اللامركزية الكهربائية وتفعيل المعامل الكهرومائية... جهود فردية للأولى وغياب إمكانات للثانية

مشكلة الطاقة في لبنان تشبه قصة "إبريق الزيت"، امتدت على عقود من الحكومات المتعاقبة ولم تُرِد أي منها إيجاد سبيل لإخراج لبنان من الظلمة. وفي حين لجأ الناس إلى الطاقة البديلة، ليس حباً بالمحافظة على البيئة وإنّما مرغمين في غياب كهرباء الدولة، بدأ الحديث عن لامركزية كهربائية. كيف يُطبَّق هذا المفهوم في لبنان؟ وماذا عن غياب تفعيل المعامل الكهرومائية التي يفترض أن تكون جزءاً من منظومة الطاقة في أي بلد ينعم بالموارد المائية، كلبنان.

يتحدّث الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت مارك أيوب لـ"النهار" أنّ مفهوم اللامركزية الكهربائية يُطبّق بشكل عشوائي، من جهة عبر ما نراه على أسطح المنازل من ألواح للطاقة الشمسية منذ صيف عام 2020 بشكل فردي، ومن جهة أخرى عبر الاشتراك بالمولدات. وهكذا طُبّقت لامركزية الكهرباء من دون اعتماد "كهرباء لبنان".

واليوم، بدأ الحديث عن لامركزية كهربائية على المستوى البلدي والمجتمعي، لا سيما بعد منح الدولة التراخيص لـ 11 شركة لإنتاج 165 ميغاواط، وهي طريقة مكمِّلة لكهرباء الدولة لا لاغية لها.

لكن تطبيق اللامركزية الكهربائية من قِبل الدولة، بحسب أيوب، يتجلّى بقانون لامركزية الطاقة المتجددة، وهو في طور البحث في مجلس النواب وتمت دراسته منذ أربع سنوات.

هذا القانون هو المدماك الأول للإطار القانوني الذي يسمح بإنتاج الطاقة حتى حدود 10 ميغاواط، وهي مشاريع كبيرة على مستوى البلديات والمجتمعات، وتسمح بتبادل الطاقة من فرد إلى آخر أي من منزل إلى آخر من دون المرور بشبكة كهرباء الدولة، ويسمح أيضاً بتبادل هذه الكهرباء مع الشبكة العامة. وعلى مستوى التبادل الفردي، تسمح اللامركزية الكهربائية للناس بإنتاج الكهرباء على أسطح المنازل من دون الاستحصال على التراخيص لأن كل إنتاج دون 1,5 ميغاواط لا يحتاج إلى هيئة ناظمة. ولا يحدّد هذا القانون نوع الطاقة المنتَجة.

 

هل المعامل الكهرومائية سبيل لحلّ مشكلة الطاقة؟


وعن تفعيل معامل الطاقة الكهرومائية، وفي حين أنّ لبنان يتمتع بثروة مائية كبيرة، يشرح أيوب أنّ من الصعب اللجوء إلى الطاقة الكهرومائية كبديل، بسبب غياب الإمكانات المادية لصيانة جميع مستلزماتها في المعامل، كما هي الحال بالنسبة إلى المعامل الحرارية.  

المعامل الكهرومائية التي تعمل حالياً تنتج نحو 150 ميغاواط ومعظمها ينتجه معمل الليطاني. واستطاعت معامله إنتاج نحو 190 ميغاواط في ظل الأزمة، لكن إنتاج الكهرباء عبر المعامل الكهرومائية مرهون بكمية موارد المياه غير المستدامة.

وفي حين أنّ المناطق المحيطة بالليطاني تستفيد من 18 ساعة كهرباء في اليوم من هذه الطاقة، فإن معامل كهرومائية في مناطق أخرى تابعة لمؤسسة كهرباء لبنان بالكاد تنتج الحد الأدنى لأنّها تحتاج إلى صيانة.

وفي رشميا تقوم الجهات المانحة بصيانة توربينات المعمل، وتنتج ما بين 7 و13 ميغاواط في اليوم للقرى المحيطة بحسب كمية المياه، بينما هناك معامل كهرومائية خارج الخدمة كلياً مثل جعيتا وحراش للأسباب نفسها.

وبرأي أيوب، إن السبب الأساسي لغياب تفعيل هذه المعامل، يعود إلى غياب الاستثمار بالقدرة الإنتاجية لمؤسسة كهرباء لبنان، إذ بقيت على معامل الكهرباء القديمة التي تزوَّد بالفيول، الغائب تأمينه حتى الآن، "فنحن نعاني حالياً من غياب رؤية للتطبيق الأمثل للاستراتيجيات السليمة، وحالياً تلجأ وزارة الطاقة إلى الحلول الموضعية، إضافى على أنّ مؤسسة كهرباء لبنان لا تتمتع بالاستقلالية الكافية لاتخاذ القرارات المناسبة، إنّما هي تابعة كلياً لوزارة الطاقة".

ومن المعلوم أنّ صيانة المعامل الكهرومائية أوفر على الدولة من استيراد الفيول للمعامل الحرارية، لكن المشكلة تكمن بالإمكانات المادية غير المتوفرة، يقول أيوب. فأموال وزارة الطاقة لدى مصرف لبنان عالقة ولا يحوّلها لها على الدولار لشراء الفيول وللاستثمار والصيانة، بينما على وزارة الطاقة مدفوعات لموزعي الكهرباء ولمشغلي معملي دير عمار والزهراني والذوق والجية، إلى جانب المتأخرات وسلفة الخزينة من المصرف المركزي.

