المصدر: النهار
الأربعاء 13 آب 2025 07:33:10
استفزت ايران لبنان بمواقف مسؤوليها الذين لم يراعوا الحد الادنى من احترام سيادة لبنان حين أعلنوا رفضها قرار الحكومة اللبنانية حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية كما استفزتهم بزيارة للامين العام الجديد للمجلس الامن القومي الايراني علي لاريجاني مع استمرار هذه المواقف وتزامنا معها على نحو يتصف بالوقاحة والاستعلاء. وهذا ما دفع اوساطا سياسية عدة الى ضرورة وجوب مطالبة الدولة اللبنانية مسبقاً من ايران التي طلبت مواعيد للاريجاني للقاء مسؤوليها بسحب الكلام الذي صرح به مسؤولون ايرانيون ان لم يكن باعتذار مسبق قبل وصوله، وذاك في اطار تأكيد رفض لبنان ان يكون ساحة لتبادل الرسائل بين ايران واسرائيل او بينها وبين الولايات المتحدة المنشغلة عنها وعن المفاوضات معها بالحوار مع روسيا والدول التي تحيط بايران وتضعفها اكثر.
بهذه الوتيرة من التصعيد الميداني من جانب "حزب الله" والتصعيد السياسي والاعلامي رفضاً لقرار الحكومة حصرية السلاح في يد الجيش اللبناني، يخشى ان يصل لبنان مطلع ايلول المقبل الى انقسام ان لم يكن الى صدام داخلي حاد قد تستفيد منه اسرائيل في الدرجة الاولى من اجل تنفيذ ما يمكن ان تعجز الدولة اللبنانية عن تنفيذه وفق ما توالت التحذيرات للبنان في معرض دفعه الى التحرك من اجل استعادة قرار الدولة وسيادتها. وقد يستفيد منه البعض في الداخل من اجل خلط الاوراق او من اجل اعادة فرض جدولة مختلفة لروزنامة الحكومة واولوياتها. ولماذا مطلع ايلول المقبل؟ لان في نهاية آب استحقاقين يعمل على الاستفادة منهما في اتجاهات مختلفة: الاول هو انجاز الجيش اللبناني خطته من اجل ضمان حصرية السلاح في يده. والاخر هو التمديد للقوة الدولية العاملة في الجنوب فيما يرى مراقبون ان الحزب ينضبط في عدم خربطة هذا الاستحقاق الاخير لمصلحته في انجاز التمديد كما هو من دون تعديل جوهري على وضع اليونيفيل. ولكن ما بعد التمديد الذي لا تريده لا اسرائيل ولا الولايات المتحدة التي صوتت ضد قرار الجمعية العامة الصادر في 30 تموز، والذي حدد موازنة اليونيفيل للسنة المقبلة، فيما صوّت جميع أعضاء المجلس الآخرين لصالح قرار الموازنة، قد يختلف الوضع لا سيما اذا صح التقدير الديبلوماسي ان السقف المرتفع لدى الحزب ليس من عندياته فحسب بل دفعا من ايران الساعية الى استخدام لبنان كما العراق من ضمن استدراج الولايات المتحدة للتفاوض معها الى جانب استخدامها هذه الاوراق تعزيزا لموقعها تحت شعار رفض الشروط الاميركية في العراق ورفض التسوية الاميركية في لبنان. وحتى الان ثمة موعد فاصل يتصل بزيارة مرتقبة للموفد الاميركي توم براك وما اذا كان يمكن ان تحمل ما يعاكس خشية كثر لجهة رمي لبنان بين انياب اسرائيل وايران من دون دعمه بما يضمن له مواصلة طريقه.
وثمة تقديرات متضاربة بين ما يعتقد البعض ان الحزب استنفد في الواقع سبل تصديه لقرار الدولة اللبنانية بحصرية سلاحها، وقد استحضر كل اساليبه الممكنة من كتابه القديم حين تصدى لانتفاضة 17 تشرين الاول 2019 منعا لتحقيق اهدافها فتبين انه فاقم من خراب لبنان بادارته له ، كما استحضر اسقاط استطلاعات رأي من زمن حافظ الاسد حين كان يسقط على الاعلام الموالي لسوريا انذاك استطلاعا تلو الاستطلاع دعما لانتخاب اميل لحود الذي لم يكن احد يريده في لبنان باستثناء النظام السوري. وذلك فيما يرى بعض اخر ان اضطراب الوضع الامني قد يخدمه كما يخدمه بقاء اسرائيل جنوبا وعدم انسحابها من النقاط التي تحتلها لما توفره له من ذرائع لابقاء سلاحه.
وبالنسبة الى اصحاب الرأي الاول الذي لا يخفي ثقته بان الحزب يدرك كما تدرك ايران ان سلاح الحزب لم يعد من اي جدوى له ، ثمة حاجة الى تفاهم ما لا يزال يعمل عليه البعض بعيدا عن الكلام السياسي الشعبوي على قاعدة ان الحزب يحتاج الى ضمانات داخلية وخارجية من اجل اقناعه بالسير في قرار الحكومة والبعض يضعها في اطار الاثمان . فمع انه لا يمكن اسقاط نموذج ما تعرض له رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع بعد تخلي القوات عن سلاحها من افتعال لقضية سجن على اثرها 11 عاما لسبب ان النظام السوري هو من دفع في هذا الاتجاه، فان نموذج محاسبة منفذي سياسة التيار العوني والتي يحسبها الحزب في اطار سياسي وليس قضائيا، يجعله يريد ضمانات داخلية في جملة ملفات ربما يحاسب عليها لارتكابات عناصره او سياسيين او سوى ذلك. والضمانات الخارجية المطلوبة تتعدى بالطبع ما هو معلن عن انسحاب اسرائيل من الجنوب ووقف استهدافها لعناصره او تثبيت تحديد الحدود بين لبنان واسرائيل، لان هذه المطالب هي مطالب الدولة اللبنانية وليس من مسؤوليته الزعم بانه وحده من يدافع او يحرر البلد فيما يوحي بان الاخرين لا يملكون هذا الحافز . فما ذهبت اليه الولايات المتحدة في اتخاذها اجراءات رفعت بموجبها العقوبات عن سوريا وعن رئيسها الموقت وجماعته من دون مطالبة بنزع للسلاح في الدرجة الاولى ولو انه يدفع الى توحيد سوريا، يدفع البعض الى الامل بالتلويح بجزرة جدية مماثلة للحزب كان المح اليها الموفد توم براك قبل ان يتراجع عنها في تصريحات لاحقة.