اللبنانيون العالقون بالخارج يخافون "المفاجآت".. والدولة لا تموّل إقامتهم

تجرّ الحرب الإيرانية الإسرائيلية تداعياتها على المنطقة بمختلف الأشكال، وتطال لبنان الذي لا يزال على الحياد. ومن بين التداعيات، إقفال بعض المطارات وإلغاء وتعديل شركات الطيران رحلاتها، ما أجبرّ أعداداً كبيرة من اللبنانيين على البقاء في مختلف الدول، وسط غموض موعد وكيفية إعادتهم إلى لبنان.
وهذا الانتظار يرتِّب على العالقين أكلافاً إضافية، لا سيّما أكلاف المبيت في الفنادق لفترات زمنية مفتوحة، ناهيك بأكلاف الأكل وتأمين المستلزمات، كالأدوية وحليب الأطفال وما إلى ذلك. وأمام هذه المتطلّبات، تقف الدولة عاجزة، في حين أنّ مسؤولية شركات الطيران محدودة. فهل تدفع الدولة كلفة الانتظار؟

بين أوروبا وإفريقيا
تأميناً للسلامة العامة، أقفلت بعض الدول مجالاتها الجوية، وألغت شركات الطيران رحلاتها، فيما أبقى عدد قليل من الشركات على رحلات استثنائية لإجلاء المواطنين العالقين، ويتم تنسيق الرحلات مع السلطات المختصّة في الدول المعنية.

لكن التطبيق على أرض الواقع ليس بهذه السهولة. فالاتصالات التي يقوم بها اللبنانيون العالقون في الخارج لا تثمر عن تحرّك سريع لإجلائهم، ما يضطرّهم إلى تحمّل خسائر في الوقت والأموال والخوف من أي تداعيات سلبية ترتبط بتفاقم نتائج الحرب التي قد تؤدّي إلى وقف حركة الطيران بشكل كامل.

ينتظر هؤلاء في تركيا ورومانيا وبلجيكا والعديد من الدول الإفريقية، ويشتكون من عدم التواصل الرسمي معهم من الجهات المعنية في لبنان. فالعالقون في انطاليا في تركيا، على سبيل المثال، فوجئوا بإلغاء رحلاتهم من دون أي تبرير، وتُركوا في حالة من الإرباك والخوف. علماً أنّ بعضهم لم يعد يملك المال لحجز تذكرة جديدة للعودة، ولا لتمديد الإقامة في الفندق. وبعض العالقين بقي في المطار وسط نقص الطعام.

وفي رومانيا، عدد من اللبنانيين عالقين بعد تعذّر تسيير رحلات إلى لبنان. ويؤكّد أحد اللبنانيين العالقين هناك، أنّ "المشكلة كبيرة وحقيقية، فالنقص فادح في الأموال، وهناك صعوبة في تأمين المنامة في الفنادق لأيام طويلة". وكذلك الأمر بالنسبة للعالقين في إفريقيا وبلجيكا، فبعضهم تم إلغاء رحلاتهم من دون تعويض لثمن التذاكر أو الحجز على شركات طيران أخرى.

غياب السفارات اللبنانية
"لا تتعامل السفارات اللبنانية بمسؤولية توازي حجم الحدث"، يقول أحد العالقين، ويوضح في حديث لـ"المدن"، أنّه "حاولنا التواصل مع السفارة اللبنانية، ولم نلقَ جواباً. وبعد التواصل مع مسؤولين لبنانيين، نجحنا في إيصال صوتنا إلى السفارة عن طريق وزارة الخارجية في لبنان. لكن ما سمعناه من السفارة هنا، لم يتعدَّ الوعود بالتعاون لتأمين المساعدة، لكن أحداً لم يوضح كيفية المساعدة، لا على المستوى المادي ولا على مستوى تأمين السكن".

ويلفت اللبناني النظر إلى أنّه "مقابل هذا الاستخفاف في التعامل معنا، فإن الأشقّاء الأردنيين العالقين معنا، تواصلوا مع سفارتهم وأمّنت لهم مبالغ مالية وأماكن للسكن".

هذا الاستخفاف "يدلّ على أنّ المسألة تتّجه إلى التعقيد. وقد أُبلِغنا أنّ لا احتمال لإعادتنا إلى لبنان قبل يوم الجمعة المقبل، وهذا ما يرتّب أعباء مالية لا نستطيع تحمّلها". وما يزيد من صعوبة الواقع، هو أنّ "لا إمكانية لسحب الأموال من المصارف عبر الفيزا كارت الصادرة عن المصارف اللبنانية. وفي رومانيا يتم التعامل بالعملة المحلية "ليو" أو باليورو، وليس بالدولار، وهذا يفاقم المشكلة".

