليه الحصول على الحوافز المالية. وفي حال داوم الموظف بشكل كامل، فإن الحوافز المالية المستحقة له بعد اقتطاع ضريبة الدخل منها، ستتراوح بين 290 دولاراً للفئة الخامسة و450 دولاراً للفئات العليا. وتضاف الحوافز إلى الرواتب السبعة التي يتقاضاها حالياً الموظف الإداري. لكن بجميع الحالات، فإن الحوافز أو أي زيادات أخرى لا تُضاف إلى الرواتب الأساس ولا لتعويض الصرف ولا رواتب التقاعد.
ما إن تم الإعلان عن المرسومين حتى سارع المتقاعدون إلى الاعتراض على إقرارهما، ليس "بدافع حرمان موظفي القطاع الإداري من حقهم المشروع في زيادة الأجور بعد أن فقدت 95 من قيمتها، بل بدافع رفع الظلم والإجحاف عن المتقاعدين"، ومنحهم الحقوق التي نص عليها كل من قانون الدفاع الوطني ونظام التقاعد والصرف من الخدمة بحصولهم على 85 في المئة من أيّ زيادة تطرأ على الأجور.
وانطلاقاً من اعتراض حراك العسكريين المتقاعدين على ما اعتبروه ظلماً غير مسبوق لاحق بهم، بموجب المرسومين اللذين يمنحا موظفي القطاع الاداري والأجهزة العسكرية زيادة أجور تتراوح بين 10 رواتب إضافية و16 راتباً إضافياً، باشر المتقاعدون التحرك في اتجاه الضغط لشملهم بمرسومي الحوافز، ما أدى الى مواجهة بين قطاعي الموظفين الإداريين والعسكريين المتقاعدين.
الخلاف بين القطاعات
وقد تُرجمت المواجهة بين تجمع موظفي الإدارة العامة والعسكريين المتقاعدين، بأن أصدرت الفئة الأولى سلسلة بيانات للتأكيد على أحقية الحوافز المالية، كان آخرها دراسة مصغّرة بينّت فيها تفاصيل الزيادات على مداخيل العاملين في قطاعات التربية والسلك العسكري والقضائي والمؤسسات العامة والمصالح المستقلة لتبيان التمييز اللاحق بالموظفين الإداريين.
فالموظف الإداري لم تشمله أية حوافز أو زيادات على الرواتب، وتقتصر مداخيله على راتبه الأساس المضاعف 7 مرات والذي يتراوح بين 150 دولاراً و400 دولار شهرياً. فالموظف من الدرجة الثانية على سبيل المثال، أي رئيس الدائرة يتقاضى ما يوازي 350 دولاراً شهرياً قبل اقتطاع الضريبة. أما ضريبة الدخل التي يخضع لها موظف القطاع العام الذي يتقاضى نحو 350 دولاراً، فتبلغ نسبتها 25 في المئة. بمعنى آخر يسدد الموظف الإداري ربع مدخوله، المتواضع أصلاً، كضريبة دخل.
بالمقابل، خرجت الفئة الثانية الممثلة بحراك العسكريين المتقاعدين بردّ تفصيلي على تجمع موظفي الإدارة العامة، لتبيان الظلم اللاحق بالعسكريين المتقاعدين من حيث حجم المداخيل والزيادات التي حُرموا منها. وعدّد حراك العسكريين المتقاعدين في الردّ العديد من الفوارق غير المنصفة بين الفئتين.
ومن بين الفوارق المرسّخة للتمييز بين القطاعات أن كامل معاش العسكري المتقاعد مع المتمممات على الراتب تقل بشكل ملحوظ عن راتب الموظف المدني الذي يوازيه في الفئة والدرجة. كما أن أساسات رواتب العسكريين أقل بنسبة 40 في المئة من أساسات رواتب الموظفين المدنيين، وقيمة درجات العسكريين أقل من نصف قيمة درجات الموظفين المدنيين.
بالإضافة إلى أن العسكريين يحالون حكماً على التقاعد في أعمار تتراوح بين الـ45 سنة و58 سنة، فيما يحال الموظفون المدنيون حكماً على التقاعد في سن الـ64 سنة، ما يؤدي الى خسارة العسكريين بين 3 و10 درجات. وبالتالي، تنخفض تلقائياً قيمة معاشاتهم التقاعدية، إلى جانب العديد من الفوارق بالنسبة للمداخيل وعدد ساعات العمل.
وعلى الرغم من الوعود التي أطلقتها الحكومة بشأن تطبيق المرسومين بدءاً من شهر كانون الأول الجاري، لم يتم دخولهما حيز التنفيذ حتى اللحظة. وتالياً، لم تعمل الحكومة على إرساء العدالة بين العاملين والمتقاعدين من صفوف القطاع العام. لا بل تعمل على ترسيخ الخلافات بينهم، والمواجهة بين فئات القطاع العام المتآكلة مداخيلهم جميعهم من دون استثناء. وبذلك تنجح في حرف الأنظار عنها والتصويب على زملاء المهن.