الليرة اللبنانية "على حالها" أمام الدولار... ماذا ينتظرنا؟

تنتظر الحكومة اللبنانية الجديدة التي تشكّلت برئاسة نواف سلام تحديات كبيرة، أبرزها إعادة الإعمار وتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار والالتزام بالقرار 1701. ومن الأمور الأساسية المطلوبة، تنفيذ إصلاحات اقتصادية ومالية والتي تشكّل شرطاً من الدول المانحة لدعم لبنان.

منذ عام 2019، فقدت الليرة اللبنانية نحو 90% من قيمتها، وأدّت الأزمة المالية إلى انهيار القطاع المصرفي معطوفاً على قطاعات أخرى.

اليوم اختلف المشهد مع تشكيل حكومة نواف سلام، إذ أن العملة الوطنية بقيت ثابتة عند حدود الـ89,500 ليرة مقابل الدولار، في وقت كان اللبنانيون يتوقعون أن ينعكس تشكيل الحكومة إيجاباً على السوق، وأن تتراجع الليرة اللبنانية ولو قليلاً، ما قد يعطي بعض الأمل في إمكانية تحسن الوضع الاقتصادي. علماً أن سعر صرف الليرة اللبنانية بقي مستقراً منذ آذار 2023 وحتى اليوم، رغم الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي شكلت ضربة قاسية للحركة الاقتصادية في البلاد.

أمام ما تقدم، لماذا بقي سعر الصرف ثابتاً؟ وما الإجراءات التي يجب على الحكومة تنفيذها في هذا المجال (مشكلة سعر الصرف)؟ وما هو مستقبل العملة الوطنية؟

"شبه مثبت"
يُؤكد الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان في حديث خاص إلى "النهار" أن "سعر صرف الدولار شبه مُثبت اليوم عند مستوى الـ 89,000 ليرة لبنانية". ويعود هذا الثبات، بحسب أبو سليمان، إلى "التحكم بالكتلة النقدية بالليرة اللبنانية من قبل المصرف المركزي"، موضحاً أن "هناك قراراً نقدياً بتثبيت سعر الصرف، وبالتالي فإن أي نوع من الصدمات، سواء كانت إيجابية أم سلبية، لن تؤثر عليه".

وفي تأكيد لما قاله، يشير إلى سعر صرف الدولار خلال الحرب الإسرائيلية، الذي بقي على حاله "بسبب وجود قرار بإبقائه على هذا المستوى (نحو 89,000 ليرة لبنانية مقابل الدولار)".

وحول الإجراءات المطلوبة من الحكومة لتحسين وضع الليرة، يقول أبو سليمان إنَّ "الإصلاحات الاقتصادية والمالية ضرورية جداً، فالعملة هي مرآة الاقتصاد. ومن الإصلاحات المطلوبة، إعادة هيكلة الدين والمصارف، وكذلك إعادة النظر في الموازنة ومكافحة الفساد والهدر"، مشدداً على أن "كُل ما ذُكر يعيد الثقة، التي تعتبر أمراً حيوياً لزيادة الطلب على العملة الوطنية".

وعن مستقبل الليرة، يؤكد الخبير الاقتصادي لـ"النهار" أنه "في حال تم اتخاذ هذه الخطوات، وتنفيذ الإصلاحات، وتحرير سعر الصرف تدريجياً، من الممكن أن نشهد تحسناً للعملة الوطنية"، مستدركاً: "أما إذا أخفقنا في القيام بالإصلاحات المطلوبة، فسيبقى الوضع كما هو، بسبب قرار تثبيت سعر الصرف".

" مؤشر إيجابي"
في سياق آخر، أظهرت بيانات "تريدويب" أن سندات لبنان المقيّمة بالدولار قفزت بما يصل إلى 1.1 سنت لتطرح للبيع عند نحو 18.3 سنتاً عبر معظم آجال الاستحقاق، وهو أعلى مستوى منذ آذار 2020.

في هذا الإطار، يشير أبو سليمان إلى أن "انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة يُعدان مؤشراً إيجابياً ساهم في هذا الارتفاع، من خلال ملء الفراغ الدستوري"، مضيفاً: "حاملو هذه السندات استبقوا الوضع بتوقع إمكانية إعادة هيكلة لسندات الخزينة المقومة بالدولار (يوروبوندز)". 

ويُذكّر في حديثه بالتخلف عن سداد الديون بالعملات الأجنبية منذ نحو خمس سنوات من قبل الدولة اللبنانية، مشدداً على أن "إعادة الهيكلة تتم من خلال ممر أساسي وهو الاتفاق مع صندوق النقد الدولي".

ويشرح السبب قائلاً: "أي حامل لهذه السندات يجب أن يكون هناك طرف ثالث بينه وبين الدولة، وهو عادةً صندوق النقد، الذي يُشكل ضمانة لاستدامة الدين ولتمكين الدولة من إعادة تسديد ديونها من هذه السندات".

"صرف حاجاتهم"
فؤاد، صاحب محل صرافة في مدينة صور جنوبي لبنان، يقول في حديثٍ لـ"النهار" إن "المواطنين تهافتوا على صرف الدولار بعد انتخاب رئيس الجمهورية والحكومة خوفاً من تراجعه. لكن بعد فترة قصيرة، عادوا إلى صرف حاجاتهم فقط".

ختاماً، ورغم هذا الاستقرار الظاهر، تبقى الإصلاحات الاقتصادية والمالية المطلوبة من الحكومة أساسية لإعادة بناء الثقة في الاقتصاد اللبناني.

وغياب القيام بالخطوات الضرورية قد يؤدي إلى استمرار الوضع الراهن، ما يجعل المستقبل المالي للبنان رهناً بإرادة التغيير وإصلاح المؤسسات.