اللواء شقير يفتح طريق العودة: لا نازحين على أرض لبنان بعد 1 كانون الثاني 2026

يشهد لبنان تحوّلًا نوعيًا في مقاربة ملف النزوح السوري، مع انطلاق المرحلة الأولى من تنفيذ الخطة الحكومية لإعادة النازحين، بإشراف ومتابعة دقيقين من المدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير، وبدعم سياسي شامل من أعلى المستويات، بدءًا برئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، وصولًا إلى رئيس الحكومة نواف سلام والحكومة.

وقد عبّرت القافلة الأولى التي سلكت طريق العودة قبل أيام إلى الداخل السوري عن بداية مسار جديد، أكثر من كونها مجرّد تحرّك رمزي أو عددي. فهذه القافلة كانت بمثابة خطوة اختبارية هدفها تثبيت الآلية والتعاون الميداني بين الجانبين اللبناني والسوري، وقد نُفّذت بهدوء وتنسيق رسميّ بين البلدين، مع تسهيلات لوجستية وأمنيّة واضحة تعبّر عن إرادة مشتركة لتطبيع هذا المسار وتفعيله.

وما يجعل هذه الخطوة مختلفة عن سابقاتها، أنها أتت في ظلّ توفير شروط مغرية للعائدين، لا سيّما أنّ من سيغادر لبنان سيحصل على مساعدات مالية معتبرة وفقًا لحجم العائلة، إضافة إلى خدمات طبية واجتماعية وتعليمية ستُقدّم له على الأرض السورية من قبل منظمات دولية معنية، في خطوة تُعدّ تحوّلًا في تموضع هذه المنظمات التي لطالما ركّزت خدماتها في دول اللجوء. أكثر من ذلك، فإنّ العائد يُشطب تلقائيًا من لوائح النازحين في لبنان، ما يعني فقدانه أي امتيازات أو تقديمات لاحقة إن قرّر العودة خلسة إلى لبنان، الأمر الذي يشكّل حافزًا إضافيًا لاتخاذ قرار العودة الطوعيّة في الإطار المنظّم.

المديرية العامة للأمن العام، وبتوجيه وإشراف مباشرين من اللواء شقير، قدّمت تسهيلات كبيرة جدًا لتشجيع العودة، منها إعفاء العائدين من جميع الرسوم والإجراءات، حتى أولئك الذين دخلوا الأراضي اللبنانية بطريقة غير شرعية. فهؤلاء لن يُفرض عليهم منع دخول لاحق، بل يُسمح لهم بالعودة لاحقًا إلى لبنان بشكل شرعي إذا اقتضت الحاجة وبموجب الإجراءات القانونية المعتمدة. هذه المقاربة المرنة شكّلت تطمينًا للعائلات السورية المتردّدة، ورسالة بأنّ لبنان يريد معالجة الملف بكرامة، وليس بفرض قسري أو طرد عشوائي.

الدولة اللبنانية تعتبر أنّ هذه الفرصة المتاحة حاليًا قد تكون الأخيرة، خصوصًا أنّ التمويل الدولي المخصّص للنازحين في لبنان قد لا يستمرّ بعد العام 2025، ما يعني أنّ من يفوّت فرصة العودة الآن قد يجد نفسه بلا أي دعم طبي أو تعليمي أو حتى غذائي في السنة المقبلة. كما أنّ عددًا من الدول العربية الشقيقة أبدى استعدادًا لدعم جهود العودة، تحديدًا في مسألة ترميم البيوت وتأهيلها، تمهيدًا لاستقبال العائدين قبل انطلاق عملية إعادة الإعمار الشاملة في سوريا.

الخطة الموضوعة تأخذ في الاعتبار الأبعاد القانونية والإنسانية، وقد حدّدت المهلة الأولى للتسجيل من 1 تموز حتى 31 تشرين الأول 2025، على أن تُمدّد حتى نهاية العام الحالي. وبعد هذا التاريخ، سيُطبّق القانون بشكل صارم، حيث لن يُعترف بأي سوري بصفة نازح، بل سيصنّف إما كمقيم شرعي أو كمخالف يخضع للملاحقة القانونية. ومع ذلك، فإنّ لبنان لا يُنكر حاجته إلى اليد العاملة السورية في قطاعات محدّدة، لكنّ هذه الحاجة سيتمّ تنظيمها وفق آليات معروفة تضمن الشرعية والحقوق.

لعلّ أبرز ما يميّز هذه المرحلة هو الإجماع اللبناني غير المسبوق على ضرورة معالجة هذا الملف الذي أثقل كاهل الدولة اقتصاديًا واجتماعيًا وديموغرافيًا. وقد شكّل هذا الإجماع بيئة سياسية داعمة سمحت للواء شقير بالتحرّك بقوّة وثقة، مدعومًا بتفويض واضح من القيادة السياسية لتنفيذ الخطة دون تردّد. إنّ ما بدأ في الأيام الماضية ليس مجرّد قافلة عودة، بل هو تتويج لمسار سياسي وأمني واقتصادي بدأ يتبلور بجدية، ليعيد تصحيح واحدة من أكثر الأزمات تعقيدًا في تاريخ لبنان الحديث، ويرسم ملامح مرحلة جديدة تقوم على إعادة الاعتبار للسيادة، وتحقيق التوازن بين مقتضيات الإنسانية ومصالح الدولة.