المصدر: الديار
الكاتب: شانتال عاصي
الجمعة 12 أيلول 2025 07:13:41
لا تزال نفايات مسرطنة وملوَّثة بمادّة الأسبستوس من مخلفات انفجار مرفأ بيروت الهائل في الرابع من آب 2020، متراكمة في منطقة الكرنتينا دون أي معالجة أو خطة واضحة من السلطات. فقد تسبب هذا الانفجار الذي هز العاصمة بأكملها في دمار واسع للمباني والممتلكات، وإصابة آلاف المواطنين، وفقدان مئات الأرواح، فيما ترك وراءه كمًا هائلًا من الحطام الملوَّث والمواد الكيميائية الخطرة، بما فيها الأسبستوس المعروف بخطورته العالية على الصحة. يمثل تراكم هذه النفايات اليوم تهديدًا بيئيًا وصحيًا مستمرًا، إذ امتدت تداعيات الانفجار لتشمل تلوث التربة والهواء والمياه وانتشار الغبار والجزيئات الدقيقة الضارة التي تهدد صحة السكان على المدى الطويل.
الأسبستوس.. خطر مستمر على الصحة
في قلب بيروت، وتحديدًا في منطقة الكرنتينا، تتفاقم كارثة بيئية وصحية صامتة. فالنفايات المسرطنة الملوَّثة بالأسبستوس تُركت عرضة للعوامل الجوية وللتطاير، لتشكل قنبلة موقوتة تهدد صحة سكان المنطقة واللبنانيين عمومًا. إن مادة الأسبستوس، التي كانت تستخدم سابقًا في البناء والعزل، أصبحت اليوم معروفة عالميًا بخطورتها الشديدة على صحة الإنسان. وعند تفتت هذه النفايات، تُطلق أليافًا دقيقة جدًا تستقر في الرئتين مسببة مجموعة من الأمراض الفتاكة، من بينها داء الأسبستوس والتليف الرئوي المزمن وسرطان الرئة والورم المتوسط.
وجود هذه النفايات في منطقة مكتظة بالسكان، والتي تشهد حركة مرور كثيفة وتعد مركزًا تجاريًا وصناعيًا، يزيد من خطر انتشار الألياف المسرطنة في الهواء، ويجعل التهديد لا يقتصر على المقيمين فحسب، بل يشمل العاملين والمارة والزوار.
في هذا السياق، وجّه النائب ملحم خلف كتابًا إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، عدّد فيه الواجبات الدستورية للحكومة ووزاراتها المعنية بحماية الصحة العامة والبيئة، مطالبًا باتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة الوضع المتفاقم، ووجّه سؤالًا رسميًا للحصول على جواب خطي ضمن المهَل القانونية.
تلوث الهواء والغبار... تهديد يومي للسكان
مع تراكم النفايات الملوَّثة، تتعرض المناطق المحيطة لانتشار كثيف للغبار والجزيئات الدقيقة المحمولة بالهواء، التي تدخل الرئتين مسببة مشاكل تنفسية حادة ومزمنة مثل الربو، والتهاب الشعب الهوائية، وأمراض القلب والرئة. التعرض المستمر لهذه المواد يزيد من احتمال الإصابة بالسرطان والأمراض المزمنة، كما يُسجّل ارتفاع ملحوظ في معدلات الوفيات المبكرة بين سكان المناطق المتأثرة.
إضافة إلى ذلك، يمكن أن يستقر الغبار على المنازل والمعدات الزراعية والطرقات، مما يؤدي إلى انتقال السموم إلى الغذاء والماء ويجعل التأثير البيئي والصحي أكثر انتشارًا ودوامًا. هذه المخاطر تجعل من تراكم النفايات الملوثة تهديدًا صامتًا ومستمرًا يتطلب تحركًا عاجلًا وفوريًا من السلطات.
تأثير بيئي طويل الأمد
الضرر الناتج من النفايات لا يقتصر على صحة الإنسان فحسب، بل يمتد إلى البيئة بأبعاد متعددة. فتراكم هذه النفايات يساهم في تدهور التربة وفقدان خصوبتها، ويؤثر في الأمن الغذائي المحلي. كما يؤدي تسرب المواد الملوَّثة إلى تلوث المياه الجوفية والسطحية، ما يهدد إمدادات المياه الصالحة للشرب والزراعة، ويدخل السموم في السلسلة الغذائية، مما يعرض الإنسان لمخاطر صحية إضافية على المدى الطويل.
كما يُسجل فقدان التنوع البيولوجي نتيجة تدمير المواطن الطبيعية، سواء للنباتات أو للحيوانات، مما يضعف النظم البيئية الحضرية التي تعتمد عليها المدينة، مثل تنظيف الهواء، تنظيم المناخ المحلي، والتحكم في الفيضانات. هذه التأثيرات تتداخل لتؤثر في جودة الحياة العامة، وتجعل من إعادة الإعمار والتعافي البيئي تحديًا مستمرًا يتطلب استجابة سريعة وفعّالة من السلطات المختصة.
الإجراءات المطلوبة لحماية الناس والبيئة
يشدد خبراء البيئة على أن الوضع الحالي في منطقة الكرنتينا يتطلب تحركًا عاجلًا وفوريًا من السلطات. من الخطوات الأساسية إزالة النفايات المسرطنة والملوَّثة بالأسبستوس بطريقة آمنة ومنظمة، لمنع انتشار الغبار والجزيئات السامة في الهواء وحماية صحة السكان.
إضافة إلى ذلك، يجب معالجة التربة والمياه الملوثة لضمان عدم انتقال السموم إلى الإنسان والطبيعة، بما يشمل حماية المحاصيل الزراعية والمياه الجوفية. كما يُعد الرصد الصحي المستمر للسكان في المناطق القريبة أمرًا ضروريًا للكشف المبكر عن الأمراض المرتبطة بالأسبستوس وتقديم العلاج المبكر وتقليل المضاعفات الخطيرة.
ويُعد وضع خطة واضحة وملزمة من السلطات، تتضمن جدولًا زمنيًا للتنظيف والمعالجة، مع وجود رقابة مستقلة على التنفيذ، خطوة حاسمة لضمان شفافية العملية وتحقيق نتائج ملموسة على الأرض. وأخيرًا، يجب تفعيل القوانين البيئية الوطنية والدولية لمحاسبة المقصرين ومنع تكرار مثل هذه الكوارث، بما يضمن حماية حياة الإنسان والنظام البيئي من أي تهديد مستقبلي.