المصدر: المدن
الكاتب: لوسي بارسخيان
الجمعة 13 أيلول 2024 15:10:42
لم يكد يجف حبر تقرير أعدته المصلحة الوطنية لنهر الليطاني في شهر تموز الماضي، يؤكد عدم تواجد جرثومة الكوليرا في بؤر إنتشارها التي رصدت على الحوض الأعلى لمجرى نهر الليطاني في منطقة البقاع منذ العام 2022، حتى ظهرت الكوليرا مجدداً في موقعين من أصل سبع مواقع إعتيان، أخذت عينات من مياهها بتاريخ 9 أيلول الجاري، وأجريت عليها الفحوصات بمختبرات المصلحة في خربة قنافار.
"مجرور مفتوح"
يؤكد رئيس المصلحة الوطنية الليطاني سامي علوية لـ "المدن" دقة نتائج الإختبارات التي تجري لمياه نهر الليطاني بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية، التي تقدم دعماً فنياً وعملياً. وهذا ما يؤكد رصد الكوليرا عند نقطة تجمع الصرف الصحي في شتورا، وعلى جسر الدلهمية في زحلة. علماً أنه بمجرد ذكر هاتين المحلتين، قد يصاب الكثيرون من أهالي البقاع بالإعياء الذي يرافقهم في كل مرة يعبرون بقربهما. فالتلوث هنا، ولا سيما عند جسر الدلهمية، حوّل مجرى النهر الى مجرور مفتوح، لم تنجح كاميرات الصحافيين التي تركزت عليها لسنوات طويلة من تغيير الواقع القائم، لا بل فاقمته عشوائية إنتشار التجمعات السكنية، سواء التي يقطنها النازحون السوريون أو سواهم من المجتمعات اللبنانية الأكثر ضعفاً. جعل ذلك هذه النقاط وسواها المنتشرة على طول مجرى الليطاني في البقاع، بؤر لشتى أنواع التلوث، وخصوصاً بغياب البنى التحتية الأساسية التي تعالج مياه الصرف الصحي الناتجة عن مختلف أنواع التجمعات والمنازل وحتى المؤسسات والمستشفيات.
ما ذكر شكل سبباً رئيسياً لأن تنوه مصلحة الليطاني في تقريرها الصادر بشهر تموز الماضي الى أن "عدم وجود جرثومة الكوليرا يقتصر على التاريخ المذكور فقط في التقرير(أي خلال شهر تموز) وكون جرثومة الكوليرا تنتقل من المياه الملوثة وتنتشر عبر الصرف الصحي الذي يتم توجيهه الى نهر الليطاني، فلا شيء يضمن عدم إنتشارها من جديد في مياه هذا النهر".
تجنب ريّ المزروعات
في المقابل شرح علوية لـ "المدن" الآلية التي تتبعها المصلحة في ترصد جرثومة الكوليرا، من خلال العودة في فحوصاتها الدورية الى مواقع محددة من النهر، وتحديدا مواقع الإعتيان السبع، لتفيد بنتائجها وزارة الصحة والنيابة العامة التمييزية. ويأتي هذا الإجراء بعد أن رصدت الكوليرا في المجرى مع الطفرة الأولى التي ظهرت منذ أكثر من عام، وظهر أن تواجدها مترافق مع تداعيات النزوح السوري، والنفايات الصحية السائلة المتدفقة من المستشفيات في منطقة البقاع، بالإضافة الى المشكلة الناجمة عن الصرف الصحي العشوائي الذي يشكل 50 مليون متر مكعب من المياه الآسنة وبالتالي الغياب التام لمؤسسة مياه البقاع."
وأضاف علوية "نحن لا نريد التهويل على الناس، ولكن إذا كانت الإرشادات الوقائية هي مسؤولية وزارة الصحة، فهي يجب أن تنطلق أولا من الدعوة لتجنب ري المزروعات وغسلها بمياه ملوثة، وهذا ما يوجب على مؤسسة مياه البقاع إتخاذ التدابير اللازمة للتأكد مما إذا كانت هذه المياه وصلت الى مياه الشفة أو مياه الإستخدام المنزلي. أما بالنسبة لنا، فبالإضافة الى مكافحتنا عملية الري بهذه المياه حتى لا تنتقل الى الخضراوات والمواد الغذائية، سنبلغ الوزارات المعنية، ونتابع التعاون مع الجهات القضائية لتقصي مصادر هذه الكوليرا، فهل هي من تجمعات النازحين السوريين، أم المستشفيات وغيرها من التجمعات اللبنانية."
وإذ دعا علوية الأجهزة المعنية بوزارة الصحة ومصلحة مياه البقاع الى تحمل مسؤوليتها بتعقيم المياه لحماية المياه المنزلية، أكد مصدر في مؤسسة مياه البقاع بالمقابل مواصلتها إضافة الكلور بشكل مستمر لكل كميات المياه المستخدمة منزلياً.
وأوضح مصدر رسمي في منظمة اليونيسيف لـ "المدن" أنها "لا تزال ملتزمة بمهمتها الإنسانية لدعم اللاجئين ومواصلة تقديم المياه المنقولة بالشاحنات المكلورة، ومتابعة خدمات شفط مياه الصرف الصحي في مخيّمات اللاجئين السوريين في لبنان، وذلك ضمن "معيار SPHERE لحالات الطوارئ قصيرة الأجل"، وبما يتماشى مع الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في لبنان. كما تواصل اليونيسف العمل المستمرّ على تأمين الدعم لبرنامج "المياه والصرف الصحي والنظافة الشخصية" المنقذ للحياة خاصة في ظلّ الظروف الصعبة الحالية التي تمرّ بها البلاد".
من يتابع عمل مصلحة الليطاني يلاحظ بأنها بعيدة كل البعد عن مقولة "اللهم إني بلغت". بل هي حوّلت نتائج إختباراتها العديدة التي أظهرت التلوث الكبير في مجرى الليطاني الى إخبارات قضائية، وقامت بمراجعات عديدة حولها لدى كل من الوزارات المعنية. إلا أنه مع بقاء الإستجابة دون المستوى المطلوب، تبرز الحاجة للتحذير من الوضع الحالي لنهر الليطاني، والمطالبة بوقف كافة النشاطات التي يمكن أن تفاقم من هذا الوضع، أو تؤدي إلى تفشي الوباء من جديد، خصوصاً أنه وفقاً لإيضاحات المصلحة "بمجرد وصول جرثومة الكوليرا الى المياه السطحية، فإنها سوف تنتقل وتتفشى في كافة النقاط، مما يحمل خطراً صحياً جسيماً يهدد كافة أبناء الحوض الأعلى لنهر الليطاني."
ومن هنا يقول علوية لـ "المدن" أنه "من واجب الجهات المعنية أن لا تتهرب من مسؤولياتها وتصارح اللبنانيين بأن مياه الصرف الصحي هي نفسها المياه الجارية في نهر الليطاني، وهي نفسها التي تستعمل للري في الكثير من المواقع. أما إدارة الظهر للمشكلة والهروب من المسؤولية فلن يفيد. وهذا الأمر بعهدة اللجان المسؤولة عن الأمراض والأوبئة التي شكلت بإدارة الكوارث ووزارة الصحة وسنتابع معها".