ويلفت أيوب إلى وجوب عدم الاستغناء عن الفيول لكون المياه مورداً غير مستدام كالرياح والشمس، فهي ليست متوفرة دائماً، ومن الضروري وجود معمل حراري إلى جانب المعامل الأخرى، وتنويع مصادر الطاقة.

كم توفّر معامل الطاقة الكهرومائية؟

معامل الطاقة الكهرومائية بدأت تاريخياً منذ العام 1926 في وادي العرايش في زحلة، وابتداء من الخمسينيات في الليطاني. ولمصلحة الليطاني منظومة من أربعة معامل بجهوزية إنتاج 196 ميغاواط، في حين أن معمل الأولي الأكبر في لبنان قادر على إنتاج 108 ميغاواط.

وكانت معامل الليطاني تاريخياً تؤمّن أكثر من 50 في المئة من الطاقة نظراً لصغر حجم لبنان، لكن الآن تشكل أقل من 10 في المئة نظراً لزيادة حاجة الاستهلاك.

وفي حديثه لـ"النهار، يوضح رئيس مصلحة الليطاني الدكتور سامي علوية أنّ معامل الطاقة الكهرومائية التي تخضع لنظام الامتياز أو التي تدار بواسطة مؤسسة كهرباء لبنان أو تتبع لمؤسسة مياه بيروت، قد أهملتها الجهات المعنية، ما يتسبب بهدر أكثر من 85 ميغاواط. وهي معامل قاديشا الأربعة التي كانت تخضع لنظام الامتياز وأصبحت عائدة لمؤسسة كهرباء لبنان وقدرتها الإنتاجية 21 ميغاواط، وهي تعمل حالياً بقدرتها الدنيا بسبب عدم تجديدها. ومعمل حراش- نهر الكلب الذي يتبع لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان والمتوقِّف عن العمل منذ سنوات وبقدرة 2 ميغاواط. كذلك، معامل البارد -نهر البارد بقدرة 18 ميغاواط، وتدار بواسطة الامتياز وتعمل بثلث قدرتها الإنتاجية بسبب عدم التأهيل. ومعمل رشميا - نهر الصفا التابع لمؤسسة كهرباء لبنان بقدرة 14 ميغاواط والمتوقف عن العمل منذ ثلاث سنوات بسبب انهيار جبلي. ناهيك عن معامل امتياز نهر ابراهيم التي تعاني من الترهل وبحاجة إلى التجديد، وتبلغ قدرتها الإنتاجية 33 ميغاواط وتعمل بنصف قدرتها.

وفي حال تأهيل هذه المعامل وفقاً للمعايير التقنية العالمية، فإن بالإمكان مضاعفة إنتاجها وزيادة جهوزيتها على الشبكة العامة.


أمّا عن قدرة معامل الليطاني، فهي إنتاج 196 ميغاواط، لكن إنتاجها الفعلي يراوح بين 80 ميغاواط بوجود مخزون مياه كبير، و35 ميغاواط بوجود مخزون مياه ضئيل. بالتالي، يورد علوية أنّ "المعامل الكهرومائية تسهم بحل جزء من مشكلة الطاقة في لبنان، لكنها ليست الحل الوحيد، فالطبيعة الجغرافية وكمية المياه تلعبان الدور الأساسي في هذا الإطار".

ويرى علوية أنّ التفكير السليم الذي يسعى البنك الدولي إلى تنفيذه هو الاستفادة من الطاقة النظيفة والرخيصة والمستدامة الموجودة، إذ من المفترض أن يكون التطبيق السليم عبر 

تزويد المعامل المائية للمنشآت الاستراتيجية بصورة مستدامة مثل محطات ضخ المياه ومحطات الكهرباء ومعامل تكرير النفايات والمستشفيات والمطار، عبر شبكة توتّر عالٍ.

وتلحظ خطة الكهرباء منذ العام 2010 تفعيل المعامل الكهرومائية، لكن الدولة، وفق علوية، تعتبر أنّ كمية الطاقة المنتَجة من هذه المعامل لا تحل أزمة الطاقة في لبنان، وتذهب بذلك إلى المعامل الحرارية التي تنتج كمية أكبر من الطاقة ابتداء من 400 ميغاواط رغم أنّ المعامل المائية أقلّ تكلفة من المعامل الحرارية.

 وفيما يعتبر ملف الطاقة المتجددة أولوية بالنسبة للبنك الدولي، يؤكد علوية أنّ "القرار التاريخي ومنذ عقود ألّا تُعطى المعامل الكهرومائية الأولوية، وقد يعود الأمر إلى أنّه لا يمكن القيام بصفقات وسمسرة باعتماد المعامل المائية، على عكس المعامل الحرارية. فمثلاً بواخر الفيول التي تم استخدامها كانت تؤمن نحو 80 ميغاواط وكلفتها تساوي أربعة معامل مائية". وتوفّر المعامل المائية 12 سنتاً في كل كيلواط/ساعة، أي أوفر من كلفة المعامل الحرارية.


المحطات الكهرومائية الـ16 الموزّعة في لبنان: 

ـ الليطاني مركبا (ابراهيم عبد العال).

ـ أوّلي (بولس قرقش).

ـ جون (شارل الحلو) 1961.

ـ نهر ابرهيم الشركة الفينيقية لقوات نهر ابرهيم المائية والكهربائية.

ـ شوّان.

ـ يحشوش.

ـ فتري 1961.

ـ وادي القاديشا شركة القاديشا بشري.

ـ مار ليشع.

ـ بلوزا 1.

ـ بلوزا 2.

ـ أبو علي 1924.

ـ نهر البارد امتياز البارد ـ البارد 1.

ـ البارد 2.  

ـ نبع الصفا مؤسسة كهرباء لبنان.

ـ رشميا.