من جهتها، توضح مصادر في وزارة الخارجية أنّ "الوزارة أبلغت البعثات اللبنانية في الخارج أنّ عليها تقديم ما تستطيع تقديمه من مساعدات". وتضيف في حديث لـ"المدن"، أنّه على المستوى الداخلي "تعمل وزارة الخارجية مع وزارة الأشغال المسؤولة المباشرة على الطيران المدني، على تنسيق كيفية تأمين طائرات إضافية من شركة طيران الميدل إيست (طيران الشرق الأوسط) لنقل الركّاب العالقين في الخارج".

وحول المسؤوليات، يؤكّد نقيب أصحاب مكاتب السياحة والسفر جان عبّود، في حديث لـ"المدن"، أنّه "على الدولة تحمّل مسؤوليّتها في هذا الخصوص". ويوضح أنّه "في حال حصول أي طارىء، على الشركة الناقلة قانونياً، تحمّل كلفة ليلة أو ليلتين، وبعد ذلك تصبح المسؤولية على عاتق الدولة، فهذا الوضع استثنائي وطارىء وليس من مسؤولية الشركة الناقلة".

ويعيد عبّود التذكير بأنّه "خلال الحرب الأخيرة على لبنان، تحمّلت سفارات الدول مسؤولية تأمين متطلّبات رعاياها ومسؤولية إجلائهم من لبنان". ويلفت النظر إلى أنّ "شركات السياحة والسفر اللبنانية ساعدت لبنانيين كانوا في تركيا، بالانتقال من مناطق ليس فيها حركة طيران إلى لبنان، إلى مناطق أخرى فيها حركة طيران. وبعض هؤلاء تم نقلهم من أثينا في اليونان، إلى اسطنبول في تركيا، ومنها إلى لبنان. ويتم خلال عملية النقل، مراعاة جداول رحلات شركة طيران الشرق الأوسط". وكذلك، عملت بعض شركات الطيران الناقلة للركاب "على تأمين منامة لليلة واحدة على نفقتها، للذين حجزوا على متنها، أو أمّنت لهم طريقاً سالكاً للعودة إلى لبنان على متن شركات أخرى، من دون كلفة إضافية".

الأذونات الرسمية
حلّ معضلة الأموال والمبيت، لا يعني اختفاء المشكلة بصورة نهاية، إذ أنّ الأذونات الرسمية للسلطات المعنية، تبقى مطلوبة وأساسية لفتح المطارات وتسيير الرحلات. وعلى سبيل المثال، يوضح عبّود أنّ ما حصل مع اللبنانيين في شرم الشيخ، هو التالي "أوقفت السلطات المصرية في شرم الشيخ حركة الطيران المدني، ولم تعطِ الحق في الإقلاع والهبوط لأي شركة طيران، فعمد وكيل الشركة التي حجز الركاب على متنها، إلى استئجار طائرة رومانية وأعطت السلطات المصرية الحق للطائرة بالهبوط لنقل الركاب".

وكشف عبّود أنّ الوكيل "حجز للركّاب ليلة في الفندق على حساب الشركة، والليلة الثانية دفع جزءاً من الكلفة والركاب دفعوا مبلغاً زهيداً". وبرأي عبّود، فإنّ "إعطاء السلطات المصرية الحق للطائرة الرومانية بالهبوط والإقلاع، سيساعد في إضفاء جوّ من الطمأنينة يساعد في تسيير رحلات إضافية لإجلاء الركّاب".

ما يعيشه اللبنانيون العالقون في الخارج ليس سهلاً "ولا يمكن تصوّره بالنسبة لمن لا يعيش هذه التجربة"، بحسب أحد العالقين في رومانيا. فالمسألة ترتبط بالفترة الزمنية وبتطوّرات الحرب الإيرانية الإسرائيلية وباحتمالات توسيعها وتفاقم حدّتها بشكل يشلّ حركة الطيران نهائياً، ما يعني أنّ اللبنانيين غير المقيمين في الخارج، سيواجهون كارثة حقيقية تغيب دولتهم عن تأمين الحلول لها. ولذلك "ثمّة مفاجآت سلبية من المتوقّع أن يشهدها اللبنانيون العالقون".