المصدر: لبنان الكبير
الكاتب: وليد شقير
الأحد 19 أيلول 2021 16:23:47
مع انطلاقة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي والظروف التي أحاطت بتشكيلها يدعو أكثر من مراقب وسياسي لبناني إلى مراقبة اللعبة السياسية الكبرى الدولية والإقليمية التي يتأثر بها لبنان ومحيطه الإقليمي، بموازاة الاهتمام بما وصفه البيان الوزاري للحكومة بـ "التحديات الآنية المعيشية التي تفرض نفسها كأولويات"، إضافة إلى "مقاربة سائر الملفات البنيوية التي تساعد في تنشيط الاقتصاد وتطوير القطاعات الإنتاجية وجذب الاستثمارات وتعزيز الثقة الداخلية والخارجية بالدولة".
وعلى رغم أن بعض الوسط السياسي اللبناني يعتبر أن ظروف تأليف الحكومة خضع لحسابات محلية تأخذ في الاعتبار التطورات الإقليمية التي شهدها الإقليم في الشهرين الماضيين، ولم يكن بسببها في شكل مباشر، فإن أوساطاً أخرى تتابع ما يجري على الصعيدين الدولي والإقليمي على قناعة شبه جازمة بأن وقف عملية تعطيل الحكومة جاء بقرار خارجي، وتحديداً نتيجة تفاهم فرنسي - إيراني، تولت باريس بنتيجته حضّ ميقاتي ورؤساء الحكومات السابقين على تشكيل "أي حكومة"، فيما تكفلت طهران بإبلاغ "حزب الله" بوجوب إنهاء الفراغ الحكومي، مما دفع الحزب إلى الطلب من حليفه رئيس "التيار الوطني الحر" والرئيس ميشال عون تليين شروطهما في عملية توزيع الحصص في التركيبة الحكومية، طالما حصلا على مكسب اشتراك رئيس الجمهورية في التأليف، وطالما أن ميقاتي تجاوب مع الإصرار على التنسيق مع باسيل في تسمية الوزراء وتوزيع الحقائب، واجتمع معه أكثر من مرتين بعيداً من الأضواء لهذا الغرض.
لكن النتيجة شبه الجازمة التي يخلص إليه المتابعون لمسار التأليف هي أن عون وباسيل تموضعا في شكل حاسم في الحضن الإيراني لقناعتهما بأن حفاظهما على مكاسبهما في السلطة لن يتأمن إلا عبر هذا التموضع.
وفي رأي أوساط متصلة بالخارج أنه في كل الأحوال هناك مظاهر لانعكاسات اللعبة الكبرى الدائرة بين الدول منها اعتقادهم بوجود غض النظر الأميركي عن استيراد النفط الإيراني من "حزب الله" إلى لبنان في سياق ترتيبات محتملة في المنطقة.
بعد التقرير الذي بثته وكالة "رويترز" الجمعة 17 أيلول عن أن إيران استمرت في بيع المشتقات النفطية التي تنتجها في الأسواق العالمية على رغم العقوبات الأميركية، فإن وقائع نقل المازوت الإيراني إلى لبنان تحفل بالدلالات. فمع العقوبات المفروضة عليها من إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب منذ 2018 استطاعت طهران رفع مدخولها من بيع هذه المشتقات إلى 25 مليار دولار عام 2020، أي ضعف مدخولها من بيع النفط الخام الذي تشددت واشنطن بإخضاعه للعقوبات فيما كان مدخولها من بيع البنزين 3 مليارات دولار أميركي. وتقرير "رويترز" أشار إلى أن البنزين الإيراني يباع بالصهاريج وبالبواخر إلى أفغانستان وباكستان وينقل أيضاً إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، ويخضع لإعفاءات من العقوبات. وشمل تصدير البنزين الإيراني أيضاً دولاً أفريقية إضافة إلى العراق...
كما أن التقرير توقع رفع العقوبات عن إيران في حال استؤنفت مفاوضات فيينا حول النووي، ونجحت في التوصل إلى نتيجة، فإن الصادرات الإيرانية ستقفز أكثر، نظراً إلى المنافسة التي تعتمدها طهران في الأسعار.
أما في ما يخص غض النظر الأميركي وكذلك الإسرائيلي، عن استقدام المازوت الإيراني، مع أن واشنطن حذرت لبنان من أنه قد يخضع للعقوبات بسببه، فإن المعطيات لدى المتابعين لهذه الخطوة تشير إلى الآتي:
على رغم هذه المؤشرات المتناقضة عن التفاهمات التي تظلل قيام الحكومة، فإن ما استجد حول الإعلان عن إبرام عقود من إسرائيل مع شركة "هاليبورتون" الأميركية للتنقيب عن النفط والغاز في حقلي غاز "كاريش" و"كاريش نورث" الإسرائيليين في البحر، يشكل تحدياً إضافياً للبنان وللحكومة الجديدة في مواجهة إسرائيل. فحقل كاريش وفق الخرائط الإسرائيلية يقتطع جزءاً من البلوكين 8 و 9 العائدين للبنان وفق ترسيمه لحدود المنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة له.
وإن كانت واشنطن دعمت بدورها قيام الحكومة الجديدة لاعتقادها بأن يجب الحؤول دون انهيار لبنان، فإن حصول "هاليبورتون" على عقد حفر 3 إلى 5 آبار لم يكن ليتم من دون علم الإدارة الأميركية. ويدل ذلك إلى أن القلق الأميركي على انهيار الوضع اللبناني الداخلي جراء الأزمة المالية الاقتصادية، شيء ومراعاة مصالح إسرائيل شيء آخر. فالجانب الأميركي اضطلع بدور في تسريع حصول لبنان على قيمة حقوقه بالسحوبات الخاصة من الأسهم في صندوق النقد الدولي (مليار و135 مليون دولار أميركي) لدعم احتياطي مصرف لبنان وإراحة السوق المالي واستخدام جزء من هذا المبلغ بتمويل خطة إنشاء أحد معامل الكهرباء، وبمعالجة الصعوبات الاجتماعية ومساعدة الأشد فقراً...
ويعتبر العارفون بالموقف الأميركي أن الإعلان عن حصول الشركة الأميركية على عقد حفر الآبار، يعني أن واشنطن باتت تعتبر أن اتفاق لبنان مع إسرائيل على ترسيم الحدود البحرية بات بعيداً أو صعباً نتيجة الموقف اللبناني في مفاوضات ترسيم الحدود التي رعتها واشنطن، وتوقفت مطلع السنة الحالية نتيجة رفع الوفد اللبناني سقف مطالبه بطرح خط حدودي جديد يعطي لبنان حقوقاً (قرابة 2100 كلم مربع) تفوق المنطقة الأساسية المتنازع عليها مع الجانب الإسرائيلي ومساحتها 860 كلم مربع.
وهذا ما جعل رئيس البرلمان نبيه بري يقول إن إسرائيل تنتهك بذلك اتفاق الإطار الذي كان عرابه، على التفاوض حول الحدود البحرية، داعياً إلى تحرك لبناني في اتجاه مجلس الأمن، فيما رأى رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط " أنه كان يمكن استعادة قسم من المنطقة المذكورة لولا المزايدات".
وينتظر أن يشكل هذا التطور عامل ضغط جديد على السلطة فيه وعلى "حزب الله"، بصرف النظر عن المعادلة التي أدت إلى إنهاء الفراغ الحكومي. فتقاسم ثروات الغاز في المنطقة تخضع لمصالح ومشاريع أبعد من المعادلة اللبنانية.